الملف السياسي : هدوء لافت يلف القرن الافريقي مع نهاية عام 2000 يبشر بعلائم سلام في منطقة كانت في مثل هذه الايام من العام الماضي مشتعلة بكرنفال من الدماء ومملوءة بالفظاعة والجنون والخراب والدمار داخل اثيوبيا ، واريتريا بفعل احقاد شخصية اشعلت حربا غير مبررة كادت شراستها في السادس من مايو 1998 ان تطلق مارد النزاعات القومية والعرقية من عقاله ليضاعف من اوجاع القارة السمراء التي سقطت جثة هامدة منذ خروج المستعمرين ضحية اطماع داخلية ومخططات خارجية شهدت اثنين وسبعين انقلابا منذ الاستقلال وحروبا اهلية في 25 دولة منها 13 لا تزال ضاربة, وكانت النتيجة كلما عالجت جرحا سال آخر وبغزارة. وكان الصراع الاريتري الاثيوبي احدث واشرس تلك الحروب, لكن تغيرا مهما طرأ على مسار الاحداث في القرن الافريقي (باتفاق الجزائر) التاريخي للسلام بين اديس ابابا واسمرة الذي تم التوقيع عليه مساء الثلاثاء الثاني عشر من شهر ديسمبر 2000. في ذلك المساء الرمضاني دبت الحرارة فجأة في لهجة مذيعي الاخبار في الفضائيات العربية وكاد بعضهم يقطع البرامج العادية ليذيع وقائع المشهد الاحتفالي لمراسيم التوقيع لمعاهدة سلام القرن الافريقي. وقف اسياسي افورقي رئيس اريتريا ومليس زيناوي رئيس وزراء اثيوبيا جنبا الى جنب مع الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة ليوقع اتفاقا ينهي الحرب بين بلديهما الجارتين الشقيقتين كان لافتا للمتابع ان الرجلين تصافحا ببرود وبعد تدخل بوتفليقة لحظتها تذكرت مشهدا رصدته حينما كنت زائرا صحفيا لاريتريا في 23/5/1993 يومها او بالاحرى ليلتها وقف افورقي وزيناوي امام منصة احتفال اعلان استقلال اريتريا في ميدان الاول من الفاتح في قلب اسمرة ليؤكد انهاء حالة الحرب بين البلدين وتدشين عهد جديد يقوم على التعاون والدفاع المشترك لصد اي عدوان او تخريب وتعهدا ايضا بالعمل معا من اجل اجتثاث كل اسباب النزاع والعداء والشكوك وتشجيع حركة الانتقال والتبادل الثقافي والنشاطات الاخرى لتدعيم عملية السلام والثقة بين الشعبين الشقيقين وازالة اثار الجراح ونزع الغام الحقد والكراهية المزروعة في النفوس خلال الثلاثين سنة من الحرب الاهلية وفقا لوصف الاثيوبيين او معركة الاستقلال كما يقول الاريتريون اكلت الاخضر وكل اليابس من بشر وشجر وهجر, وبينما انا في حالة استغراق بصورة من الماضي المأساوي عدت لمتابعة فعاليات الاحتفاء باتفاق الجزائر لاسمع زيناوي وافورقي وكأنهما يكرران الكلمات السابقة نفسها مع فارق بسيط في اختيار الجمل وتغير المكان واختلاف الزمن! كان يجب اذن انتظار ديسمبر 2000 اي تسع سنوات واربعة اشهر منذ الثاني من اغسطس 1991 حين وقع رفاق النضال لاسقاط نظام الكولونيل منجستو هيلامريام في اديس ابابا على وثيقة اتفاق بين الحكومة الانتقالية الاثيوبية والحكومة المؤقتة الاريترية اعترفت الاولى بموجبها رسميا بحق اريتريا في التمتع بحق تقرير المصير باستفتاء واشراف دولي وهو ما تم على النحو الذي يعرف تفاصيله الجميع. بيد ان الامور لم تمض كما كان يتوقعه اكثر الساسة والمحللين والمراقبين تفاؤلا قبل 18 يوما من احتفال الشعب الاثيوبي بالذكرى الثامنة للعهد الجديد بعد سقوط نظام منجستو و17 يوما من احياء الشعب الاريتري للعيد السادس للاستقلال. تفجر الوضع بصورة فوجىء بها العرب والعالم في منطقة بادمي واتجهت الحرب بسرعة نحو الشمولية واستهلكت ارواح عشرات الآلاف من الشباب والرجال والاطفال وكبار السن والنساء, لأن القتال تحول بعد الطلقات الاولى في 6 مايو 1996 الى حرب واسعة النطاق استخدمت فيها مختلف الاسلحة واكثرها فتكا طالت عشرات المدن والقرى وقبل استعراض موجز لجذور الصراع واستقراء المستقبل يكون من المناسب الوقوف عند الاتفاق الجديد.. فماذا به؟ ينص اتفاق الجزائر على ست نقاط رئيسية نوردها بدون ترتيب فيما يلي: التزام الطرفين بوقف دائم لأي انشطة عسكرية على حدودهما البالغة الف كيلومتر. اطلاق سراح اسرى الحرب وجميع الموقوفين بسبب النزاع المسلح, والبحث في اصل النزاع والتحري في حوادث وقعت في السادس من مايو 1998. وتشكيل لجنة محايدة تتكون من خمسة اعضاء يكون مقرها لاهاي وترشح كل دولة شخصين من غير مواطنيها او المقيمين فيها بصفة دائمة, ويناط بهذه اللجنة العمل على ترسيم الحدود المتنازع عليها بين البلدين وتتم هذه العملية على اساس الاتفاقات الاستعمارية والقانون الدولي. ولجنة اخرى لدراسة آثار النزاع على المدنيين من الذين نزحوا من الجهتين بسبب الحرب والبالغ عددهم مليونا وثلاثمئة الف نسمة وكما تم تكليف الامين العام لمنظمة الوحدة الافريقية تشكيل لجنة لبحث جذور الصراع. قيام قوات حفظ سلام تتكون من 4200 فرد بمراقبة وقف اطلاق النار على ان تتم عملية انتشار هذه القوات في نهاية يناير 2001. الى ذلك يسمح الاتفاق بالبحث في شأن الاضرار الناجمة عن النزاع الحدودي على الافراد والمؤسسات التي اصابها الدمار بسبب الحرب وحددت فترة ثلاث سنوات كحد اقصى لانجاز اعمال لجنة التعويضات وحدد الاتفاق فترة ستة اشهر لمفوضية ترسيم الحدود لانجاز عملية الترسيم من اول اجتماع لها على ان تباشر هذه اللجنة اعمالها بعد 15 يوما من تاريخ تشكيلها. لوقف الاعمال العدائية بينهما في الجزائر في 18 يونيو الماضي نص على نشر قوات دولية لحفظ السلام ومراقبة الاتفاق وتكوين منطقة امنية مؤقتة على بعد 25 كيلومترا داخل الاراضي الاريترية على ان تسحب اثيوبيا قواتها الى مواقعها التي كانت فيها قبل مايو 1998 بداية اندلاع الصراع المسلح. واذا كان الرئيس بوتفليقة الخبير والعالم بأوجاع افريقيا وشجونها واسرارها مهندس اتفاق الجزائر للسلام بين اثيوبيا واريتريا فإن ذلك الانجاز الذي يعد احد اهم احداث عام 2000 على مستوى القارة السمراء والعالم جاء على خلفية سلسلة طويلة من الوساطات والمبادرات والدعوات الاقليمية والدولية بدأها الرئيس الجيبوتي السابق حسن جوليد وسوزان رابس مساعدة وزيرة الخارجية الامريكية للشئون الافريقية في الاسبوع الاول من انفجار الحرب وانضم للمساعي الحميدة رواندا في مبادرة امريكية رواندية مشتركة لم تفض الى اي نتائج لسبب تصلب الجانبين الاثبوبي والاريتري في مواقفهما ازاء كيفية انهاء الصراع خاصة وان الفريقين المتحاربين لم يحققا في الاشهر الاولى اي تقدم على الارض يحسن من شروط القبول بأي وساطة تضع حدا للنزيف الدموي. وحينما بدأت الحرب في بداية عامها الثاني تتجه نحو العمق الاريتري وفتح جبهات اخرى في الغرب والجنوب وصولا الى ميناء مصوع بادرت منظمة الوحدة الافريقية لتشكيل لجنة ثلاثية رفيعة المستوى برئاسة بلير كومبا وري رئيس بوركينا فاسو وقامت بعدد من الجولات