الموساد سجل أسود وجرائم لا تنتهي

الملف السياسي: في القديم كانت الجاسوسية احدى الوسائل المؤثرة في الحروب بين الامم ولا تزال كذلك حتى يومنا هذا بل واصبحت حرب المعلومات من اهم الحروب التي تشهدها البشرية، اذ لا يخلو يوم واحد إلا ويكشف فيه النقاب عن عملية تجسس لاحدى الدول ضد دولة اخرى, واذا كانت عمليات التجسس قد تركزت في الماضي على احوال الجند والقوات في صفوف العدو فإن هذه العمليات اتسع نطاقها في عصرنا الحالي وباتت تشمل جميع مناحي الحياة دون استثناء بشكل جعل من مكافحة التجسس عملا لابد منه لاي دولة او امة تريد الحفاظ على امنها وكيانها سالمين. ويرى المؤرخ ذائع الصيت ارنولد توينبي ان تسع عشرة حضارة من اصل احدى وعشرين تقوضت من الداخل بواسطة شبكات التجسس والمخربين. ويعتقد البعض, ان الملك رعمسيس الاول فرعون مصر هو اول من نظم شبكة جاسوسية اذ ترك كاتب مجهول آثار مغامرات مخيفة كانت احداثها في فلسطين واثيوبيا وكان ابطالها هم رجال رعمسيس الاول كما ان الاسكندر المقدوني وهو قائد عسكري شهير استعمل البريد كوسيلة للتجسس اذ انه عندما شعر بأن حالة من التململ تسود في صفوف جنوده وقواده قام بالايعاز لمن يرغب بأن يكتب رسالة الى ذويه ليسبقه صاحب البريد ويقوم بقراءة هذه الرسائل. وعرف القائد الفرنسي المعروف نابليون بونابرت اهمية الجاسوسية حيث يقول ان جاسوسا واحدا في المركز الملائم افضل من عشرين الف جندي في ميدان المعركة. كذلك اولى بسمارك في القرن التاسع عشر اهمية كبيرة للتجسس وكان له 40 الف جاسوس, وكان لهذا الطابور الدور الاساسي في هزيمة فرنسا امامه عام 1870م. ونلاحظ هنا ان دور شبكات التجسس ظل يتزايد باستمرار وكان حاضرا بقوة في فترة ما بين الحرب العالميتين الاولى والثانية وازداد اهمية خلال وبعد الحرب العالمية الثانية حيث اخذت اجهزة الاستخبارات الغربية وعلى رأسها وكالة المخابرات المركزية الامريكية تستخدم التجسس ليس للدفاع عن حدود بلادها وامنها وانما لحياكة مؤامرات في مختلف دول العالم بغية الحفاظ على مصالحها وتوسيع سيطرتها على الدول الاضعف. ويشاطر وكالة المخابرات المركزية الامريكية CIA بالتأكيد في هذا الاتجاه اجهزة الاستخبارات الغربية الاستعمارية كافة كما يشاطرها في ذلك جهاز استخبارات حديث العهد نسبيا هو جهاز الاستخبارات الصهيوني (الموساد) الذي انشىء في الاساس للتمهيد لاقامة الكيان الصهيوني الباطل في فلسطين وهو جهاز ما ان يجري الحديث عن عمليات التجسس اللااخلاقية والجرائم التى ترافقها إلا ويتصدر قائمة اجهزة الاستخبارات سيئة الصيت في العالم. فما هو جهاز الاستخبارات الصهيوني (الموساد)؟ وكيف نشأ؟ وما هو الدور الذي قام به منذ انطلاقة الصهيونية؟ وللاجابة عن هذه الاسئلة نقول اولا ان تأسيس جهاز الاستخبارات الصهيوني في الموساد لا ينفصل في الواقع عن طموح الصهاينة في اغتصاب الارض العربية او ما يسمونها زوراً وبهتاناً (ارض الميعاد) حيث بدأ الصهاينة تأسيس التنظيمات السرية على هامش المنظمات الارهابية مثل الهاجاناة التي نظمت اول مدرسة لاعداد ضباط الاستخبارات في عام 1921 . وسمت جهازها الامني باسم (شاي) وفي عام 1937 وخلال اجتماع ضم قادة الهاجاناة الى قائد جهاز (شاي) وبعض قادة فرق العمل تم الاتفاق على تأسيس الموساد التي حملت المهمات التالية: 1 - تنظيم الهجرة الى فلسطين وتسهيلها بالرغم من معارضة البريطانيين الكلامية. 2 - الحصول على السلاح وتوزيعه على الصهاينة. 