بيان الاربعاء: استطاع «بيان الاربعاء» الجمع بين الطرفين المتصارعين في الحركة الاسلامية بعد الانشقاق الكبير الذي امتد من السلطة الى الحزب الحاكم، والذي اسفر عن حزبين هما المؤتمر الوطني الذي يحكم البلاد برئاسة الفريق البشير، وحزب المؤتمرالشعبي الذي يتزعمه الدكتور الترابي واختار طريق المعارضة، وقد شارك في ندوة «البيان» مفكرون من داخل الحركة الاسلامية تم اختيارهم بعناية لأنهم يمثلون تيارات واضحة داخل الحركة وهم الدكتور حسن مكي الذي يدعو لتيار ثالث لقيادة الحركة الاسلامية ويتنبأ بانشقاقات جديدة في الحزبين الوطني والشعبي، وفتحي خليل المحامي الذي يعبر عن «اشواق الاسلاميين» بعودة اللحمة الى الحركة الاسلامية وهو مصطلح يتحول تدريجياً مع الايام الى جماعة ضغط بهذا الاتجاه، وكذلك الدكتور عبداللطيف البوني الذي لا يعارض الحكومة او الترابي ويؤكد ان الحركة الاسلامية فقدت وجهها وبريقها، وايضاً محجوب عروة الذي اعلن وعدد الاسباب التي دعته الى ادانة الطرفين، وهو يرى ان الحل لأزمة الحركة الاسلامية ان تمارس الديمقراطية والشورى وهو ما تفتقده واقعها في الخلافات والانقسام. لقد كان لمداخلات هولاء المفكرين الاسلاميين واطروحاتهم الفضل في اثراء النقاش من جانب المشاركين من الحزب الحاكم او الشعبي المعارض، واذا كانت بعض الآراء لا تخلو من حدة او انفعال الا انها تؤكد في النهاية ان اهل مكة ادرى بشعابها وهو ما يتوضح من متابعة وقائع الندوة. تحدث في بداية الندوة الدكتور حسن مكي المحاضر بجامعة افريقيا العالمية والمفكر الاسلامي الذي قال: ـ ان الحديث عن مستقبل الحركة الاسلامية بعد الانقسام لابد ان يتناول الجو الذي يحيط بالحركة الاسلامية والتحديات التي تواجهها، فبالنسبة للشمال اعتقد ان الحركة الاسلامية بشقيها (اي المؤتمر الوطني الحاكم والمؤتمر الشعبي المعارض) لا تواجه تحدياً كبيراً لامور سياسية مختلفة سأقدمها، لان القوى السياسية القديمة قد بعدت عن الشارع السياسي السوداني فاصبحت جزءاً من القوى الخارجية وتحاول ان تعود الى البيت السوداني عن طريق الاخر الاجنبي ولذلك ليس لها وجود تنظيمي او عضوي فاعل داخل الشارع السياسي السوداني باستثناء الوجود المحدود في الجامعات. الامر الثاني ان هذا التحدي الذي يواجه الحركة الاسلامية الافريقية الزنجية المسلحة والتي تتحرك في اطار دعم خارجي كبير، ولكن حتى هذه الحركة الان بدأت في العد العكسي او التنازلي لها، واذا وضعنا لها خطاً بيانياً نجد انها قد وصلت عنفوان قوتها في العام 1995 ولكنها الان بدأت في النزول تدريجياً الى حد لم تستطع معه ان تؤثر حتى على تدفقات البترول. والحركة تريد الان ان تطور تحالفها او تفاهمها مع احد شقي الانقسام في الحركة الاسلامية (في اشارة الى توقيع المؤتمرالشعبي لمذكرة تفاهم مع حركة التمرد). ولذلك فإن الذين يتحدثون عن ازمة الحكم التي تواجه السودان لا يتكلمون عن مشاكل داخلية او عن عصيان مدني او انتفاضة محمية او عن