المكوكية بين اديس بابا واسمرة تمكنت من احراز تقدم ولكن الوضع حتى نهاية ,1998 وبداية 1999 الى ان انعقدت القمة الافريقية في الجزائر التي اوكلت المهمة للرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بصفته رئيس القمة الافريقية الذي عين احمد أو يحيى ممثلا له الى اديس ابابا واسمرة, وبعد جولات مكثفة ومفاوضات شاقة وعسيرة وشروط وشروط مضادة حدث تحول جذري في مواقف الطرفين يعد زيارة بوتفليقة الى ارتيريا واثيوبيا في مايو الماضي, قبل الطرفان المناحران اجراء مفاوضات غير مباشرة في الجزائر الى ان اثمرت بتوقيع وزيري خارجية البلدين لاتفاق وقف الاعمال العدائية في يونيو الماضي. واللافت للنظر ان اتفاق الجزائر قوبل بارتياح عربي وافريقي واوروبي وامريكي وصيني وروسي غير عادي, ومبعث هذا الارتياح يعود الى اهمية القرن الافريقي كمنطقة تقع على الطرف الجنوبي للبحر الاحمر وهي احد المداخل للبترول الذي ينتج من الخليج الى الغرب والعالم.. وهي كذلك الطريق الشمالي للتجارة التي تأتي من الشرق الاقصى الى البحر الابيض. ومن هنا بدت منطقة القرن الافريقي تأخذ اطار سياسيا اذ استقطبت تطورات الحرب الاثيوبية الاريترية ليس اهتمام الدول العربية فحسب وانما اهتمام دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة وروسيا حيث استذكر هؤلاء الماضي الاستعماري وسني الحرب الباردة فعادوا من جديد ولكن تحت مظلة الحرص على استيعاب السلام والاستقرار في القرن الافريقي؟!. وتجلى هذا الاهتمام المحموم الذي سبقه ضغط دبلوماسي مكثف على اديس بابا واسمرة بالحضور المميز لاطراف دولية واقليمية في احتفال توقيع معاهدة الجزائر, بل ان هذه تجاوزت المشاركة في قيام مادلين اولبريت وزيرة خارجية الولايات المتحدة وكوفي عنان امين عام الامم المتحدة والرئيس النيجيري اوباسانجو وممثل الاتحاد الاوروبي وامين عام منظمة الوحدة الافريقية الى جانب الرئيس الجزائري بوضع توقيعاتهم بعد توقيعي افورقي وزيناوي في صدر المعاهدة كشهود على هذا الانجاز الذي لا يمثل مكسبا لاريتريا واثيوبيا وانما مثالا يحتذي به لكل افريقيا بحسب وصف عنان. كما ان هذا الحضور يعد اشارة واضحة الى التزام هذه الاطراف بتقديم الدعم المالي والفني والمعنوي لتنفيذ مضمون الاتفاق على الارض حتى يتفرغ البلدان لاعادة الاعمار والبناء والتنمية والتعاون الاقليمي ومكافحة الفقر. وفي هذا السياق يحيلنا اتفاق الجزائر الى سؤال مفاده.. هل اختفت المظاهر العسكرية والحشود والتحركات والدوريات والدبابات في كلا الجانبين؟! يأتيك جواب واحد ومن الجميع: كل شيء هادىء على الجبهة لكن الصراع سيبدو في قادم الايام من نوع آخر يجري داخل القاعات انه نوع آخر من القتال يدور على الساحة القانونية كما يتوقع اغلب المحللين والمراقبين والمختصين بشئون القرن الافريقي. صحيح ان اصوات المدافع سكتت وهدير الطائرات الحربية اختفى والبيانات العسكرية توارت وصحيح ايضا ان شعبي البلدين استقبل توقيع اتفاق الجزائر بفرح كبير عبرت عنه المسيرات الجماهيرية والمهرجانات الخطابية والصحافية في اديس بابا واسمرة.. ومع ذلك ثمة مخاوف تظل قائمة امام الانتقال بالاتفاق الى المصالحة التاريخية منها: اولها: ان المصافحة الفاترة جدا بين افورقي وزيناوي في الجزائر بعد 31 شهرا من تفجر الوضع في مثلث بادمي