لا أحد يسمع، مع دوي الغارات المستمرة على قطاع غزة، أي أصوات تطالب بتوفير لقمة العيش، إنه الثمن الباهظ للحرب، يدفعه الأبرياء العزل، وليست ثمة حلول تترافق مع تشديد الحصار وتفاقم المعاناة.
وأمام الدمار الكبير والخسائر الهائلة في الأرواح، فلا حديث عن حلول سياسية، فيما إسرائيل لم تتردد في استخدام أدوات قتل جديدة، قوامها التجويع، ومنع دخول الإمدادات.
وفي ظل جمود سياسي يلف المنطقة برمتها، لا يبدو أن إسرائيل في عجلة من أمرها لإنهاء الحرب، وعليه، لا يعرف أهل غزة ما يمكن أن تتمخض عنه هذه الحرب الدامية، سوى الموت، قتلاً أو جوعاً.
«الصورة ثقيلة، والثمن الذي ندفعه باهظ جداً، والجوع يتعمق في مخيمات النزوح»، قال ياسر أبو شمالة (52) عاماً، النازح من مواصي خانيونس، ويعيل أسرة كبيرة، منوهاً بأن أكثر ما يهز كيانه، مشاهد أطفاله وهم يتضورون جوعاً، بينما لا يجد ما يسد به رمقهم.
يوضح أبو شمالة لـ «البيان»: «بدأنا نفتقد أدنى متطلبات الحياة، حتى الخبز والماء أصبح شحيحاً، الجوع أخذ يتعمق في مراكز النزوح، وحتى في المناطق التي تسميها إسرائيل إنسانية، النازحون أصبحوا على أعتاب مجاعة كبيرة، وربما غير مسبوقة، وتكايا الطعام، باتت مهددة بالتوقف، لقلة الإمدادات».
تدفق النازحين
الأمر ذاته نبه إليه عبد العال أبو ماضي (48) من رفح، لافتاً إلى أن سيناريو الجوع بدأ ينتقل من شمالي غزة إلى جنوبيه، نتيجة لتدفق النازحين بأعداد هائلة، موضحاً: «منذ أسبوع أبحث عن القليل من الطحين ولم أجده، والخبز الجاهز بات عملة نادرة، من حيث السعر والكمية، الكل هنا يئن تحت وطأة الجوع، حتى مراكز توزيع المساعدات، غالبيتها توقفت، والأخرى باتت خاوية». شهادة أخرى نقلها حسن الآغا (34) عاماً، بأن الكثير من العائلات في مخيمات النزوح، باتت تعيش على وجبة يومية من الزعتر المطحون، محذراً من تدهور خطير على صحة العديد من الأطفال، نتيجة فقر العناصر الغذائية.
يقول الآغا: «بتنا نخشى على حياة أطفالنا، الجوع يعرضهم للموت في أي لحظة، والمجاعة المميتة بدأت تفتك بالنازحين المحاصرين، إسرائيل قيدت دخول الإمدادات الغذائية، وحرب التجويع لا تقل خطورة عن ترسانة الأسلحة المتطورة». ويضيف: «قسوة الجوع دفعتنا للتنقل من منطقة إلى أخرى، لكن الطعام نفد من سائر أنحاء غزة، الكل يبحث عما يسد الرمق فقط.. الجوع يتهددنا من جهة، ومحاولات إخراجنا بالقصف العنيف من جهة أخرى».
صيحات
حال قطاع غزة، كالقابض على الجمر، فربما لم تفلح محاولات دفع الناس إلى الهجرة من بوابة الجوع، لكن صيحات الإنذار بمجاعة مميتة وكارثة وشيكة، المبثوثة في أرجاء العالم، لم تفلح هي الأخرى في تغيير الحال، فلا الحياة آمنة في مخيمات النزوح، ولا الطريق سالكة لحل الأزمة، ولا تلوح في الأفق أي خيارات سهلة، فغزة أصبحت جزيرة معزولة ينهشها الجوع، ويمكن الاستدلال على خطورة المشهد، من عزوف بعض العائلات عن البحث عن الطعام، بعدما أصابها اليأس، واستسلمت لقدرها، وهذا كما يقول الآغا: «أشد إيلاماً وأكثر وقعاً على النفس، ولا يدانيه شعور على الإطلاق».