مع طلائع الشتاء، وأمطاره الآتية لا محالة، ثمة تغييرات بدأت تفرض نفسها على خيام النازحين في قطاع غزة، فعلى الرغم من الأجواء التي تأجج لهيبها الغارات الإسرائيلية المستمرة، ومعاناة الجوع التي يكابدها الأهالي، إلا أن ما يشبه إعادة انتشار للخيام مضت تشق طريقها نحو أماكن أكثر أماناً.
ويعيش أكثر من مليون نازح ما يعادل نصف سكان غزة، في خيام بدائية بدت متهالكة ودون جدران أو سقوف إسمنتية، يستعدون لمواجهة الأمطار والرياح، فالشتاء كابوس اللاجئين والنازحين، كما يقولون.
ووفقاً لنازحين، فلم تعد الأغطية المتوفرة لديهم صالحة لمواجهة برد الشتاء، إذ مع أول اختبار للأمطار التي هطلت على غزة لأول مرة هذا الموسم، غرقت خيام النازحين، المنتصبة على شاطئ البحر وفي الأماكن المنخفضة، وتسربت إليها مياه الأمطار، فطالت أمتعتهم، ما دفعهم لإعادة توزيع انتشارها في المناطق الساحلية، وأخذت منطقة الشاطئ تفرغ شيئاً فشيئاً.
وتضاعفت معاناة النازحين في مراكز الإيواء، مع دخول الأجواء الشتوية، ففيما تفتقر خيامهم للأغطية اللازمة، لا تستطيع فرق الدفاع المدني الوصول إليهم في حال غرقت خيامهم، كما لا يتوفر لديهم ملابس شتوية كافية.
تفكيك خيام
«الشتاء هو الهاجس الأكبر للنازحين، ومع أول شتاء اجتاحتنا مياه الأمطار في خيامنا، فخرجنا إلى العراء، دون فرش أو أغطية»، يقول صادق السطرية النازح من مواصي خان يونس، مبيناً إلى أنه وعائلته كانوا يقيمون على مقربة من شاطئ بحر غزة، لكن مع دخول فصل الشتاء.
وارتفاع منسوب المد البحري المرافق له، اضطروا للانتقال إلى مناطق أكثر أمناً. وشوهدت عائلات عدة تقوم بتفكيك خيامها، استعداداً للانتقال إلى أماكن بعيدة عن الشاطئ، وإن كان التنقل أمراً في غاية الصعوبة، نتيجة عدم توفر وسائل النقل، لكن هيجان الشاطئ بات خطراً محدقاً بالنازحين، ما دفع بعضهم للتحرك نحو مناطق أخرى، حتى لو كانت أكثر خطورة لناحية القصف والغارات الإسرائيلية.
تغير خارطة
ويقول النازح صافي أبو حطب: «أخذت مساحة مواصي رفح تضييق بالقادمين من منطقة شاطئ البحر، ورغم خطورة الموقف هنا، حيث تتعرض المنطقة للقصف المتواصل، وإطلاق النار من القناصة، إلا أن الأهالي فضلوا الابتعاد عن شاطئ البحر خشية الغرق..
خارطة الخيام بدأت تتغير، فالمنطقة الشاطئية التي كانت تغص بالناس، هجرت، ولم يبقَ فيها إلا القليل، وجميعهم يتأهبون للانتقال إلى أماكن أخرى، وكذلك الحال في منطقة مواصي خان يونس المنخفضة، بينما مواصي رفح ازدادت اكتظاظاً، وبعض العائلات لم تجد لها مكاناً سوى في منطقة الكثبان الرملية، التي تفتقر لأبسط مقومات الحياة، لكنها وجدت نفسها مجبرة على ذلك، في ظل انعدام أماكن بديلة».
ضغوط
وختم أبو حطب بقوله: «سنقضي الشتاء هنا، والغريق لا يخشى البلل، ونعلم أن زيادة القادمين إلى مواصي رفح، ستزيد الضغوط على الخدمات المعدومة أصلاً، وهذا سيفاقم معاناتنا، لكننا مجبرون، ونأمل وقف هذه المأساة».
ويمني النازحون أنفسهم بأن تحرك المشاهد الحزينة التي ستنقلها عدسات المصورين من غزة إلى العالم، مع أول منخفض جوي عميق، المجتمع الدولي، بما يدفعه للتدخل والضغط بقوة لوقف مأساتهم، فهل يفعلها الشتاء هذا العام، وينهي أكبر كارثة إنسانية في التاريخ المعاصر؟