3 - الحصول على معلومات عن الفلسطينيين والانجليز معا. وكان مركز قيادة الموساد آنذاك في جنيف وتم نشر شبكات تجسس كبيرة في مختلف انحاء اوروبا ولاسيما في المانيا ومنذ انشائه يعتبر جهاز الاستخبارات الصهيوني الموساد من اهم الاجهزة وهو يتولى عمليا جمع المعلومات السياسية والاقتصادية والعسكرية ويقوم باعداد الكوادر للعمل في الخارج وله مكاتب تجارية كسواتر امنية. وعلى رأسه لجنة عليا لاجهزة الامن تنسق عمل الاجهزة المختلفة وتخضع لاشراف مباشر من رئيس الوزراء في الكيان الصهيوني اما ابرز دوائر الاستخبارات الصهيونية فهي: 1 - جهاز الموساد المركزي للاستخبارات والامن (الموساد) وهو معني بعمليات التجسس الخارجية والعسكرية كما يدير فرعا لاستخلاص المعلومات من النشرات العلنية والدراسات الاكاديمية الاستراتيجية والمجلات والصحف التي تصدر في انحاء العالم ومن مهماته وضع تقييم للموقف السياسي والاقتصادي العربي ويقترح الخطط التي من شأنها ضرب الاقتصاد والسياسة العربية. 2 - جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان) وهو تابع لوزارة الحرب الاسرائيلية ويساعده اربعة اجهزة تابعة هي: أ - جهاز الاستخبارات الخاص بالجيش ب - جهاز الاستخبارات الخاص بسلاح الجو ج - جهاز الاستخبارات الخاص بالبحرية د - جهاز مكافحة التجسس ورمزه (س اس). اما مهمات امان فعلى رأسها الحصول على كل المعلومات السرية عن القوات المسلحة العربية وكذلك الحصول على معلومات تتعلق بالمقاومة الفلسطينية بشكل خاص. 3 - دائرة الابحاث السياسية: ترتبط هذه الدائرة بوزارة الخارجية في الكيان الصهيوني ومهمتها تجنيد الدبلوماسيين الاجانب العاملين في (اسرائيل) ومجال اهتمامها الاساسي هو السياسة الدولية. 4 - مصلحة الامن العام (الشين بيت) وهي تتبع لوزارة الداخلية وينحصر اهتمامها في الاراضي العربية المحتلة وهي تقوم باجراء مسح سياسي شامل لمعرفة ميول واهواء العرب داخل الكيان الصهيوني. ولها عملاء في الفنادق والجامعات ودوائر البريد والهاتف والموانىء ومختلف المرافق العامة. واذا تتبعنا انشطة الموساد الاسرائيلي منذ انشائه وحتى يومنا هذا نرى ان هذا الجهاز الاستخباراتي ارتبط اسمه منذ انشائه بسلسلة طويلة جدا من الجرائم والمؤامرات التي طالت ليس الدول العربية فقط وانما دولا اخرى عديدة وذلك عبر تعاون وثيق وتنسيق مع اجهزة استخباراتية غربية ولاسيما وكالة المخابرات المركزية الامريكية الـ CIA التي تجمعها مع الموساد مصالح مشتركة كثيرة اهمها رغبة الولايات المتحدة بالسيطرة على العالم ومنطقة الشرق الاوسط خاصة. واذا استعرضنا العمليات التي نفذها الموساد في الدول العربية نرى انها كثيرة جدا ويصعب حصرها خاصة وان هذه العمليات لم تتوقف حتى يومنا هذا ولكننا نستطيع ان نعدد هنا بعض العمليات البارزة للدلالة فقط, ففي مصر مثلا كانت ابرز الشبكات التجسسية التي كشفت بعد قيام الكيان الصهيوني بسنوات شبكة (سوزانا) التي تم اكتشافها في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في 6/10/1954 . ثانيا: الطرود الملغومة المرسلة الى العلماء الالمان في مصر والتي ادت الى مقتل بعض العمال في سنة 1962 و1963 . ثالثا: ارسال رجل الموساد جوهان وولف جانج لوتز الى القاهرة والذي القي القبض عليه في مارس عام 1965. رابعا: ارسال عميل يدعى عبدالله عبدالعزيز من فيينا الى القاهرة للتجسس والذي اكتشف امره في 3/11/1971 . خامسا: ارسال الجاسوس الاسرائيلي عزام عزام الذي لايزال معتقلا في مصر وذلك رغم توقيع مصر على اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني. وكما هو الحال في مصر كانت سوريا ايضا هدفا لعمليات الموساد الاسرائيلي حيث تم زرع الجاسوس الاسرائيلي المعروف (الياهو كوهين). كما قام الموساد بتجنيد الكثيرين وارسالهم الى سوريا بهدف اختراق منظمة التحرير الفلسطينية ومكاتبها في هذا البلد العربي الذي احتوى المقاومة الفلسطينية لفترة طويلة وفي عام 1979 قام الموساد باستغلال