انقلاب عسكري خارج اطار الحركة الاسلامية، انما يتحدثون عن امريكا والعقوبات الامريكية وعن ايقاف القصف الجوي والمساعدات الانسانية والارهاب، وهذا يدل على ان البيئة الخارجية الان لا تشكل خطراً على الحركة الاسلامية. وفي تقديري ان الحركة الاسلامية نفسها ستشهد ظواهر جديدة من الايام المقبلة، واعتقد ان الظاهرة الاولى سينشأ عنها انقسام جديد داخل المؤتمر الشعبي لأن هنالك الان تجاذباً بين تيارين: التيار الاضعف يدعو لتطوير علاقات التفاهم مع حركة التمرد لعمل مشترك، وهذا التيار ليس قوياً ولكنه موجود، وقد يصبح قوياً اذا ما حرر الامين العام من السجن والذي سينضم الى هذا التيار، والدليل على ذلك انه حينما جاءت لجنة المساعي الحميدة وابرمت اتفاقها المعروف وافق عليه المجلس القيادي للمؤتمر الشعبي ولكن الامين العام كانت له تعديلات ثلاثة متفقة ومتوافقة مع مذكرة التفاهم وكأنه يريد ان يتمسك بمذكرة التفاهم ولا يريد ان يبني خياراً استراتيجياً في الحوار واللقاء مع الحكومة وتكوين لجنة مشتركة. لذلك فإن التيار الذي لا يريد الان ان تتطور مذكرة التفاهم الى تحالف والذي وقع مذكرة الحلفاء، اعتقد ان هذا التيار سوف يتجه الى قطار الحكومة او الابتعاد عن العمل السياسي ويجمد نشاطه، واعتقد ان كثيراً من العناصر القاعدية من المجاهدين ايضاً سوف تتحفظ. لكن التيار القوي في المؤتمر الوطني والذي لم يكشف عن نفسه ولم يتحدث طيلة الفترة الماضية لخصوصياته، هذا التيار الخاص سيكون له مبادرة ذاتية بعيدة عن القيادة التي تذهب وتتحالف مع قرنق، وبعيدة ايضاً عن السلطة الحاكمة او الحركة الاسلامية (المؤتمر الوطني) بذلك يمكن ان يكون من المؤتمر الشعبي ثلاثة تيارات قد لا تعلن عن نفسها، تيار اضعف وهو يتقوى بالامين العام وسيطور تحالفه مع قرنق، والتيار الاخر سيختفي من الساحة فإما أصابه الاحباط، او التحق بقطار الحكومة وتيار ثالث سيعمد الى اختيار حركة ذاتية بعيدة عن التيارين الاخرين ولكن كل ذلك سيتم دون ضوضاء ودون تهييج ودون صراعات. اما بالنسبة للمؤتمر الوطني الحاكم فاعتقد ان هنالك الان مشكلة لأن هنالك تكريساً للسلطة في قلة معينة، وليست المشكلة في ان ترسخ السلطة في قلة معينة فقد كانت السلطة مكرسة في يد الترابي وكان هنالك عطاء، ولكن مع تكريس السلطة هذه نجد ان هنالك مجموعة متحكمة في الحزب ومن الجهازين التنفيذي والتشريعي مما يقلل عطاءهم، وكل انسان من السودان ذي الطقس الحار لديه 24 ساعة لا يستطيع ان يوفق بين وظائف ثلاثة، واذا اصر هؤلاء على التمسك بالوظائف الثلاثة فإن عطاءهم سيقل ولذلك نجد الان ان العطاء السياسي للحركة الاسلامية ضعيف، بدليل ان وزارة مثل الارشاد والتوجيه اسندت الى تنظيم الاخوان المسلمين، وبدليل انه لا توجد ادوات ولا مؤتمرات ولا حتى اداة اعلامية ثرة تعكس آراء الحزب ولا يوجد حتى حوار داخلي. وكذلك فإن تكريس السلطة السياسية والتنفيذية والتشريعية جعل المجموعات الاخرى تشعر وكأنها عاطلة وانها