ما أن تشتعل كرة النار بمواجهة بين إسرائيل والفلسطينيين في قطاع غزة، ضمن صراع دامٍ بلغ من العمر عتياً، حتى تصل جذوتها إلى القاهرة، لتهب عليها رياح مصرية، محاولة إخمادها، وحاثة القوى الإقليمية والدولية الكبرى، وشركاء ورعاة العملية السياسية، على تحمل مسؤولياتها، والتحرك العاجل للجم التصعيد وتهدئة الأوضاع، والسعي قدماً للحل السياسي.
وفيما شهدت قواعد اللعبة السياسية في الإقليم تغييرات عدة على مر التاريخ، من خلال تغير لاعبيها وتجديد أدواتها، ظلت المقاربة المصرية حيال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على حالها، آخذة بعين الاعتبار الدور الريادي والمهم لمصر في النظامين الإقليمي والعالمي، مع مراعاة الاتفاقيات التي تربطها مع إسرائيل من جهة، والعلاقة التاريخية والأصيلة التي نسجتها مع الفلسطينيين من جهة أخرى.
دور محوري
وعبر التاريخ، لعبت مصر دوراً محورياً في تقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتدخلت مراراً بينهما مع كل موجة تصعيد تنشب، ولم يكن يقتصر دورها على الوساطة السياسية وفض الاشتباك بينهما فقط، إذ قادت في محطات ومناسبات كثيرة الجهد السياسي، وعمليات لتبادل الأسرى بين الجانبين، ما وضعها في موقع متقدم ومؤثر عند الطرفين، وجعلها مصدراً دبلوماسياً موثوقاً، يرجح خبراء ومراقبون أن يستمر إلى حين.
في حروب غزة الطاحنة مع إسرائيل، والتي انفجرت أواخر العام 2008، مروراً بالأعوام 2012 و2014، ووصولاً إلى الحرب الاستثنائية الحالية، التي اندلعت عقب هجوم 7 أكتوبر من العام الماضي.
وما زالت تحصد أرواح الأبرياء والنازحين العزل للشهر الخامس عشر توالياً، دأبت مصر على قيادة الحراك السياسي والجهود الدبلوماسية للسيطرة على الأوضاع المتأججة، ولم يكن حراك القاهرة يأتي عفو الخاطر، وإنما بتفويض عربي وإقليمي وأممي ودولي، نظراً لمكانتها، وبما تملكه من أدوات سياسية قوية، وقدرة فائقة وتجربة غنية في نزع فتيل النزاعات.
خطوات سياسية
يقول عضو اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف، إن مصر سعت على الدوام إلى ترطيب العلاقة بين الفلسطينيين وإسرائيل، والدفع لاتخاذ خطوات سياسية من الجانبين في كل مواجهة بينهما، لافتاً إلى أن الحراك المصري يتجاوز كثيراً وقف الحرب على غزة، ليتماشى مع توجهات الأطراف الراعية في فتح قنوات سياسية بين الطرفين، وصولاً للحل الدائم.
ولفت أبو يوسف أن الوساطة المصرية، وضعت الملف الفلسطيني مراراً على جدول الأعمال الدولي، وعملت في مناسبات عدة على بلورة مواقف عربية مشتركة، من خلال حراكها السياسي النشط، وأساسه إعادة الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وتكثيف الجهود الدولية لحلها، بحسبانها مفتاح الاستقرار في المنطقة.
أولوية
وأضاف في تصريحات لـ «البيان»: «نلمس في الحراك السياسي المصري ما يؤشر على أن القضية الفلسطينية ما زالت أولوية بالنسبة للأشقاء العرب، كما يلخص هذا الحراك الحاجة الفلسطينية للدعم العربي، في إيجاد منفذ للحل السياسي، وينتهي بحل عادل للقضية الفلسطينية».
واستناداً إلى آراء النخب السياسية، فلم تكتف القاهرة بطرح الرؤى والأفكار لعودة المسار السياسي بين الفلسطينيين وإسرائيل، وتحسين المناخ العام بين الجانبين، بل تجاوز ذلك بحشد التأييد والإسناد للقضية الفلسطينية، بما يوازي الاهتمام الواسع الذي يبديه المجتمع الدولي حيال عديد الملفات السياسية والإنسانية في العالم.
تحالفات
فيرى الباحث والمحلل السياسي رائد عبدالله، أن الجهود السياسية المصرية حيال غزة، تكتسي أهمية خاصة عند الفلسطينيين، كونها تأتي في ذروة أحداث وقضايا وتحالفات إقليمية ودولية، من شأنها إزاحة الملف الفلسطيني عن الواجهة، مشدداً على أن القاهرة تبدي تفهماً واضحاً للمطالب الفلسطينية بتكثيف الجهود الرسمية العربية، ووضع القضية الفلسطينية على طاولة النقاش الدائم.
وتابع: «ظلت القاهرة على الدوام تستقطب الجهود السياسية، بما تملكه من أدوات دبلوماسية فاعلة، وفي كل حروب غزة السابقة، ترتب على الحراك المصري نتائج ملموسة، وأفضت الجهود المصرية إلى اتفاقيات لوقف النار، وعمليات تبادل للأسرى، ناهيك عن المساهمة الفاعلة في جهود الإغاثة الإنسانية».
«صفقة شاليط»
واستذكر في حديث لـ «البيان»: «الموقف المصري دفع إلى توقيع اتفاقيات وتفاهمات عدة، أبرزها صفقة تبادل الأسرى الشهيرة المعروفة بـ «صفقة شاليط» عام 2011، وحرب غزة مع إسرائيل عام 2014، وأخيراً الهدنة التي تحققت في نوفمبر من العام الماضي، خلال الحرب الدائرة حالياً، وهذا انعكاس واضح لمكانة مصر السياسية على المستويين العربي والدولي، وهو ما يعزز الآمال بوقف الحرب الدامية في غزة».
ومراراً، أثمرت الاتصالات السياسية التي قادتها مصر في خضم حروب غزة المتعاقبة مع إسرائيل، عن انفراجات دبلوماسية ونتائج لافتة، ما عزز من مكانتها الاستراتيجية في قيادة الوساطة السياسية، واختراق جدار الحرب في كل مرة.