تقترب ساعة الصفر للانتخابات الأمريكية التي يبدأ التصويت فيها رسمياً بعد غد الخامس من نوفمبر الجاري حيث تشتد المنافسة في المعركة الانتخابية بين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كامالا هاريس، للوصول إلى البيت الأبيض.
ووسط الصراع الدائر بين المرشحين يظهر تأثير العرب والمسلمين في أمريكا وقوتهم التصويتية خاصة في ولاية ميتشغان وهي واحدة من الولايات المتأرجحة التي تمهد الطريق للفوز في الانتخابات.. لكن السؤال هنا، هل يستثمر العرب والمسلمون قوتهم في الانتخابات لتحقيق مكاسب؟
يعيش العرب والمسلمون في أمريكا مهتمين بقضايا بلدانهم الأصلية، ويحملون في حقائبهم عند سفرهم للاستقرار في أرض الأحلام والحرية، قضايا الشرق الأوسط وصراعات المنطقة وتوتراتها التي لا تنتهي ولا تعرف الهدنة، إضافة إلى مشاكل الهجرة والاندماج في المجتمع الأمريكي الذي يحمل مشاعر رمادية للمهاجرين العرب والمسلمين، لذلك يأملون دائماً من رئيس الولايات المتحدة تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط ودعم حل القضايا العالقة والدفع باتجاه إنهاء الصراع مع إسرائيل بقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، ويخفف أيضاَ من حدة الانحياز الأمريكي الواضح لإسرائيل في معاركها مع دول المنطقة.
وتعتمد الميول والتوجهات السياسية للناخبين العرب والمسلمين، على عدة عوامل، منها العمر والقضايا الداخلية، لكن التأثير الأكبر مرتبط بما يجري في الشرق الوسط، ووفقا للمعهد العربي الأمريكي يمكن لأصوات العرب والمسلمين، التي تشكل حوالي 1% من إجمالي الناخبين في الولايات المتحدة، أن تحسم النتائج في بعض الولايات التي تعتبر مفتاحية ومهمة.
تصويت لا يحمل التغيير
«لو أن التصويت في الانتخابات يأتي بالتغيير لما سمحوا لنا به»، قالها الكاتب الأمريكي مارك توين منذ أكثر من قرن من الزمان ورغم سخرية المقولة لكن يبدو أنها تمثل لسان حال العرب والمسلمين في بلد الدستور المثالي والديمقراطية، فخلال عقود ماضية لم تفلح محاولاتهم في إحداث تغيير يذكر في توجهات الإدارات الأمريكية المتعاقبة والتي تحمل نهجاً واحداً وإن اختلفت الوجوه وتغيرت الطرق والأدوات.
التجمعات العربية والمسلمة البارزة في أمريكا تتركز في 3 ولايات هي نيويورك وكاليفورنيا وميتشغان حيث تضم الأخيرة وحدها ثلاثمائة ألف ناخب عربي تنحدر أصولهم من الشرق الأوسط، وتحتضن أغلبهم مدينة ديربورن الواقعة ضمن ضواحي ديترويت، ويوجد بها المتحف العربي الأمريكي الوطني، وأحد أكبر وأقدم المساجد في أمريكا الشمالية.
الحراك والتأثير العربي في ميتشغان تجلى في الحملة التي انطلقت منذ عام كامل ترفع شعار «التخلي عن بايدن» حيث اعتبرته المسؤول عن حرب غزة ثم تحولت الحملة، التي تضم نسبة من أئمة المساجد، بسرعة إلى نائبته فور إعلان خوضها الانتخابات فنادى الجميع بـ«التخلي عن هاريس».
وأكدت نتائج استطلاع للرأي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في منتصف مايو الماضي، أن ملف الحرب في غزة له النصيب الأكبر للطريقة التي سيصوت بها نحو 70% من عرب الولايات المتحدة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
روابط وجمعيات
العرب والمسلمون في أمريكا تضمهم روابط وجمعيات يناقشون عبرها قضاياهم ومطالبهم التي يلقونها بين أيدي المرشحين في كل دورة انتخابية وهم يأملون في التغيير، لكن آمالهم سرعان ما تتبدد مع جلوس الفائز في المكتب البيضاوي بعد أن استخدمهم كورقة انتخابية ضمن أوراق متنوعة قادته لتحقيق الفوز، وبالمفاضلة بينهم وبين تكتلات مالية وسياسية ودينية أخرى يتم تجاهلهم، فالآخرون من أعضاء اللوبيات بارعون في الاقتصاد والسياسة معاً ويجيدون الضغط لتحقيق مطالبهم.