لا وجود لها ولذلك ترى ان انتماء المؤتمر الوطني عبء لانها تحاسب باخطاء المؤتمر الوطني سواء الغفلة عن حالات الفساد او عن ادارة الحركة الثقافية والفكرية او الدخول في صراع شديد حول السلطة ضد المؤتمر الوطني. وهي ترى طالما انها ليست لها وظائف وليست لها قرار او كلمة فانها تفضل ان تنتظر وتشاهد وتصبح احتياطياً لأي مؤثرات اصلاح مستقبلية. ولذلك اذا قلنا ان هنالك تياراً مهماً في المؤتمر الشعبي للتصحيح والاصلاح سيبتعد وسيكون له مبادرات ذاتية بعيداً عن الامين العام، وكذلك ايضاً هنالك تيار احتياطي كبير لأي حركة اصلاح او تصحيح داخل المؤتمر الوطني الرسمي. ولكن هذه الحركات كلها لن تأخذ مغامرات كبيرة لانها لا تريد اعداءً وليس هنالك ما يدفعها للدخول في صراع حول السلطة. ولكن اعتقد ان هذين التيارين هما رصد المستقبل وهما صمام الامان، وارشح ان هذين التيارين سيتحدان في ظروف المستقبل وان الاتحاد سيتم في ظروف صعبة وببطء، ولكن طالما ان الهمهمة قائمة وطالما ان التحديات غالبة اعتقد انه من خلال هذين التيارين سيخرج شيء واعتقد ان هذا الشيء سيكون مرشحاً وقادراً على ان يتجاوز المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني بل ويتجاوز البيئة السياسية السودانية. ولكن لا ادري ان كان هذا الشيء سيصدم ويستطيع ان يفتح آفاق المستقبل بالنسبة للهجمة الخارجية وبالنسبة للحرب من جنوب السودان وبالنسبة لقضايا الاقتصاد والعطالة، ولكن هذا التيار يستطيع ان يعيد تماسك الحركة الاسلامية ويزيل عنها الاحباط ويفتح آفاقاً للتحول.. واعتقد ان هذا ما سيحدث. ـ ما هو موقفكم من هذه التيارات؟ ـ د. حسن مكي: انا منتظر. واذا برزت حركات التصحيح هذه سأكون جزءاً منها ولن اتردد في دعمها روحياً وفكرياً وسياسياً. الزعامة الثابتة وبدأ محجوب عروة القيادي الاسلامي والناشر الصحفي حديثه الى منتدى «البيان» مستعرضاً تاريخ الحركة الاسلامية في السودان وقال: ـ ان المراحل الاولى للحركة بدأت في الاربعينيات كقوة ضغط معارضة للشيوعية ومحاولة لرفع شعار «الدستور الاسلامي» في السودان، فيما بدأت المرحلة الثانية عام 1964 عندما اصبحت الجبهة الاسلامية حزباً واستمر ذلك الى العام 1989 وتفاوتت الى كونه حزباً ضاغطاً ومعارضة من كونه تحالفاً في السلطة كأحد الاحزاب الرئيسية وله نواب في الجلسة التأسيسية وقتها، اما المرحلة الثالثة فقد بدأت بعد الانقلاب في الثلاثين من يونيو 1989 الذي قادته الحركة الاسلامية الى ان حدث الانشقاق، وهي كحركة اسلامية تمكنت من السلطة عن طريق الانقلاب العسكري مغايراً لما سلكته الحركات الاسلامية في الدول الاخرى مثلما حدث في الجزائر او في ايران كثورة شعبية او في بعض الدول الاخرى مثل افغانستان نتيجة للصراع مع السلطة. ولكن ما حدث في السودان ان الحركة الاسلامية قامت بانقلاب حيث كان منهجها مختلفاً جداً. والان تعيش الحركة الاسلامية في السودان المرحلة الرابعة والتي بدأت بعد الانشقاق في اعقاب قرارات