قبل رحيله بأسابيع.. أصدر الفريق أول محمد فوزي كتابه (الاعداد لمعكرة التحرير 1967 ـ 1970) .. وعلى الرغم من تقدم السن (85 عاما) الا ان الرجل جمع في كتابه مادة تحريرية عن هذه المرحلة, حيث ظل مشهودا له بذاكرته الحديدية.. واعاد في هذا الكتاب الحديث عن مشروع خطة تحرير سيناء )جرانيت) التي اعتبرها الخطة الفعلية لحرب اكتوبر وكان جدلا كبيرا قد اثير حولها من قبل, حين كشف الفريق فوزي عنها قبل سنوات طويلة.. الجديد في كتابه انه جاء بالوثائق الخاصة بهذه الخطة التي صدق عليها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر, ومنها وثيقة من ادارة المخابرات الحربية والاستطلاع.. وتشمل الوثيقة عدداً من العناصر, مثل مرحلة السكون ومرحلة التحضير ومرحلة العمليات. ويقول الفريق فوزي في كتابه (حرب اكتوبر عام 73 درس ودروس) : نبعت فكرة الخطة جرانيت من توجيهات الرئيس جمال عبدالناصر في اجتماعه مع قادة القوات المسلحة ليلة 16 و17 مارس في مقر القيادة العامة بمدينة نصر عندما قال: يبحث القادة كل فيما يخصه بصفة عامة, كما تدرس هيئة العمليات بصفة خاصة كيفية عمل رأس كوبري في الضفة الشرقية للقناة في شهر مايو المقبل. ويضيف: في هذا الوقت كانت القيادة العامة قد استكملت انشاء وتدريب الفرق الميكانيكية الثلاث 3 و6 و23 ذات الاسلحة والمركبات الحديثة المتطورة كاحتياطي تعبوي لقوات جبهة السويس, وهي التي مكنتنا من تطوير الخطة الدفاعية 200 الى خطة هجومية تبلورت افكار الرئيس عبدالناصر الى فكرة العملية جرانيت بهدف الوصول الى المضايق وتأمينها كمرحلة اولى من الخطة الهجومية الشاملة لتحرير سيناء. ويقول الفريق فوزي: قام القادة بوضع فكرة العملية الهجومية بناء على توجيهات الرئيس عبدالناصر في مارس 1970, وناقشت معهم بحضور المستشارين السوفييت وهيئة عمليات القوات المسلحة أسس نجاح هذه الفكرة ثم قمت بتجميع هذه الافكار مع فكرة شن عملية هجومية مماثلة في الجولان تقوم بها القوات السورية في خرائط توضح فكرة العملية جرانيت بعد موافقتي عليها, وعرضتها على الرئيس عبدالناصر للتصديق عليها في منتصف شهر سبتمبر 1970 بمرسى مطروح.. وأكد عبدالناصر وقتئذ على ضرورة استعداد القوات المسلحة لتنفيذ فكرة الخطة جرانيت عقب انتهاء فترة وقف اطلاق النار في السابع من نوفمبر 1971. بعد رحيل عبدالناصر عرض قادة القوات المسلحة فكرة الخطة على الرئيس السادات بحضور الفريق فوزي خلال ثلاثة ايام ووافق عليها.. ويقول فوزي: قمت باختيار جوهر وأسس فكرة العملية جرانيت من خلال مشروع تدريبي بالجنود على مستوى استراتيجي خلال شهر مارس 71, وقامت ادارة المخابرات الحربية والاستطلاع طبقا لواجباتها تحليل فكرة العملية من وجهة نظرها, وأصدرت ملاحظاتها عليها في شكل تقرير موقف اصدرته كوثيقة في 13 ابريل عام 1971.. ويضيف: عندما عرضت فكرة العملية على السادات في مايو 71 وافق عليها ولكنه رفض التصديق على تنفيذ اجراءاتها في ذلك الوقت, علما بأن هذا التوقيت ربيع عام 71 كان افضل