مصطلح «أعراس العصر النسائية» والذي يهدف إلى توفير التكاليف وعدم الإسراف، يشهد رواجاً متزايداً، وما يميز بعض هذه الأعراس هو تنظيمها في الفترة من العصر إلى العشاء بطابع تراثي يطغى على فعاليات الحفل، كما يتم تصميمها على النمط التقليدي بما يعكس العادات والقيم المحلية، مثل الأزياء التراثية التي يرتديها العرسان والمدعوون، واستخدام الأغاني الشعبية، والرقصات التراثية والفنون التقليدية، فضلاً عن تقديم الفوالة والمأكولات الشعبية التي تخفف من أعباء البذخ وتحمل الديون أحياناً، حتى أصبح مظهراً رائجاً في جميع مناسبات الأعراس ما يدلل على الترابط الذي يتميز به المجتمع الإماراتي.
بساطة وعفوية
وتقول عفراء الحاي مبارك، مديرة إدارة التدريب والاستشارات بجمعية النهضة النسائية بدبي: «لطالما اتسمت عادات وتقاليد الزواج في الإمارات باليسر والبساطة والعفوية، حيث تراعي الأوضاع المادية للشباب، لجهة عدم المغالاة بالمهور والتفاصيل الأخرى المتعلقة بمتطلبات حفل الزواج».
وأضافت: إن الجمعية حرصت على إعادة إحياء الموروث الإماراتي في نفوس الشباب من خلال تنظيم الأعراس الجماعية النسائية ذات الطابع التراثي، مشيرة إلى أن الجمعية نظمت نسختين من العرس التراثي مؤخراً، ونسخة ثالثة تحمل طابع الموروث الإماراتي من خلال تنظيمه لأول مرة في فترة العصر، حيث بنيت الفكرة على تجهيز عرس كامل حسب الموروث الشعبي، ابتداءً من تجهيزات العروس والزفة، وصولاً إلى مكان العرس ومدعواتهن.
وبينت أن أعراس «العصر» النسائية تميزت بالطابع التقليدي وعادات خاصة بالمجتمع الإماراتي الذي توارث تفاصيلها عبر الآباء والأجداد، إيماناً بأهمية ترسيخ الهوية الوطنية والاعتزاز بالموروث، ليشكل صورة من صور التلاحم المجتمعي، نحو تحقيق التماسك الأسري، ويأتي ذلك تلاحماً مع مساعي الدولة الرامية إلى الابتعاد عن المغالاة في تكاليف الزواج، وتكوين أسر إماراتية مستقرة بلا ديون، واستجابة لتوجيهات القيادة الرشيدة التي شجعت على إقامة حفلات الزفاف الجماعية.
وأكدت أن هناك إقبالاً ملحوظاً من قبل الفتيات على هذا النوع من الأعراس إذ تلقت الجمعية ما يزيد على 40 طلباً من الراغبين في المشاركة، ما يشير إلى تخلصهم من تلك القناعات «البالية»، مثل أن هذه العروس لا تريد أن تكون نسخة مكررة من زميلاتها من العرائس، ولا سيما أن الأعراس الجماعية أصبحت تراعي خصوصية العرائس في السعي نحو التميز والتفرد في حفل الزفاف، حيث إنها توفر زفة خاصة لكل عروسين وتمنحهما الوقت الكافي لالتقاط الصور التذكارية مع ذويهما على «الكوشة» وتقطيع الكعكة وغيرها من التفاصيل، ما يجعل العروس سيدة تلك الليلة ونجمتها.
مجتمع مستقر
من ناحيته، أوضح الدكتور جاسم المرزوقي، خبير نفسي، أن هناك العديد من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على مبادرة «أعراس العصر»، أهمها تصحيح ودعم القناعات الإيجابية المرتبطة بهذه المناسبات وزيادة تحفيز الشباب المقبلين على الزواج ولا سيما الذين يجدون عائقاً في الزواج نتيجة لارتفاع تكاليفه، ما يسهم في رفع أعداد الأسر الإماراتية وتعزيز استقرارها وتماسكها واستدامتها، وهو ما يتماشى مع السياسة الوطنية للدولة من ناحية، وأجندة دبي الاجتماعية 33 من ناحية أخرى.