الرابع من رمضان والتي قضت بحل البرلمان وتعليق بعض مواد الدستور واعلان حالة الطوارئ وذلك قبل عامين من الان. ففي المرحلة الأولى نجحت الحركة الاسلامية في ابراز الاسلام كفكر قوي جداً مناوئ للشيوعية وناضلت العهد العسكري وتحالفت، ومن المرحلة الثانية عام 1964 نجحت في تكوين جبهة عريضة كحزب واصبحت تتعامل مع الواقع السياسي بقوة وتتحالف وتعارض نظام جعفر محمد النميري (1969 ـ 1985) وتصبح الحزب الثالث في السودان. وفي هذه المرحلة نجحت كحركة للشباب، وعندما جاءت المرحلة الثالثة وهي مرحلة «التمكين» (حيث تمكنت الحركة الاسلامية من السلطة بانقلاب عسكري) فإن الحركة الاسلامية ولاسباب عديدة استطاعت ان تسير وفق طريقة منهجية وعلمية وموضوعية، قامت على اساس نهج واضح من الفكر الاسلامي وطبقت الدستور الاسلامي بالكامل وحاربت الشيوعية والعلمانية والقوى التقليدية. ومن الفترة الاخيرة استطاعت الحركة الاسلامية ان تستلم السلطة ولفترة 12 عاماً، وبمقياس النجاح يمكن ان يعد ذلك نجاحاً لانها اتبعت نهجاً واضحاً يقوم على مؤسسات قوية راسخة لها قيادات واضحة ولوائح ومؤسسات شورية ومكتب تنفيذي وتتعامل بمؤسسية وفيها الجانب الشوري رغم ان القيادة لم تتغير كثيراً ولكنها كانت تجد رضا القاعدة وذلك الى حد كبير، ولكن بعد ذلك حدث للحركة الاسلامية انحراف شديد بدأ في اواخر عهد نميري عندما تحالفت الحركة الاسلامية معه حيث تسربت للحركة من خلال وجودها في السلطة او من خلال الصراع مع القوى التقليدية او من خلال الصراع مع القوى اليسارية ـ تسربت لها ـ بعض السلبيات مثل الزعامة الثابتة وهذا من الطائفية وصارت مشيخة الشيخ الترابي. وظهرت بالحركة نوع من الميكافيلية المركزية التي تتجاوز الديمقراطية واصبحت الزعامة زعامة متسلطة والقيادة قيادة شللية ومراكز قوى، وهذا ما انعكس عندما قامت حكومة الانقاذ الحالية، حسب علمي ان الانقاذ كان مفترضاً لها ان تكون حركة عسكرية ترشد الديمقراطية وتعيد وتصحح الوضع الديمقراطي، ولكن ما حدث كان العكس حيث «اختطفت» بأن تم استبقاء النخبة القائدة في الحركة او ما يسمى بالزعامة، وهذا انحراف واضح، واول خلل واضح كان ان حلت هذه الزعامة الحركة الاسلامية ويجافي ذلك الشورى، وان حق الحل فقط للجمعية العمومية وللقاعدة، ولكن هذا الحل والانحراف جاء بسبب الزعامة والمشيخة مثل الاحزاب الطائفية والاحزاب اليسارية ومثل طريقة نظام نميري في العمل. واصبحت الحركة الاسلامية تدار بهذه الطريقة. واصبحت هنالك ازدواجية بين ما يقال في القاعدة الاسلامية وبين ما تمارسه وصارت القاعدة الاسلامية مجرد مجموعات يتم تثويرها او حشدها لتأتي لتهتف وتؤكد ثقتها فيما تقرره القيادة حيث اصبحت السلطة مرتكزة في القيادة العليا والتي ادخلت معها بسبب سيطرة عناصر من خارج الحركة الاسلامية من فلول المايويين (انصار نميري) والمهمشين في احزابهم سواء من الاتحاديين او حزب الامة او انصار نميري او من ابناء الجنوب والذين يمكن كسبهم