المتجول في العديد من المناطق الجبلية في إب وحجة ويافع وتعز يشعر بالأسى والقرف لما آلت إليه المدرجات الزراعية التي كانت إلى عقود قليلة مضت مصدر رزق غالبية سكان هذه المناطق تمدهم، بخيراتها من الحبوب والخضار والبن اليمني المشهور عالمياً وأيضاً من «القات» لزوم الكيف والسلطنة عال العال! أما اليوم فتحولت نسبة كبيرة من المدرجات إلى خرابة بفعل عدة عوامل ذاتية ومناخية وبيئية، فيما تظل المدرجات الزراعية المتبقية مهددة بالانجراف والاندثار، يصرخ أصحابها والجهات المعنية: انقذونا... انقذونا فهل من مجيب؟! وضع المدرجات الزراعية المدرجات الزراعية القائمة على المنحدرات الجبلية كانت ولعدة قرون مصدراً مهماً لتوفير الأخشاب للبناء والحطب للوقود المنزلي ومراعي للماشية وانتاج الأعلاف وكذا مصدراً لإنتاج مختلف المحاصيل الزراعية النقدية كالحبوب بأنواعها ـ المحصول الغذائي الرئيسي في اليمن ـ وقليل من الخضروات والفاكهة و«القات» والبن، وأحسن الإنسان اليمني استغلال هذه المدرجات على المنحدرات الجبلية لحجز المياه الجارية من السفوح أثناء هطول الأمطار ولحماية التربة من مختلف أنواع الانجرافات.. هكذا كان الوضع في الماضي، عندما أولى القرويون الموارد الطبيعية جل اهتمامهم ويطبقون الأساليب الموروثة في استغلال مساقط المياه، حيث كان المزارعون يقومون بصيانة المدرجات الزراعية والسواقي بصورة منتظمة ويطبقون الأعراف التي تتعلق بذلك وعدم السماح باقتلاع الأشجار والاحتطاب المنظم وتنظيم الرعي والاستخدام الأمثل للمياه.. هذا التعامل التقليدي مع الموارد الطبيعية ـ الأرض، المياه، الغطاء النباتي ـ أوجد بالطبع أساساً للمحافظة على تلك المدرجات وجعلها تستمر لعدة قرون، تحاكي الأجيال عن حكمة وعظمة الإنسان اليمني في القرون الغابرة.. فما هو الوضع الراهن لهذه المدرجات الزراعية؟ تتعرض المدرجات الزراعية في العديد من المناطق الجبلية حالياً لإزالة الغطاء النباتي وإهمال السواقي التي تعتبر حواجز مائية لحصاد مياه الأمطار، فإن الأمطار تهطل على تربة عارية سهلة الانجراف مُشكّلة سيولاً جارفة محتوية على نسبة عالية من التربة والحصى مسببة كوارث وأخطاراً على الأراضي الزراعية والأودية والسهول والمنشآت والتجمعات السكانية والبيئية.. وعزت العديد من الدراسات الزراعية والأبحاث البيئية هذه الظاهرة الخطيرة المتمثلة في الانجراف الهائل للمدرجات الزراعية في المساقط المائية، إلى عدة عوامل ذاتية ومناخية وبيئية، فالتمزيق المستمر للحيازات الناجم عن قواعد الارث التي أدت مع تعاقب الأجيال، لأن تصبح الحيازات صغيرة ومتفرقة ولا توفر دخلاً كافياً للأسر، ما اضطر المزارعون إلى ترك قراهم والبحث عن مصادر دخل أخرى، كما أن التغيرات المناخية التي حدثت في العقد الأخير ونتج عنها تناقص الأمطار السنوية أدت إلى انخفاض غلة المحاصيل الزراعية، وأيضاً ان الهجرة الداخلية والخارجية التي ما زالت مستمرة وبشكل واسع والتي وفرت مجالات عمل كثيرة، أغرت سكان الريف على ترك العمل الزراعي والهجرة إلى مناطق الجذب الأخرى ولم يبق في القرى إلا النساء والأطفال والعجزة والذين لم يعملوا على صيانة المدرجات الزراعية.. كما يأتي هنا انخفاض العائد من زراعة المدرجات وعدم وجود بحوث تطبيقية لاستنباط أصناف عالية الانتاجية ومقاومة للجفاف لزراعة المدرجات فقد تركزت الأبحاث والمشاريع على الزراعة المروية. وتتمثل العوامل الأخرى في محصول «القات» الذي اغرى المزارعين على تركيز كل جهودهم على زراعته وترك المساحات الأخرى ذات المردود المنخفض مهجورة، وكذا في نظام الشراكة في الانتاج الزراعي والذي عاق المزارعين عن استخدام التقنيات الحديثة وقلل من اهتمامهم بصيانة المدرجات، ولذلك في منافسة السلع الغذائية المستوردة والمدعومة إلى وقت قريب والتي دفعت المزارعين لأن يهملوا الزراعة أو يقللوا تدريجياً من المساحات المزروعة وشراء احتياجاتهم من السلع الغذائية من السوق لأنها تكون أرخص بكثير من تلك التي ينتجونها. الدراسات والأبحاث ذاتها أوصت بعدد من الآراء والمقترحات، منها العلاقة بين الإدارة العامة للري وإدارة المساقط المائية وترجمت هذه العلاقة إلى خطط وبرامج عملية للعمل على حماية التربة من الانجراف والتدهور والتملح وتردي الخصوبة وإعادة تأهيل المدرجات الزراعية والعمل مع الجهات المعنية الأخرى من أجل تحسين الري التكميلي وكذلك تحسين الغطاء النباتي.. وأكدت على الأهداف العامة للتنسيق ذات القواسم المشتركة، وعلى رسم خطط عملية بشأن بناء السدود الصغيرة وكذا التحكم بمياه الفيضانات والسيول وتحويل مياهها للري، إضافة إلى خطة عمل لمياه الري وحماية التربة من الانجراف والتدهور والتملح وتردي الخصوبة وإعادة تأهيل المدرجات الزراعية.