يكتسب جبل الشيخ أهمية استراتيجية كبيرة بفضل موقعه الجغرافي المميز، حيث يشرف على ثلاث دول هي لبنان وسوريا وفلسطين. بسيطرة إسرائيل عليه، أصبحت قادرة على مراقبة كل شاردة وواردة في دمشق والمدن المحيطة.
استغلت إسرائيل الأوضاع الراهنة في سوريا بعد سقوط النظام، وتوغلت داخل المنطقة منزوعة السلاح التي أُنشئت بعد حرب عام 1973. شمل هذا التوغل الجانب السوري من جبل الشيخ الاستراتيجي المطل على دمشق، حيث سيطرت قواتها على موقع عسكري سوري مهجور، وقامت بتهجير عدد من القرى.

وإمعاناً في استغلال الفرصة وجهت إسرائيل مئات الضربات على مخزونات الأسلحة الاستراتيجية في سوريا، غير أنها تقول إنها لا تنوي البقاء هناك وتصف التوغل في الأراضي السورية بأنه إجراء محدود ومؤقت لضمان أمن الحدود.
وأرجعت تدميرها الأسلحة الاستراتيجية والبنية التحتية العسكرية لمنع استخدامها من قبل جماعات المعارضة المسلحة التي أطاحت بالأسد من السلطة، والتي ترى أن بعضها نشأ من رحم جماعات متشددة.
وإزاء هذا الوضع نددت دول عربية عدة، بينها الإمارات ومصر والسعودية والأردن، بما وصفته باستيلاء إسرائيل على المنطقة العازلة في هضبة الجولان كما ندد العديد من الدول الأجنبية بالتوغّل الإسرائيلي، لكن الولايات المتحدة عبّرت عن تأييدها لذلك قائلة إن الخطوة ضرورية للدفاع عن النفس بالنسبة لإسرائيل.
أهمية استراتيجية

ونظراً للأهمية الاستراتيجية لجبل الشيخ قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عبر منصة إكس إن جبل الشيخ على الحدود السورية-الإسرائيلية "عاد للسيطرة الإسرائيلية" بعد 51 عاماً "في لحظة تاريخية مؤثرة"، مضيفاً أنه أمر الجيش بالاستعداد للبقاء في قمة جبل الشيخ طيلة فصل الشتاء، لأن ثمة أهمية أمنية كبيرة لسيطرة الجيش الإسرائيلي على قمة جبل الشيخ، وسط ما يجري من أحداث في سوريا، كما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن القوات ستبقى حتى تتوفر قوة فعالة لتطبيق اتفاقية فض الاشتباك الموقعة بعد حرب 1973.
وأكد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس، مئير مصري، على أهمية جبل الشيخ بالقول عبر حسابه بمنصة إكس: "كل متر في دمشق مرصود من جبل الشيخ".
مراقبة

أما الخبير العسكري فائز الأسمر، فقال لموقع قناة الحرة إن إسرائيل "بلا شك سيطرت على سفوح جبل الشيخ الاستراتيجية بقممها الأربع، التي تطل وتشرف على مساحات واسعة من الجغرافيا اللبنانية والسورية، وحتى الأراضي (الفلسطينية) المحتلة".
وأضاف أن إسرائيل سوف "تستغل هذه القمم لزيادة أجهزة المراقبة والرصد والرادارات والإنذار المبكر".
ووصف الأسمر أهمية الجبل بالقول إن "من يسيطر عليه فقد سيطر على جغرافية أمنية واسعة في محيط 3 دول".
وفي ذات السياق، أوضح مدير معهد القدس للاستراتيجية والأمن، إفرايم إنبار، لشبكة "سي إن إن" الأميركية: أنه في عصر الصواريخ يقول الناس أحيانا إن الأرض ليست مهمة، وهذا غير صحيح.. لا بديل للجبال.
وأوضح في ورقة بحثية نشرها عام 2011 حول مميزات جبل الشيخ العديدة، أنه "يتيح استخدام المراقبة الإلكترونية في عمق الأراضي السورية، مما يمنح إسرائيل القدرة على الإنذار المبكر في حالة الهجوم الوشيك".
وحول احتمالية انسحاب الجيش الإسرائيلي من المنطقة، قال إنبار إن مثل هذا الانسحاب يعد "قرارا سياسيا، لكن الجيش سيحب البقاء هناك".
أعلى نقطة
أما الخبير الاستراتيجي علاء الأصفري فقال لموقع بي بي سي عربي: إن جبل الشيخ يُعتبر أعلى نقطة في سوريا، ما يجعله موقعاً استراتيجياً مهماً لمراقبة المناطق المحيطة - كونه يطل على أجزاء شاسعة من لبنان وسوريا وإسرائيل.