بوسائل عدة، فتسربت للحركة الاسلامية مثالب هؤلاء الوافدين الجدد والتي افرزت سلبيات جديدة، واصبحت الحركة الاسلامية كدولة مثلها مثل اي حزب طائفي او يساري ميكافيلي هدفه السلطة والنفوذ وليس الاسلام الذي اصبح مجرد شعار لتعبئة الجماهير وحشدهم واستغلالهم، ولا تتم مشاورتهم في المؤسسات الشورية العادية وانما اصبحوا جنوداً عليهم طاعة الاوامر العليا وهذا استغلال بشع للمبادئ والافكار. وعلى ضوء ذلك تهمش من تهمش سواء من الزعامات او القاعدة الوسيطة او القاعدة الشعبية واصبح الولاء الشخصي والولاء للشلة ولمراكز القوى وللمصالح الشعبية هو المقياس فظهرت مؤسسات عديدة بها فساد كبير واصبح هنالك ما يسمى بالسوبر تنظيم الذي لا يدخله الا اصحاب الولاء والذين يجيدون الالتزام، فحدث الانحراف في الحركة الاسلامية، وهذا الانحراف من الطبيعي ان يقود الى الانشقاق الذي حدث الان في الحركة الاسلامية لأن الصراعات اصبحت بين الشلل وتملك الاسرار والمال والسلطة وكل شيء ويسعى كل جانب ان يغطي ذلك بالدين وهذا خطأ فادح، فهو ليس من الدين في شيء ولا من الاسلام ولا من تراث الحركة الاسلامية، وادى ذلك الى احباط اعداد كبيرة من الاسلاميين الذين تركوا العمل، الا بعض السذج الذين انضموا الى الطائفتين فالذين ذهبوا مع الامين العام هم شلل، لها مصالح، وعمياء في ولاءاتها لا تناقش بدليل ان مذكرة التفاهم التي وقع عليها حزب المؤتمرالشعبي مع حركة التمرد لم تتم مناقشتها على مستوى المكتب القيادي وجاءت من فوق بل ان الذي وقع عليها انابة عن الحزب ليس عضواً في المكتب القيادي، وذلك يدل على الطاعة العمياء. وعندما تأتي مثل هذه المجموعة للسلطة فانها تقبض على مراكز القوى، وهكذا اصبحت الوزارات والوظائف والقيادات هي مشروع السلطة ولم تنجح لانها بعدت عن المبادئ التي رفعتها الحركة الاسلامية، فاصبحت القاعدة الاسلامية اغلبها مهمشاً، واصبح الصراع بين من هم في القيادة والذين يعرفون كل الاسرار فبدأت الاعتقالات وتبادل الشتائم، اما الاجهزة الخاصة والعامة والقيادات فاصبحت ادوات لابراز مراكز القوى والشللية سواء كانت في المؤتمر الشعبي ام المؤتمر الوطني، والشعب بعيد تماماً عن ذلك ولا علاقة له بما يدور، رغم انه حمل الترابي مسئولية ما حدث منذ عام 1989، فهو مسئول عن الاخطاء والفشل وكل المعاناة، بصفته اميناً عاماً. فان كان الترابي يعلم ذلك فهي مصيبة وان لم يكن يعلم فالمصيبة اعظم، اذ ان ذلك يعني انه لا يعلم ومسئوليته ان يتنحى عند ذلك، وان كان عارفاً فانه سكت والساكت عن الحق شيطان اخرس. وبالتالي فالترابي مسئول وهو يتحمل مسئولية ما حدث منذ عام 1989 الشعب السوداني تعاطف مع المؤتمر الوطني شماتة في الترابي، والشعب بعيد كل البعد عما يحدث من خلافات، والان اذا قلنا في التاريخ ان الحركة الاسلامية في الوقت الحاضر تمكنت ثم انحرفت وتصارعت وان تطبيق المبادئ يختلف عن الواقع بدءاً بمبادئ الاسلام والحرية والشورى واحترام الاخرين، اصبح لا