قبل 6 سنوات، أهدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نظيره الأمريكي حينها دونالد ترامب، كرة المونديال الروسي، على هامش قمة هلسنكي التي جمعت الزعيمين، واليوم يضع بوتين الكرة في ملعب ترامب، من خلال مبادرة روسية تتضمن دعوة للجلوس إلى طاولة المفاوضات، وإيجاد حل للحرب الروسية الأوكرانية التي توشك على نهاية عامها الثالث.
كانت روسيا عززت من حضورها ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط، خلال ولاية ترامب الأولى، وكان بإمكانها الظهور بدور أكثر أهمية، في مواجهة سياسة الرئيس الأمريكي، والتي أثارت غضب وقلق عديد الشعوب العربية، وحتى شعوب دول الاتحاد الأوروبي، سواء أكان على الصعد السياسية، أو الاقتصادية على حد سواء.
وإذ يترقب العالم تحقيق أهم الوعود الانتخابية لدونالد ترامب وهي إنهاء الحروب وإحلال السلام والاستقرار في العالم، يظهر بوتين مرونة أكثر بشأن بعض شروطه لإنهاء الحرب مع أوكرانيا، إذ فتح الباب على مصراعيه أمام الرئيس المنتخب لحل الأزمة معها، بإعلانه استعداد موسكو للحوار مع إدارة ترامب.
العلاقة تبدو مختلفة هذه المرة، فخلال حكمه الأول حمل الرئيس الأمريكي شعار أمريكا أولاً، فيما نظيره الروسي كان يرفع راية روسيا وحدها في مؤشر على دور موسكو الاستراتيجي كدولة عظمى، الأمر الذي سعى بوتين لتكريسه، ودفع ترامب للاعتراف والإقرار به، لكن في الولاية الجديدة يبدي بوتين استعداده التعاون مع ترامب، مرحباً بتصريحات الأخير حول إصلاح العلاقات مع روسيا، لإنهاء الأزمة الأوكرانية، والتي وصفها الرئيس الروسي بأنها إيجابية من رجل شجاع.
نظام عالمي
ووفق مراقبين، فالمبادرة الروسية تكتسي أهمية كبيرة، لجهة الحد من الانجراف نحو الحروب، والذي بات يهدد الشرعية الدولية والنظام العالمي برمته، وثمة إجماع بين الخبراء والمراقبين، بأن مبادرة موسكو ربما تحدث اختراقاً بحوار جدي حول مختلف الملفات الشرق أوسطية العالقة، الأمر الذي فتح شهية المحللين لسيناريوهات، لا تخرج عن أن تشكل المبادرة محطة مهمة، تراجع فيها الإدارة الأمريكية سياساتها حيال كافة القضايا، وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية، وشقيقاتها من القضايا العربية، دون إغفال حل الأزمة الروسية الأوكرانية.
ويرى الباحث والمحلل السياسي رائد عبدالله، أن المبادرة الروسية سيكون لها استنتاجات وتداعيات مغايرة على المنظومة العالمية، وتأتي ضمن المساعي الروسية وعمادها التأسيس لنظام عالمي جديد، مبيناً أن بوتين نجح في استعادة الحضور القوي والدور المؤثر لروسيا، وبات يقف على خط العودة لدور الدولة العظمى، مشيراً إلى أن ما يلفت الانتباه في التقارب الجديد، هو نظرة الطرفين لبعضهما، فلم تعد موسكو خصماً لواشنطن وإنما منافساً.
بينما يرجح السياسي نبيل عمرو، أن ينعكس تفاهم أمريكا وروسيا على مستقبل كافة قضايا المنطقة، وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية، مرجحاً أن تشهد المنطقة تقاسماً للنفوذ، ما بين روسيا وأمريكا.
مصالح
ويقرأ مراقبون في مسارعة بوتين لتقديم التهنئة لترامب، بأنه استعداد للعمل معه للتوصل إلى حل للأزمة الروسية الأوكرانية، مع الأخذ بالاعتبار قوله: الضغط علينا لن يثمر، لكننا على استعداد دائم للتفاوض، مع مراعاة المصالح المتبادلة. وكما في غزة وبيروت، حظيت عودة ترامب إلى البيت الأبيض باهتمام بالغ في موسكو، وسط توقعات بأن تفضي إلى تأثيرات ملموسة على المقاربة الأمريكية للحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وكان لافتاً أن قراءات المراقبين مالت إلى التفاؤل الحذر، بحسبان الحكم على العهد الرئاسي الجديد لترامب، ووعوده المتكررة بإنهاء الحروب وإحلال السلام، ستكون من خلال ترجمة الأقوال إلى أفعال.