يهودي فرنسي كان يعمل ضمن مشروع بشق طريق سريع يربط بين دمشق ودرعا وقام هذا الشخص بزرع جهاز تنصت متطور قادر على التقاط المكالمات الهاتفية واعادة بثها ضمن نظام محدد. اما في العراق فقد بدأ النشاط الاستخباراتي الصهيوني بفضيحة بعد كشف السلطات العراقية سنة 1950 خلية اسرائيلية ألقت القنابل على المعابد والتجمعات اليهودية في العراق بهدف اثارة الرعب في نفوسهم لدفعهم الى الهجرة الى فلسطين المحتلة, كما قام الموساد في عام 1966 بتجنيد ضابط طيار عراقي بمساعدة من المخابرات المركزية الامريكية والمخابرات التركية والايرانية حيث قام هذا الطيار ويدعي منير روفة بسرقة طائرة ميج 21 وانزالها في الكيان الصهيوني. كما ادرج اسم العراق في شعبة خاصة في الموساد تعنى بمراقبة واحباط المساعي التي تقوم بها الدول العربية والاسلامية لانتاج سلاح نووي, وذلك بعد توقيع بغداد على اتفاق مع فرنسا عام 1975 يقضي بتزويد العراق بمفاعل نووي. وفي 6/4/1979 قام عملاء الموساد بتدمير قلب المفاعل النووي قبل ان يشحن الى العراق كما قام هؤلاء العملاء باغتيال البروفيسور المصري يحيى المشد الذي كان يتولى الاشراف على الابحاث النووية العراقية. وفي 30/9/1980 قامت طائرات العدو الصهيوني بقصف المفاعل النووي العراقي قبل ان يبدأ العمل به بيومين ولم تسلم الدول العربية الاخرى من نشاطات الموساد التخريبية حيث قام عملاء الموساد بعمليات في الاردن الذي يرتبط بمعاهدة صلح مع الكيان الصهيوني كان ابرزها محاولة اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس, كما شملت نشاطات الموساد كذلك كلا من اليمن وتونس والمغرب العربي والسودان الذي تم عبره تهريب يهود الفلاشا بالتعاون مع المخابرات المركزية الامريكية السي اي ايه. بيد ان اكثف النشاطات الاستخباراتية والجرائم التي قامت بها الموساد الصهيونية تركزت بشكل اساسي ضد الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية تحديدا حيث قام عملاء الموساد بالعشرات بل بالمئات من عمليات الاغتيال والتصفيات الجسدية لمناضلين فلسطينيين سواء في لبنان الذي لعب الصهاينة دورا كبيرا في حربه الاهلية او في اوروبا وغيرها من مناطق العالم. ونستطيع ان نستذكر لو اردنا قائمة طويلة باسماء الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا برصاص الموساد امثال خليل الوزير ابو جهاد في عام 1988 او غسان كنفاني الذي اغتيل في بيروت عام 1972 او وائل زعيتر الذي اغتاله الصهاينة في روما عام 1972 ايضا والدكتور محمود الهمشري ممثل (م . ت. ف.) في فرنسا عام 1973والدكتور كمال ناصر وكمال عدوان ومحمد يوسف النجار الذين اغتالهم الصهاينة في بيروت عام 1973 وزهير محسن الذي اغتاله الموساد في فرنسا عام 1979 وسمير طوقان عضو مكتب م. ت. ف. في قبرص الذي اغتيل في 1979 وفتحي الشقاقي امين عام حركة الجهاد الاسلامي الذي اغتاله الصهاينة قبل سنوات في مالطا وغيرهم الكثير من كوادر منظمة التحرير الفلسطينية ناهيك عن عمليات الاغتيال التي لا يزال العدو الصهيوني ينفذها حتى هذه الايام بحجة القضاء على كوادر الانتفاضة الفلسطينية والتي تشكل نموذجا لارهاب الدولة بكل ما في الكلمة من معنى وعلى الرغم من ان قائمة الذين سقطوا برصاص الموساد الصهيوني اطول بكثير من ان نستطيع حصرها بهذه العجالة إلا انه يمكن القول ان اي مناضل فلسطيني او عربي مهما كان القطر الذي ينتمي اليه هو هدف قائم دائما بالنسبة لجهاز الموساد الصهيوني الذي وبدون مبالغة يمتلك اكبر سجل اجرامي في التاريخ. ولعل كل مواطن عربي يتطلع الى اليوم الذي تصبح فيه الاجهزة الاستخباراتية العربية جهازا لحماية امن العرب ومصالحهم وان تكون عينا لهم على ما يجري ضدهم في الخفاء.