التوقيتات للدخول في صراع مسلح مع اسرائيل من وجهة نظر توازي القوى, وبسبب رفض الرئيس السادات لم تتحول فكرة العملية جرانيت الى خطة عمليات تفصيلية. ويسجل الفريق فوزي في مذكراته اسباب خلافه مع السادات وتقديم استقالته من قيادة القوات المسلحة يوم 13 مايو عام 1971.. يقول: في يوم 11 مايو 1971 رفض السادات التوقيع على توجيهات المعركة التي اعددتها لاستئناف القتال مع اسرائيل بناء على توجيهاته لي يوم الرابع من مايو, وتبين لي بوضوح ان حديث السادات عن ضرورة خوض معركة لتحرير الارض لم تكن سوى عملية خداعية لتغطية اتصالاته مع الحكومة الامريكية, ويضيف: لم تكن هذه هي المرة الاولى التي يرفض فيها السادات المعركة اذ تقدمت اليه في يناير عام 71 قبل بدء اجتماعات الدول الاتحادية بمشروع قرار استعداد القوات لمعكرة تحرير الارض, لكنه رفض البدء في اجراءات المعركة, وكان تقديره ان اجراءات اتحاد الدول العربية تسبق في اهميتها اجراءات المعركة. ويقول: رفض السادات الانصياع لقرار مجلس الدفاع الوطني في 2 فبراير عام 71 والذي اجمع على ضرورة استئناف القتال مع اسرائيل ـ رغم عمله بأن قرار المعركة كان على وشك التوقيع من الرئيس جمال عبدالناصر قبل رحيله مباشرة, وان التوقيت المناسب والأخير لتنفيذ المعركة هو ربيع 1971.. ويضيف: كان السادات يعلن ان تأخير المعركة عن ربيع عام 71 سوف لا يكون في صالح قواتنا المسلحة, اذ ان ميزان القوى العسكرية سوف يتصاعد لصالح اسرائيل, وان بقاء الجنود المصريين في خنادقهم بعد فترة ايقاف النار غرب القناة مدة زمنية طويلة سوف يضعف من ارادتهم للقتال. ويضيف: بالرغم من تكرار هذا الحديث مني ومن الزميل محمود رياض كأسلوب ضغط على الرئيس السادات الا انه لم يكترث لمثل هذه الحقائق. ويرجع فوزي تأجيل السادات لكل هذا الى انه ظل يقدم اقتراحات ومشروعات للحلول السلمية هادفا الى استمرار بقاء الحوار ساخنا مع اسرائيل عن طريق الادارة الامريكية, ويقول: حضرت بنفسي ختام مرحلة الحوار غير المباشر بين السادات واسرائيل بحضور سيسكو مساعد وزير الخارجية الأمريكية يوم 9 مايو 71 والذي عاد من اسرائيل حاملا رد حكومتها عن مشروع اتفاق حول (اعادة فتح القناة) ورفضت مصر اقتراحات اسرائيل, وقبل ان يغادر سيسكو القاهرة في طريقه الى واشنطن دعاه الرئيس السادات الى لقاء خاص في منزله, وأبلغه الخطوط الرئيسية التي تحدد نوايا وأهداف الرئيس المستقبلية بالنسبة للسياسة الداخلية في مصر. كان ختام الخلاف هو الاستقالة التي تقدم بها فوزي للسادات.. لكن الاخير اعتبرها ضمن مخطط انقلابي ضده يقوده القيادات التي عملت بجوار عبدالناصر, وعلى اثر هذا حوكم فوزي عسكريا بعشر سنوات سجن, وبعد حرب اكتوبر عام 73 خرج بعفو رئاسي بعد ان طلبت القوات المسلحة ذلك وفاء له. وبعد سنوات, وفي الثمانينيات اختار الرجل معترك العمل السياسي حيث ساهم بقوة وفاعلية في تأسيس الحزب الاشتراكي العربي الناصري بقيادة فريد عبدالكريم, ثم قياديا في الحزب الديمقراطي الناصري.