عكس ما في النفوس من حقد وكراهية وضغينة وبغضاء وعداء شحنت في القلوب والعقول خلال السنتين الماضيتين, يضاف الى الارث السابق لمرحلة العقود الثلاثة قبل التسعينيات وغذى ذلك الحقد طرد اكثر من 800 الف اريتري وفقا للارقام المنشورة كانوا يقيمون في اثيوبيا يحمل الجزء الاكبر منهم الجنسية الاثيوبية وهم الذين هربوا منذ اكثر من 30 عاما ابان الصراع العسكري لتحرير اريتريا وتحالفوا مع الانظمة السابقة في اديس ابابا وبالمقابل هناك اكثر من ثلاثمائة الف اثيويبي طردوا من اريتريا.. وهؤلاء لم يعرفوا حتى اندلاع الحرب وضعهم القانوني.. وما يزيد الوضع تعقيدا ان هؤلاء فقدوا ممتلكاتهم وهم اليوم يفترشون الارض ويلتحفون السماء وقد خسروا كل شيء.. ونظرا لجسامة هذه المشكلة الانسانية فقد بدأت حكومتا البلدين بدفع المتضررين من الحرب الى تقديم طلبات للحصول على تعويضات.. والسؤال هنا من سيدفع لمن؟ ثانيا: الى جانب كم الخسائر البشرية هناك خسائر الحرب المادية وهذه ستشكل عندما يعلن الرقم الحقيقي لفاتورة الحرب صدمة كبيرة في جميع الاوساط.. فالتدمير الشامل او شبه التام لمدن مثل زالامبيسا في شمال اثيوبيا وامبيسي في جنوب غرب اريتريا ستكون مشكلة جادة للطرفين وذلك في ضوء تعدد الاتهامات المتبادلة بارتكاب سرقات في الكنائس والعبادات في المناطق الحدودية, فضلا عن مطالبة اديس ابابا بتعويضات عن البضائع الاثيوبية التي كانت موجودة في الموانىء الاريترية مثل عصب ومصوع والتي قدرتها حكومة زيناوي بنحو 139 مليون دولار وهو امر لا تقر به اسمرة بالطبع. ثالثا: ما يتعلق بالتحقيق باسباب النزاع ومن البادىء في تفجير الوضع وهذه مسألة حساسة وشائكة ويصعب التحقق منها من قبل اي جهة كانت.. مما سيضع لجنة التحقيق امام مهمة عويصة يصعب التكهن بنتائجها علي نحو قريب.. واذا كان اسباب النزاع حدوديا فاريتريا تعتبر نفسها انها كانت ضحية لقرارات الامم المتحدة وذلك حين فرضت عليها القرار رقم 305 الصادر عام 1950 والذي قضى بتوحيدها مع اثيوبيا كذلك فإن اريتريا تعتبر نفسها ضحية لقرار منظمة الوحدة الافريقية التي قضت عام 1962 بعدم اجراء اي تعديل على وضعية الحدود الموروثة في افريقيا عن الحقبة الاستعمارية القائمة الى عام 1962 وهذا ما تتمسك به اثيوبيا. رابعا: كيفية قيام الحكومتين باعادة السيطرة على المعارضة لكلا النظامين المتواجدة داخل وقرب حدود البلدين بعد ان اعطى كل جانب الفرصة للنشاط ضد الطرف الآخر. وبعد... ان هذه المخاوف تقودنا الى محاولة ملاحقة بعض جذور الصراع اذ تبدو هناك عوامل كثيرة مهدت للانفجار لعل اولها ما يتصل بالمنفذ البحري الذي تسعى اليه اثيوبيا وفي هذا الجانب نجد ان وثيقة الاتفاق الموقع عليها في الثاني من اغسطس 1991 تضمنت بندا ينص على الابقاء على ميناء عصب الاريتري منطقة حرة حتى تضمن اثيوبيا منفذا على البحر. واستكمل هذا الاتفاق بآخر تجاري في 4/2/1992 ومما نص عليه: ان اثيوبيا لا تدفع ضريبة لاريتريا لقاء مرور بضائعها الواردة والمصدرة عبر ميناء عصب الاريتري لكنها تسدد مبلغا بالعملة الاثيوبية (البر) تعويضا للخدمات التي يوفرها ميناء عصب لسفنها ولافراد بحريتها ولبضائعها. وفي 30/7/1993م وقع افورقي وزيناوي في اديس ابابا اول اتفاق رسمي بين بلديهما بعد استقلال اريتريا.. وفيه تم التأكيد على