على وقع هدير الطائرات الحربية، وطلقات المدافع، وعلى شاطئ بحر الدم حيث تعلو صرخات الأبرياء العزل، رجالاً ونساء وأطفالاً ومسنين، تستمر العلميات العسكرية والغارات الجوية من غزة إلى بيروت، مخلفة وراءها الضحايا والدمار، إنها الحرب ولا شيء غيرها، تطرح صورة ملتهبة من الشرق إلى الغرب، وتجعل الدبلوماسية ملتبسة.
تبدو التهدئة كهدف بحد ذاته، لكن إذا أريد لها أن تعيش، فلا بد لها من ضوابط، تجري المحاولات لإنعاشها من خلال مبادرات عربية وأوروبية، فيما الدبلوماسية الأمريكية خلدت إلى استراحة في البيت الأبيض، كأنها تقول للشعبين الفلسطيني واللبناني: أراكم بعد الانتخابات.
وفي الوقت الذي تبدو فيه غزة غارقة في دمائها، بينما بيروت وأخواتها تواجه طوفان النار، يبحث الفلسطينيون واللبنانيون عمن يرمي بخشبة الدبلوماسية، وإن بدت عائمة على بحر من الدم، وهائمة بين جملة الشروط المفتوحة والغامضة.
أهداف مفتوحة
وفق مراقبين، فالحرب الدائرة حالياً، كغيرها، لا بد لها من نهاية، وككل سوابق الحروب، تجذب الجهود الدولية لوقفها، وفتح صفحة جديدة بين أطرافها، لكن هذه الحرب المفتوحة على مصراعيها، بدت عصية على أي حل سياسي، فضلاً عن أهدافها بدت غامضة ومفتوحة أيضاً، فحتى إسرائيل بدت تدرك أن بعض مطالبها لا يمكن تحقيقها.
المبادرات العربية والدولية، ومن بينها المصرية والفرنسية، تبرز الهدف المباشر لها، وهو وقف الحرب في كل من غزة ولبنان، لكن هذه المبادرة واجهت مقاومة شديدة، تراوحت ما بين التصلب في مواقف بعض الأطراف، وعدم تأمين الممرات الآمنة التي ستنفذ منها إلى حيز التنفيذ، ليستمر صب القذائف على المدنيين العزل، ويستمر معها سقوط المزيد من الضحايا.
وما بين الهدنة المؤقتة والحرب المفتوحة في غزة ولبنان، تظهر مواجهة ما بين الحدين وأبرز ملامحها تأهب إيران للرد على الضربة الإسرائيلية الأخيرة، ليبدو حبل المواجهة على الجرار، وهكذا تتفاعل معها الأطراف السياسية، المنوط بها افتراضاً، وقف كرة النار المتدحرجة، وإخماد لهيبها.
أي هدنة؟
ووفق رأي الكاتب والمحلل السياسي، هاني المصري، فهناك سيناريوهات عدة متوقعة للمرحلة المقبلة، يقفز في مقدمتها إعادة الحكم العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة، وتشكيل حكومة أو إدارة فلسطينية تحت الحكم العسكري، وإدارة خارجية عربية ودولية للقطاع، واستمرار حكم حركة حماس وهو السيناريو الأقل حظاً، وفق تعبيره.
وأشار المصري إلى أن غالبية هذه السيناريوهات تبدو سيئة وغير قابلة للتنفيذ، أمام المخطط الإسرائيلي لتغيير جغرافيا قطاع غزة، وتبعاً لهذه السيناريوهات تبدو جهود الوسطاء متعثرة، وتبقى الهدنة في مهب الريح. وبينما تستمر المناورات الدبلوماسية، وطرح المواقف والمواقف المضادة، من المؤكد أن يسقط ضحايا جدد وجرحى كثيرون، ولا عزاء للقرارات الدولية والأممية.
مواقف
إسرائيلياً، هناك تضارب في المواقف في إدارة الحرب على كل من غزة ولبنان، والدخول فيما يوصف بحرب ثالثة على جبهة إيران، لكن نتنياهو يستأثر دوماً بالقرار، ما يعني غياب الموقف الجاد من الهدنة، والتوغـل أكثر في المواجهة العسكرية. هذا الغـموض في الموقف الإسرائيلي، والمتأرجح ما بين الموافقة على التهدئة، والاستمرار في الحرب، يفسره مراقبون على أكثر من محمل، فمن جهة يذهب محللون إلى أنه يندرج في إطار خداع حركة حماس وحزب الله، ومن أخرى يبدو الاستنتاج أقرب إلى الضغط عليهما من خلال الاستمرار في استهداف المدنيين، وفرض أجواء ضاغطة عربياً ودولياً.
تبدو مطالب الأطراف المعنية متعارضة، فإسرائيل تريد القضاء على حركة حماس وحزب الله، بينما تتفاوض معهما، فيما الوسطاء يبحثون عن هدنة جديدة، وعليه، تظل أهداف الحرب من الوجهة الإسرائيلية، في مواجهة أهداف أخرى فلسطينية لبنانية، وأكثرها جسارة الوقف التام للعمليات العسكرية، وهو ما لا يتيحه ميزان القوى على الجبهتين، كما يقول مراقبون.