إيمان بالله وإخلاص للانتماء والإنسان والأوطان: زايد إرادة التغيير ونهج البناء: بقلم- فؤاد زيدان

33 عاما من العطاء المتواصل والجهد غير العادي في بناء الوطن, وما تحقق على الأرض وفي النفوس وفي حياة المجتمع هو بكل المقاييس(عمل تاريخي) وإنجاز ساهم في تغيير وجه الحياة في هذه المنطقة الغالية من الوطن العربي. ولاشك ان من رأى أو عاصر أو رصد مسيرة دولة الامارات العربية المتحدة, وقارن بين ما كان من أحوال وما تحقق على الأرض وفي النفوس وفي حياة المجتمع, سيدرك كم كان الشوط صعبا وواسعا وكم كانت الانجازات مؤثرة في صياغة الانسان والعمران. وإذا ما امتد البصر الى ما وراء حدود الدولة الى الأفق القومي سيجد المرء أيادي زايد البيضاء مزروعة في مواقع كثيرة من الوطن الكبير, فضلا عن مواقفه المتميزة في المنعطفات الحساسة وعلى مسيرة التضامن والوحدة. فإذا انتقل أفق الرؤية الى التيارات العاصفة التي أصابت منطقة الخليج والوطن العربي والعالم, سيدرك المراقب كم كانت الأمواج عالية وعاتية وان الربان الماهر كان على موعد مع الأقدار وهو يبحر مصمما على الوصول الى بر الأمان, متوكلا على خالقه, ومستندا الى همته وهمة إخوانه الحكام وثقته بشعبه, وساعيا الى البناء وتدعيم الاتحاد ووضع الدولة الناشئة في مكانة متميزة وجديرة بالاحترام. وإذا كان قد قيل الكثير عن هذه الدولة الفتية وقائدها الطامح إلى العلا وإخوانه الحكام رفاق الدرب الطويل, فاننا في احياء مناسبة (عيد الجلوس) نحاول رصد العناصر الرئيسية التي قامت عليها ارادة التغيير عند صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة. ايمان ... واصرار في كتاب صادر عن (البيان) تحت عنوان (شهود على نهضة الامارات) يروي (حنا الياس خريش) وهو من المقاولين الاوائل في (أبوظبي) ان زايد أمر ببناء أول شارع في (أبوظبي) عندما كان نائبا للحاكم, وانه في ذلك الحين كان يحلم بأن تكون (أجمل مدينة في العالم) كما حلم فيما بعد أن تكون الامارات كلها أجمل البلدان. ويؤكد (حنا الياس خريش) ان من أوائل قرارات زايد كان بناء خمس عمارات صغيرة لكن مدير البنك البريطاني علق في ذلك الحين قائلا: (زايد مغامر.. فمن أين سيأتي بسكان للبنايات الخمس التي بناها) ! ويقول رئيس الدولة نفسه: (كان الخبراء لا يشجعون الزراعة, ويقولون ان نموها في أرضنا ووسط هذا المناخ مستحيل, وقلنا لهم: دعونا نجرب.. ووفقنا الله ونجحنا في تحويل منطقتنا الصحراوية إلى منطقة خضراء مما شجعنا على الاستمرار) . كما تؤكد كل المراجع انه منذ أن أصبح حاكما لـ (أبوظبي) في السادس من أغسطس ,1966 فقد سكنه حلمان أساسيان هما: حلم البناء والتقدم, وحلم الوحدة والهوية العربية الاسلامية.. ولا شك ان الواقع يشهد له بالنسبة للحلمين معا, فما تحقق على درب البناء مذهل, وما تم انجازه على درب تدعيم وتصليب اتحاد دولة الامارات العربية المتحدة واضح وبارز, وفوق ذلك فإن زايد ظل دائما من اهم دعاة التضامن العربي فكرا ومسلكا. وقد استطاع بالايمان والاصرار والاخلاص لقناعاته وشعبه وامته ان يقفز فوق عقبات الواقع, ومازال استنادا الى الاسس نفسها يسعى للمزيد. وفي هذه