الاستخدام المشترك لميناءي عصب ومصوع الاريتريين وعلى رفع العقبات امام تنقل السكان ونقل البضائع وبين البلدين وعلى مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للطرف الآخر.. وقرر الاتفاق على حق مواطني البلدين في امتلاك جنسية مزدوجة اريتريا - اثيوبيا. وفي سبتمبر من نفس العام جرى التوقيع في اسمرة على 25 اتفاقية استكمالا لاتفاق يوليو وبدأ البلدان في ظل هذه الاتفاقات كأنهما في شبه اتحاد فيدرالي او على الاقل في تكامل اقتصادي. لكن هذه الرغبة الظاهرة لم تتحقق والاتفاقات لم تصمد طويلا اذ اتضح ان كل طرف له اهدافه وتطلعاته على المستوى الاقليمي كتقديم هذا الجانب او ذاك نفسه شخصية القرن الافريقي وعلى صعيد داخلي فاريتريا وفقا لدستورها دولة موحدة ترفض التعددية الحزبية لاسباب داخلية وتسعى لاستكمال كافة مظاهر الاستقلال عن اثيوبيا في حين الاخيرة اقرت الفيدرالية الاثنية واقامت عدة اقاليم فيدرالية داخل اثيوبيا على اساس قومي وهي تنتهج التعددية الحزبية وحرية الصحافة وتلقى بذلك قبولا في الغرب وتحصل على مساعدات كبيرة يعزز تركيبتها السكانية المسلمة والمسيحية عطف الغرب عليها لان بلدا بحجم اثيوبيا لابد وان يكون دولة غير اسلامية في وقت تشير الارقام ان نسبة السكان المسلمين اكثر من نسبة عدد المسيحيين - 55 مليون نسمة - في وقت بدت اريتريا تميل الى الشرعية الثورية ولم تحدد هويتها بعد وتقدم نفسها على انها دولة افريقية وان كانت الغالبية من السكان تريد الانضمام الى الجامعة العربية. وتأسيسا على ذلك اتضح لغير مراقب كان ان اديس ابابا واسمرة تتجهان نحو الافتراق او (الطلاق) ولم تعد قبيلة التيجراي توحد زيناوي وافورقي, فالقيادة الاثيوبية من التيجراي شعرت انها اقلية امام الاورومو والامهرة والعفر لذا بدأت بالتفكير بتوحيد اقليم تجراي لتحقيق التوازن العددي بين القوميات. حيث اصدرت اديس ابابا في 1997 خرائط جديدة لحدودها قسمت في اطارها بعض اجزاء اقليم تيجراي. وفي المقابل اصدرت حكومة اريتريا في يوليو 1997 عملتها الوطنية (النعفة) اسم منطقة انطلقت منها حرب العصابات الاريترية ضد قوات نظام منجستو وسعت بذلك الى فك الارتباط والتعامل بالبر الاثيوبي وبدأت مطالبة اديس ابابا بأن تسدد صادراتها ووارداتها عبر الموانىء الاريترية بالعملات الحرة وهذا ما لا تستطيع اثيوبيا الالتزام به نظرا لظروفها الاقتصادية, فردت الاخيرة برفض استخدام الدولار الامريكي او اي عملات صعبة معترف بها في التبادل التجاري بين البلدين, ولم تكتف اديس ابابا بذلك بل قررت استخدام ميناء جيبوتي وميناء بربرا شمال الصومال بدلا من ميناء عصب كما اجرت تحسينات على خط السكة الحديد الذي يربط اديس ابابا بجيبوتي. ادى ذلك الى حرمان الاريتريين من مداخيل العملة الصعبة ومعه اهتزت كل الاتفاقات السابقة.. وردت اسمرة على هذه الخطوة بضم المنطقة القريبة من بادمي الكثيفة بالسكان والتي يتنازع فيها حول خط الحدود.. فكانت نافورة من الدم الحمراء في مقبرة الفقراء تلخص جذور الصراع وحجم المأساة وسوداويتها ليبقى سؤال يفرضه واقع الحال؟ هل يأتي اتفاق الجزائر بالسلام الى اثيوبيا واريتريا ويكون فاتحة خير لتحقيق مصالحة تاريخية في القرن الافريقي وكل افريقيا والمنطقة العربية وهي تبدو على اعتاب العام 2001 امام خارطة سياسية جديدة.