وتبدو أهمية ولاية ميتشغان كبيرة لقدرتها على التأثير في معادلة الفوز في الانتخابات الأمريكية فهي لا تعطي شيكا على بياض لأي من حزبي المنافسة، ما يجعلها محل اهتمام في السباق الرئاسي، ففي سبعينات وثمانينات القرن العشرين كانت ميتشغان معقلاً للجمهوريين، ولاحقا تحولت إلى إحدى أبرز ولايات «الجدار الأزرق» المؤيدة للديمقراطيين مع ولاية ويسكونسن، ثم تحولت إلى ولاية متأرجحة في انتخابات 2016، إذ فاز بها دونالد ترامب بفارق ضئيل لم يتجاوز 11 ألف صوت، متغلبا على منافسته وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، ثم خسر ترامب الولاية بفارق مئة ألف صوت تقريباً أمام بايدن في عام 2020، ولولاية ميتشغان 15 مقعداً في المجمع الانتخابي الذي يضم 538 صوتاً تتوزع على كل الولايات.
مغازلة انتخابية لجمع الأصوات
المرشحان ترامب وهاريس غازلا خلال الفترة الأخيرة كتلة الأصوات التي يمثلها العرب والمسلمون حيث أكدت هاريس في خطابها الانتخابي الموجه للعرب على ضرورة العمل على وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط، ورغم التزامها بالثوابت الأمريكية التي تتفق عليها قيادة الحزبين في دعم إسرائيل والتحالف معها، فإنها تحدثت عن حقوق الفلسطينيين.
ترامب الصديق المقرب لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وضع أصوات العرب والمسلمين ضمن أولويات أجندته الانتخابية، ورغم فرضه إجراءات اعتُبرت معادية للعرب والمسلمين في سياسات الهجرة خلال ولايته السابقة، حقق تقدماً كبيراً على صعيد التواصل المباشر مع الناخبين الأمريكيين العرب، خصوصاً في ميتشغان لدرجة أنه حضر شخصياً لتلقي الدعم المباشر من عمدة مدينة هامترامك وهو يمني الأصل وله تأثير على الناخبين في مدينته.
الدور الأمريكي في حروب المنطقة
وفي خطاباته قال ترامب للناخبين إن حروب الشرق الأوسط وأوكرانيا ما كانت لتندلع لو كان هو الرئيس، مشيراً إلى أن عهده خلا من الحروب وهي محاولة لكسب أصوات العرب الأمريكيين الذين استمالهم صهر ترامب اللبناني، مسعد بولس، حيث يتولى تنسيق النشاط الانتخابي لترامب في التواصل معهم، فقد تزوج مايكل مسعد بولس من تيفاني ابنة ترامب الذي أعرب في لفتة انتخابية واضحة عن فرحه بانتظار حفيده الذي سيكون نصف عربي.
ووفقا لصحيفة واشنطن بوست، فإن ترامب يستغل ضعف الديمقراطيين في أوساط العرب والمسلمين الأمريكيين بسبب دعم إدارة الرئيس جو بايدن للعدوان الإسرائيلي على غزة.
تشتت الأصوات واختلاف الرؤى
الخطأ الكبير الذي يضعف الكتلة التصويتية للعرب والمسلمين هو اختلاف الآراء والتوجهات فمنهم من يرى أن هاريس ربما تحدث تغييراً على مستوى السياسات الخارجية للولايات المتحدة، منتقدين علاقة ترامب بنتنياهو، فيما يعتبر آخرون أن فترة ترامب السابقة كانت أفضل اقتصادياً في الداخل الأمريكي وهو ما انعكس على معيشتهم، وأن صلته القوية برئيس وزراء إسرائيل ربما توقف الحرب الدائرة في المنطقة، وهذا الاختلاف في المواقف يفتت الأصوات ويضعف التأثير.
ومع انتهاء التصويت المبكر أدلى ما يقرب من الـ 70 مليون ناخب بأصواتهم حيث أظهرت استطلاعات الرأي تفوق هاريس على ترامب بفارق كبير في ولاية أيوا التي تميل إلى الجمهوريين.
وتبقى المنافسة مستمرة على الوصول إلى البيت الأبيض والسؤال لا يزال مطروحاً، هل يستطيع العرب والمسلمون التأثير في القرار الأمريكي بقوة التصويت في الانتخابات. .أم سيظل تصويتهم بدون مكاسب؟