المعاني يقول: (نحن امة عريقة وغنية بتراثها وقيمها الروحية, وعلينا ان نوازن بين الاعتبارات المادية والروحية) ويؤكد انه (لابد من الانطلاق بسرعة ويجب ان نسابق الزمن لقد فاتنا الكثير وامامنا اهداف علينا ان نبلغها من اجل خير ورفاهية شعبنا, صحيح اننا قد نقع في اخطاء, بل وفي اخطار, ولكن علينا ان نحاول تصحيح هذه الاخطاء وبقدر الامكان اثناء المسيرة ودون ان تتوقف انطلاقة حركتنا, والله يوفقنا) . ويضيف: انني لا اقول ان علينا ان نبتعد عن المدنية الحديثة, اننا نريد منها اشياء ونريد ان نتجنب منها اشياء اخرى, اريد ان نستفيد منها بما هو نافع, ونبتعد عن المساوىء, اذ لا يجب ان تجذبنا قشور الحضارة الزائفة, نريد العلم والمعرفة والخبرة التي نحتاج اليها لتحقيق نهضة بلادنا ونجعل منها قيما حضارية باقية للاجيال المقبلة حتى لا تعود هذه الاجيال الى المعاناة من جديد, وحتى لا تقول هذه الاجيال: لقد كان لنا الكثير واضاعه منا الآباء نريد جيلا يحتفظ بعاداته ولا يتنكر لتقاليده الاصيلة في حدود الشريعة الاسلامية وهي حافلة بالتعاليم العظيمة) (لمزيد من التفاصيل راجع الصفحتين 98 و99 من كتاب (زايد بن سلطان القائد والمسيرة) . تأليف حمدي تمام. كذلك ضمن المعروف للكافة كيف يدعو زايد دائما الى (الاستعانة بالله في الدين والدنيا, والاخلاص للامة والوطن) . الانسان هو الثروة دائما ظل زايد مهتما ومعتمدا على قيمة ومكانة الانسان, ومن هنا احتلت التنمية البشرية من تعاليم وصحة وخدمات مكانة مركزية في انطلاقته لبناء الامارات, وكما سعى لاعداد الاجيال الجديدة ودعاها لتطوير نفسها وخدمة وطنها فإنه عمل ايضا على احياء وتنشيط دور المرأة كعنصر فاعل واساسي في المجتمع, وآمن بأن الانسان هو الغاية والوسيلة للبناء والنهضة والتقدم. ومن هنا يؤكد زايد ان (الشباب هو الثروة الحقيقية, وهو درع الامة وسيفها والسياج الذي يحميها من اطماع الطامعين) وان علينا (ان نفتح الافاق امام طموحهم ونزيل العقبات والصخور من طريقهم, ونعطيهم خبرة الاجيال وعصارة الافكار) ويجب ان (نتحاور معهم بروح العصر, ولا نفرض عليهم رأيا او موقفا بغير اقتناع منهم) . وهو يميز بدقة وموضوعية بين وظيفة المال ودور ومكانة الرجال في حياة الوطن والامة فيرى ان (البترول ليس هو العصا السحرية التي تحول الصحراء القاحلة الى جنان وارفة الظلال) وان (لا فائدة للمال اذا لم يسخر في صالح الشعب) و(لافائدة للمال بدون الرجال.. فالمال زائل كالمحروقات اما الانسان فهو العنصر الاساسي لكل تقدم وقيمة الانسان عنده بدوره وعطائه وعمله وذلك لان (الانسان يفني والعمل يبقى) . ان كل هذه المعاني التي آمن بها زايد واخوانه انعكست في سلوك الدولة واهدافها وغاياتها فحققت الامارات معدلات قياسية في توفير التعليم الى اعلى المستويات وفي بناء (الدولة الراعية) المنشغلة لكل ابنائها وفي كل مراحل حياتهم وفي العمل على تفجير طاقاتهم ومواهبهم وتوجيهها لخدمة الوطن والمجتمع. الوطن والانتماء من يتمكن من مراجعة السيرة الذاتية لصاحب السمو الشيخ زايد سيتوقف عند عمق ايمانه بدينه وقوة ارتباطه بعروبته وطموحه دائما لتوسيع رقعة