وأكد أن "سيطرة إسرائيل على المنطقة يعني أنها ستُشرف على كل المواقع وستمكنها من تركيب أجهزة المراقبة الحديثة من رادارات وكاميرات لمسح المنطقة بشكل دائم"، كما يقول الأصفري.
الوافد الجديد
وحول موقف فصائل المعارضة السورية "الوافد الجديد" يرى الخبير الأصفري أنها يبدو أنها تتجنب الاحتكاك مع أي من جيرانها، لكن يلاحظ بعد سيطرة إسرائيل أن مفهوم الأمن القومي السوري ربما سيُفقد ويتم توسيع الأراضي الإسرائيلية وتحقيق خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بـ"شرق أوسط جديد" من خلال تقسيم سوريا.
أما فصائل المعارضة السورية فطالبت مجلس الأمن الدولي بالتحرك لإجبار إسرائيل على الوقف الفوري لهجماتها على الأراضي السورية والانسحاب من المناطق التي توغلت فيها في الشمال في انتهاك لاتفاق فض الاشتباك الذي تم التوصل إليه عام 1974.
وذكر القائد العام لإدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع أن إسرائيل تستخدم ذرائع كاذبة لتبرير هجماتها على سوريا، لكنه أضاف أنه ليس مهتما بالانخراط في صراعات جديدة في الوقت الذي تركز فيه البلاد على إعادة الإعمار.
موقع استراتيجي

وجبل الشيخ أشهر جبال بلاد الشام، ويقع بين سوريا ولبنان، ويطل على فلسطين والأردن ويسمى جبل «حرمون» بالكنعانية ومعناه في اللغة العربية «حرم» أو «مقدّس»، كما يدعى جبل الثلج، وجبل الشيخ كناية عن الرأس المكلل بالثلج، كما يكلل الشيب رأس الإنسان، وله أربعة قمم، الأعلى 2814م وتسمى شارة الحرمون، والثانية إلى الغرب 2294م، والثالثة إلى الجنوب2236، والرابعة إلى الشرق 2145م.
وللجبل أهمية استراتيجية كبيرة حيث يستطيع أي شخص من على قمة شارة حمرون التي تقع على الحدود السورية اللبنانية أن يرى أماكن واسعة من سوريا ولا سيما دمشق وسهول حوران وبادية الشام والجولان وقسماً من الحدود الشمالية الأردنية والفلسطينية وتحديداً جبال الجليل ومحافظة إربد وسهل الحولة وبحيرة طبرية، وكل جنوب لبنان وسهل البقاع وسلسلة جبال لبنان الغربية، ويعد جبل الشيخ المنبع الرئيسي لنهر الأردن والعديد من المجاري المائية في المنطقة.
يتوشح جبل الشيخ بالثلج طوال العام، وتجري منه الجداول والينابيع وتنساب مشكلة نهر الأردن، حيث تنمو على جانبيه أشجار الكروم والصنوبر والبلوط لذلك استغلت اسرائيل الفرصة السانحة وسيطرت عليه.