وحول العوائد الاقتصادية والاجتماعية لهذه المبادرة أوضح الدكتور المرزوقي «أنها تعد تطويراً للخدمات والمساعدات التي كانت تمنح للمقبلين على الزواج، وتذليل العقبات التي كانت تواجههم، أما فيما يخص التحديات التي تواجه أعراس العصر النسائية، فأشار المتحدث إلى أنها تتمثل في قناعات بعض الأسر والتي تنبثق من العالم الافتراضي المبني على معايير وهمية وشكلية تروج لها بعض الشخصيات المؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضاف: إن هناك تحدياً آخر تصدت له الجهات المنظمة للأعراس الجماعية من هذا النوع بتوفير الخصوصية والتفرد للعرسان كما توفر لهم العديد من الحوافز والمميزات الكفيلة بمواجهة التحديات والتقليل من تأثيراتها السلبية.
سنة حميدة
من جهته، أكد عبدالله موسى، واعظ ومستشار أسري، أن الأعراس الجماعية بشكل عام وأعراس العصر النسائية بشكل خاص «سنة حميدة»، وحل عصري للتخفيف من التكاليف الباهظة للزواج، وخطوة واسعة على طريق البحث عن الحلول لمشكلات العزوف عن الزواج، و«الطلاق المبكر»، والتورط في القروض، ثم إنها تعزز قيم التلاحم المجتمعي والبساطة والرضا بالقليل، وحفظ وصيانة الأسر من مظاهر المباهاة والتفاخر والإسراف.
ودعا موسى إلى تشجيع الفتيات على المشاركة في هذه الأعراس كحل لمواجهة التكاليف الباهظة للزفاف، مشيراً إلى أن مبادرة العودة إلى مظاهر الماضي في الأعراس معقود عليها آمال كثيرة، لاتصالها المباشر باستقرار الأسرة.
عوائد اجتماعية
وقال موسى: تعد أعراس العصر حلاً مثالياً للشباب المقبلين على الزواج، والذين يعانون من ارتفاع تكاليف إقامة حفلات الزفاف التقليدية، والتي قد تصل إلى مئات الآلاف من الدراهم، وتشمل هذه التكاليف قاعة الاحتفالات، الطعام، الملابس، والتجهيزات المختلفة، أما في أعراس العصر، فيتم الاكتفاء بتقديم الفوالة للمدعوين من دون بذخ، ما يؤدي إلى خفض النفقات بشكل كبير.
وأضاف: لا تقتصر فوائد أعراس العصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تمتد لتشمل جوانب اجتماعية مهمة، فهي تجمع الناس من مختلف الطبقات والمناطق في أجواء احتفالية تعزز روح الوحدة والتآخي، بما يسهم في نشر قيم التعاون والتعاضد والتكافل بين أفراد المجتمع.
وأكدت منال الجوهري، مستشارة اجتماعية وأسرية، أن دعم الأعراس الجماعية بشكل عام يأتي على رأس أولويات القيادة الرشيدة، بما يذلل الصعاب أمام الشباب المواطنين، ويخفف عنهم عبء وتكاليف الأعراس، داعية المستفيدين من هذه الأعراس إلى أن يتخذوا من هذا اليوم بداية لحياة اجتماعية جديدة تقوم على الاحترام المتبادل وحسن العشرة، والتفاهم المشترك، وتحمل المسؤولية بما يجعل الحياة الأسرية أكثر استقراراً، وبما يحيل الأسرة إلى مؤسسة اجتماعية قادرة على مواجهة التحديات.
دعم المؤسسات الخيرية
وتحظى الأعراس الجماعية بشكل عام وأعراس العصر النسائية بشكل خاص بدعم كبير من المحسنين والمؤسسات الخيرية، التي تعدها وسيلة فعالة لمساعدة الشباب على تكوين أسرهم دون أن تثقلهم الديون، حيث توفر العديد من الجمعيات الخيرية الدعم المالي واللوجستي للأزواج.
وأوضح عابدين طاهر العوضي، مدير عام جمعية بيت الخير أن الجمعية تدعم مبادرة زفة حراير التي تنظمها جمعية النهضة النسائية في دبي منذ 10 سنوات، إذ أسهمت بدعم 23 عرساً جماعياً، منهم عرس العصر النسائي الذي نظمته «نسائية دبي» أكتوبر الماضي حرصاً منها على دعم الشباب والفتيات من أبناء الوطن، الذين يسعون لتحصين أنفسهم بالحلال، وضمن جهودها للمواءمة بين الأهداف الخيرية والاجتماعية.