عطائه ليشمل اقصى اتساع معبر عن انتمائه وعقيدته. لقد كان طموحه في البداية ان يجعل من (ابوظبي) اجمل مدينة في العالم, وعندما حكم هذه الامارة وبدأ بتنفيذ مشروع طموح لتغيير الحياة فيها وتحقيق حلمه بتألقها فإنه لم يتوقف عند هذا الهدف, وانما اخذ يتحرك ويبذل كل جهده وطاقته لتوحيد الامارات العربية مشكلا بذلك مع أخيه المرحوم الشيخ راشد بن مكتوم واخوانه الحكام الذين اصبحوا فيما بعد (أعضاء المجلس الأعلى) محركا وحدويا نشطا وفاعلا لتحقيق الهدف الوحدوي. وبكل البساطة والوضوح, فإنه في اجتماع 18 يوليو 1971 أهاب زايد باخوانه الحكام أن يلتقطوا اللحظة المناسبة فقال: (هذه فرصة هيأها الله سبحانه وتعالى لنا, فرصة وجودنا اليوم في مكان واحد, ان قلوبنا جميعا عامرة والحمد لله بالايمان بمبدأ الوحدة, فلنجعل إذن من اجتماعنا هذا فرصة تاريخية لتحقيق أملنا المنشود) . وإذا كان التحضير لانجاز الوحدة قد أخذ بعض الوقت, فما ذلك الا لاكتمال القناعات الحرة وتحقيق الانجاز الذي احتاج الجميع إلى الشعور بانعكاسه ايجابيا على حياتهم, وحين تحقق الهدف فإن طموح زايد أصبح بناء الدولة القوية العصرية المتقدمة, وهو يقول في هذا الأمر: (طبعا انا وحدوي, ولكني لا أفرض الوحدة على أحد, إن وحدتنا قوة لنا, وان سياستنا تقوم على تدعيم ركائز هذه الوحدة مهما كانت التضحيات) . وحين تحقق بناء دولة الامارات العربية المتحدة لم يتجمد الطموح الوحدوي عند زايد, فهو من جهة ساهم بدور نشط في انشاء وتطوير صيغة (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) وهو من جهة ثانية لا يترك فرصة للتعبير عن انتمائه القومي والديني الا وبادر إليها فكرا وممارسة, حيث يشاهد دور زايد في كثير من مواقع التنمية والبناء في الوطن العربي الكبير بين المحيط والخليج. لكن دور زايد أشد ما يكون وضوحا في الازمات والملمات, وتلك هي صفات الرجولة الحقة لدى العربي. من هنا فليس هناك عربي واحد ينسى على سبيل المثال دور زايد اثناء حرب اكتوبر 1973 حين أعلن ان (المعركة ليست معركة مصر وسوريا وحدهما ولكنها معركة الوجود العربي كله ومعركة أجيال كثيرة قادمة علينا ان نورثها العزة والكرامة) وان (الذين قدموا دماءهم في معركة الشرف قد تقدموا الصفوف كلها, وان النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي) . ولم يكتف زايد بالكلمات فكان من أوائل من دعوا إلى دور للنفط في المعركة, وقاموا بالفعل بتحويل الشعار إلى ممارسة, كما سارع الى توفير 100 مليون جنيه استرليني من البنوك لدعم اخوته في مصر وسوريا والمساهمة بدور مباشر في المعركة, ولم يتوقف دور الامارات كلها عند هذه اللحظة الوفية بل استمر هذا الدور وما زال يحمل راية التضامن والوحدة والسعي إلى تجاوز الخلافات والصراعات الثانوية والتركيز على وحدة الانتماء قولا وعملا. * * * على هذه الأسس قام دور زايد وتميز, وقد ظل في كل الظروف مخلصا لقناعاته ومبادئه وعطائه, ومن هنا اكتسب محبة واحترام وتقدير شعبه وأمته وكل انسان يحترم في أخيه الانسان قدرته على البناء واعادة تشكيل الواقع ليحقق أقصى ما يمكن في خدمة الانسان وحياته ومستقبله ودوره.