ينظر الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني إلى عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، كل على طريقته، ووفقاً لما يرغب أو يخطط، وتبقى بين الرهانين مساحة اسمها الواقع وجزء منه مناطق عصية على التوقع.
أول من أمس، ربط وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش مخططه المعلن لضم الضفة الغربية بمجيء ترامب، معلناً 2025 عاماً لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة التي يسميها «يهودا والسامرة»، ما يشمل فصل الفلسطينيين عن المستوطنين عبر مخططات لبنى تحتية تفضي لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للضفة.
وهيئة البث الإسرائيلية ذكرت أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو طرح في اجتماعات مغلقة ضم الضفة، مع تسلم ترامب مهام منصبه.
السلطة الفلسطينية التي كانت في حالة قطيعة مع إدارة ترامب في نسختها الأولى (2016 - 2020)، تقول الآن إنها ستفتح «صفحة جديدة» مع نسخته الثانية، باعتبار أنه تحدث عن إنهاء الحروب وحل المشكلات، ولا بد من «ملاحقة العيّار إلى باب الدار». واضح من الأسماء التي تضمنتها قائمة فريق ترامب المقبل أنها في المجمل من المؤيدين لإسرائيل، وبعضهم من المتعصبين في تأييدها.
سياسة أم تنفيذ؟
ويبقى السؤال: هل ستكون السياسة الأمريكية في هذا الملف بيدهم ووفق ما يبطنون ويعلنون، أم أنهم سيكونون أدوات تنفيذ لما يستطيع ترامب فعله ضمن منظومة سياسات لا تتجزأ؟
وفي حين يصعب التكهن بماهية وخطوط واتجاهات ترامب «الجديد»، عبر المرشح لمنصب السفير الأمريكي لدى إسرائيل في الإدارة الأمريكية المقبلة، مايك هاكابي، عن تفاؤله بشأن دعم ترامب لضم الضفة، لكنه استدرك بالقول: «أنا لن أصنع السياسات، إنما سأطبق السياسات التي سيصنعها الرئيس ترامب».
سموتريتش يعمل منذ أشهر على سياسة تكرس ضم الضفة، وما أعلنه أول من أمس مجرد استباق لبدء العهد الترامبي، ومحاولة لرسم طرق إجبارية للسياسة الأمريكية المقبلة، لذلك أرفق إعلانه بـ«إصدار تعليمات لإعداد خطط تطبيق السيادة على أراضي الضفة»، علماً بأن مخطط ضم الضفة موجود في الأروقة الإسرائيلية قبل انضمام سموترتش للحكومة الإسرائيلية، وهو موجود كذلك ضمن مخطط أوسع وأبعد مدى في العقلية الحركية التي وضعت فكرة الإنشاء منذ ثيودور هيرتزل.
3 مناطق
الضفة وفق المخطط يشمل تقسيمها إلى 3 مناطق منفصلة، وينسف المناطق المصنفة أبجدياً وفق «أوسلو». الخبير الفلسطيني في مجال الاستيطان سهيل خليلية يقول إن الحكومة الإسرائيلية تسعى لضم أكبر مساحة ممكنة من المناطق المسماة «ج»، التي تخضع إدارياً وأمنياً لإسرائيل، وهو مخطط موجود على أجندة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
خليلية أوضح لوكالة «معا» الفلسطينية أن الحكومة الحالية سرعت من عملية الضم من خلال التوسع أكثر في الاستيطان وزيادة ميزانيته بما يصل إلى ما يزيد على 3.6 مليارات دولار لتطوير البنى التحتية الاستيطانية في الضفة، وتطبيق «نظام فصل» بين الفلسطينيين والمستوطنين في استخدام شبكات الطرق.
بحسب المخطط سيتم ضم 3 مناطق رئيسية، الأولى هي الأغوار المحاذية للحدود الفلسطينية الأردنية، وتشكل ربع مساحة الضفة، وفي معظمها حالياً ما يسمى بـ«أراضي دولة»، إضافة لمحميات طبيعية ومناطق تدريب وإطلاق نار ممنوع الدخول إليها. المنطقة الثانية هي منطقة العزل الواقعة بين جدار الفصل وخط وقف إطلاق النار لعام 1948، وتشكل نحو 12% من مساحة الضفة.
والمنطقة الثالثة هي تجمعات استيطانية تربط بين غرب الضفة وشرقها، مثل المنطقة بين تجمع أرئييل في منطقة سلفيت ومنطقة الأغوار، وهي تشكل فاصلاً استيطانياً بين شمال الضفة وباقي مناطقها، وتجمع «معالي أدوميم» الذي سيفصل رام الله وسلفيت عن باقي مناطق الضفة، ويمتد حتى البحر الميت، وتجمع غوش عتصيون (منطقة بيت لحم) حتى البحر الميت، ويفصل الخليل وبيت لحم عن باقي مناطق الضفة.
بنى تحتية
أرقام هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية تشير إلى أن الضفة شهدت منذ بداية العام الجاري مصادرة نحو 42 ألف دونم من الأراضي، تحت عناوين مختلفة، لكنها لخدمة المخطط، علماً بأن سموتريتش تعهد ببناء مستوطنة جديدة مقابل كل اعتراف دولي جديد بدولة فلسطين. على أرض الواقع في الضفة، البنية التحتية والإدارية والقانونية والاقتصادية لفلسطينيين مربوطة بإسرائيل، ولن يكون إعلان قانون الضم - في حال حدث - سوى خطوة سياسية تتوج ما تم تطبيقه في «الضم الصامت» خلال عقود.
لكن إعلان الضم يغلق أبواب المراهنة على المسارات السياسية، وله تداعيات صراعية، وقد تتحول إلى ممر إجباري لحروب يقول ترامب إنه لا يريدها، فهل يرسم سياسات تقطع الطريق على الحروب، أم يفتح المجال لمن يصبون الزيت على النار؟