يغفو الفلسطينيون على شيء، ويصحون على أشياء. وحدها غزة تغوص في المجهول، ومن خلف دخان الحرب ترتسم أسئلة كبرى، من قبيل: ماذا ينتظر غزة بعد تصفية قائد حركة حماس يحيى السنوار؟.. هل ينزل بنيامين نتنياهو عن شجرة الحرب؟.. وماذا بشأن صفقة تبادل الأسرى، هل تجد إسرائيل من يتفاوض معها؟.
أسئلة تتطاير على تخوم مستقبل غامض لمجريات الحرب الدامية في غزة، والتي شكلت المجازر المتوالية وموجات النزوح، أشد فصولها فظاعة.
وفيما أخذت أوساط سياسية إسرائيلية تستعجل الحل السياسي، استجابة لضغط الشارع الإسرائيلي، الذي بدا مكتفياً بـ «رأس السنوار»، وراضياً بتحقيق بعض ما وعد به نتنياهو، الذي بات في مرمى ضغوط أمريكية ودولية.
لكنه بدلاً من الانصياع لدعوات خفض الغارات على كل من غزة ولبنان، وإعطاء فرصة للجهود السياسية، سارع إلى استثمار ضربة المُسيّرة «التي طالت منزله في قيساريا جنوبي حيفا»، إلى فرصة لاصطياد أهداف سياسية.
مؤشرات عدة، أطلت برأسها من قلب المشهد الملتهب، وفي مجملها، شكلت منعطفاً حاسماً في تحديد وجهة الحرب، التي أخذت تمتد على جبهات أخرى.
وعلى وقع دوي الانفجارات المروعة في جباليا وبيت لاهيا شمالي غزة، وارتفاع مؤشر الضحايا، ارتسمت ملامح دبلوماسية خجولة، قابلها نتنياهو بإشارات إلى أنه ماضٍ في الحرب.
يقول الباحث والمحلل السياسي بهاء رحّال، إن نتنياهو، رغم ظهوره أمام جمهوره بصورة المنتصر، وأنه حقق شيئاً من وعوده في اليوم الأول للحرب، إلا أنه يصر على حجب أصوات الدبلوماسية، مشيراً إلى أن وقف الحرب يتطلب موقفاً أمريكياً وقراراً دولياً، وشيء من هذا لم يتحقق، حتى بعد اغتيال السنوار.
ويضيف: «ما زالت الدعوات الصادرة من البيت الأبيض لوقف الحرب خجولة، بل إنها تتفق مع إصرار نتنياهو على الاستمرار في الحرب، وتوسيع رقعتها، ولذا، اتضح أن وقف الحرب غير مرتبط باغتيال السنوار، كما روج نتنياهو في وقت سابق».
أما الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطا الله، فيرى أن الحرب باتت معلقة بين طرفين (نتنياهو وحماس)، فالأول ازداد تصلباً، مع تحقيقه نجاحات فتحت شهيته على الاستمرار في الحرب، وإزالة عار السابع من أكتوبر الذي لاحقه، ولسان حاله يقول: «لو استجبنا للطلب الأمريكي بعدم الدخول إلى رفح، لما قتلنا السنوار»، فيما حركة حماس ترفض شروط «الاستسلام»، كما طالبها نتنياهو في اليوم التالي لاغتيال قائدها.
وفي ذروة المشهد العاصف، يرى مراقبون أن الميدان ما زال بحاجة لصولات وجولات من التطاحن السياسي، على أمل أن ينتج عن ذلك «ولادة من الخاصرة»، لتسوية دبلوماسية، يخشى الفلسطينيون أن يسبقها تسوية المزيد من المنازل في غزة بالأرض.