وأضاف: إن زفة حراير تعد إحدى مبادرات الدعم المجتمعي للشباب من الجنسين في دبي، وتنسجم مع استراتيجية الجمعية في توفير الحياة الأسرية الكريمة لمجتمع الإمارات بصفة عامة ومجتمع إمارة دبي بصفة خاصة، وزيادة معدلات الزواج بين المواطنين، حفاظاً على الهوية الوطنية. وقال إن بيت الخير تمضي قدماً في دعم هذه المبادرة، تشجيعاً لأبنائنا وبناتنا من المواطنين الراغبين بالزواج، كما أنها تعد من أهم المبادرات الاجتماعية التي تصب في مصلحة أبناء الوطن وتساعدهم على بناء أسر جديدة تنعم بالاستقرار الأسري والترابط الاجتماعي.
تضامن مجتمعي
وأشار إلى أن زفة حراير شهدت إقبالاً ونجاحاً لافتين بين فئات المجتمع، وحظيت بدعم من الفتيات المقبلات على الزواج وذويهن، لإيمانهم بأنها مبادرة اجتماعية بصيغة إنسانية تحمل الكثير من معاني الخير، ومنحت الأمل للشباب والشابات، فنسأل الله أن تحقق المبادرة مزيداً من النجاح، حتى تنعم أسر الشباب في الإمارات بالاستقرار والرفاه، وندعو الجمهور الكريم عبر هذا المنبر ليكون عوناً لهم في تأسيس بيت الزوجية، تحقيقاً لمبدأ التضامن والتكافل المجتمعي، وتعزيزاً لأواصر المحبة والوئام في مجتمع الإمارات، مشيراً إلى أن مبادرة إقامة الأعراس في فترة العصر قد تصبح جزءاً لا يتجزأ من مستقبل حفلات الزفاف.
مشاركات: الأعراس التراثية توفر الخصوصية لكل عروس
أكدت مشاركات في العرس التراثي الأخير الذي نظمته «النهضة النسائية»، حرص الجهات المعنية بتنظيم الأعراس النسائية على توفير الخصوصية لكل عروس، من جهة تنظيم الزفة والأغنية والتقاط الصور مع العريس ومع ذويهما، لمنحهما الفرصة للفرح. كما أكدن أن هذه الأعراس لها أهداف اجتماعية نبيلة، وهي بداية الطريق نحو حياة بعيدة عن المشكلات والديون وتشجع الشباب على الزواج المبكر.
وأوضحت العروس ميثة عبيد اليماحي، أن العرس النسائي الذي يقام وقت العصر، يوفر على الزوجين الكثير من الأموال المهدورة على مظاهر الاحتفال، مشيرة إلى أن جمعية النهضة النسائية بدبي حرصت على إبراز مظاهر الفرح والاحتفاء والزفة التي تميل إليها الفتيات في ليلة العمر، وظهور كل عروس بمظهر خاص بها ومميز.
وأكدت أن مشاركتها أسهمت في تقليل المصاريف التي يمكن أن تستغل في تجهيز بيت الزوجية والاستعداد للحياة الجديدة، مؤكدة أن هذه الحفلات تخلق وعياً لدى الشباب بكيفية التعامل مع الإنفاق في حياتهم وتقضي على مشكلات الطلاق والعنوسة ولن تجعل الشباب ينتظرون حتى الثلاثينيات ليتزوجوا.
بدورها، قالت العروس شمسة مبارك الكتبي، إنها كأي فتاة تحلم بيوم الزفاف وليلة خاصة بها يشاركها فيها الأهل والجيران والأصدقاء، مؤكدة أن كل ذلك وفره لها «عرس العصر النسائي» ذو الأهداف الاجتماعية النبيلة، كما سمح لها بالتقاط الصور التذكارية لهذه المناسبة مع أهلها وأصدقائها.
وأعربت العروس المها أحمد الحبسي عن سعادتها بالمشاركة التي عدتها بداية الطريق نحو حياة زوجية مستقرة، داعية إلى الارتقاء بتفكيرنا والترفع عن الصرف الزائد غير المجدي، والتخطيط للاستفادة من المال بشكل أفضل يعود بالنفع على الحياة الزوجية كالتفكير مثلاً بالبدء بمشروع صغير.
وأضافت: أهم شيء هو اختيار الزوج الجيد والصالح الذي ستعيش معه الزوجة بقية حياتها، والمطلوب من الفتاة أن تقدر ظروف الشاب الذي سيتزوجها وتسعى معه للاستقرار.
وثمنت أم العريس عمر الطنيجي، المشارك في العرس النسائي التراثي التجربة، مؤكدة أن الجميع كان يساعد بعضه بعضاً، وكان هناك شعور قوي بأننا جميعاً أسرة واحدة، وقالت: إن هذا النوع من الأعراس يزيل الحواجز الاجتماعية، ويقرب بين الناس.