وجود لكل ذلك، الوجود فعلاً هو للاجهزة السلطوية والسوبر تنظيم وهي تتحكم في الرقاب وبالتالي فالشرعية بعيدة عن الاسلام والتراث الاسلامي الذي دخلنا به التنظيم في بداية الستينيات. لقد تحول مثل اي نظام سلطوي يسعى للامتيازات والتحكم في القرارات، صحيح ان حكومة الانقاذ افضل من نظام نميري او غيره من الانظمة، فهناك على الاقل هامش حرية وهامش دستور، لكن كل ذلك نصوص غير مطبقة وحقوق كثيرة ضائعة، هناك ظلم وتجاوزات، لا حرية، فالانتخابات تم تزويرها باعترافهم، وذلك ما افصح عنه الترابي، ورغم ذلك فهناك هامش حرية افضل بكثير من بعض الدول العربية. قانون السقوط ان التحدي الذي يواجه الحركة الاسلامية الان اذا ارادت ان تستمر كفكر يتمثل في اربعة تحديات هي الديمقراطية والاعتراف بالرأي الاخر ونبذ العنف والغاء الآخر والتبادل السلمي للسلطة والاحتكام الى القانون فالديمقراطية يجب ان تكون الآلية لانتقال السلطة اما الاسلام فلم يتحدث عن ذلك ونحن نتحدث عن الاسلام كدين، والدين من القداسة بحيث لا يتم التسلط باسمه او احتكاره او استغلاله حيث يتمثل التحدي بصفة خاصة في السلام والتنمية والعلاقات الدولية وهذه القضايا جميعاً مرتبطة ومعقدة فالديمقراطية والسلام والتنمية والعلاقات الدولية تأتي في اطار حل سياسي شامل يتشارك فيه كل القوى السياسية لأن هنالك عدم ثقة بين ابناء الجنوب وكل القوى السياسية، فاذا لم تكن هنالك تنمية حقيقية فلن يكون هنالك سلام والديمقراطية سوف تجهض واذا لم تكن هنالك علاقات قوية اقليمياً وعالمياً لن يكون هنالك سلام. كل هذه الامور مرتبطة ببعضها. وهذا هو التحدي الذي يواجه الحركة الاسلامية اما اذا استمرت الاعتقالات والغاء الاخر فان الحركة الاسلامية ستستمر كنظام كما استمرت عدد من الانظمة مثل ثورة يوليو في مصر والتي تطورت عكس نظام مايو الذي لم يتطور وبالتالي سقط. الواجب ان يجلس كل الفرقاء ويتعقل بهدوء وبمشاركة.. كل القوى السياسية الداخلية والمعارضة، وذلك لممارسة الحل السياسي الشامل، واذا لم تتخذ هذه الخطوة فسيأتي قانون السقوط وهذا القانون «سنة كونية»، وبالتالي فانا اتفق مع الدكتور حسن مكي انه في حالة الفشل في الحل السياسي الشامل فوارد ان يتحول النظام الى نظام سلطوي ديكتاتوري عنيف. ـ ما هو دور مؤسسات الحركة الاسلامية في الاصلاح قبل استفحال الامر؟ ـ محجوب عروة: كنت عضواً في الحركة الاسلامية حتى عام 1994 في المجلس الوطني، وكنت اقول رأيي وهذه مشكلتي مع الحركة الاسلامية التي رفضت آرائي وفي النهاية اصطدمت بها والان لست عضواً في اية مؤسسة من مؤسسات الحركة الاسلامية، وفي العهد قبل عام 1994 كنت بالمجلس الوطني والمكتب الاعلامي، وبعد ذلك سار النظام في خطه وحدث بعد ذلك الانشقاق المعروف في مؤسسات الحركة الاسلامية سواء في مجلس الشورى او المؤتمر او المؤسسات، وقد جاء هذا الانشقاق في تقديري لأن الحركة الاسلامية قد تكلست واصبحت مشلولة واشبه بالطائفية والميكافيلية، وبالتالي فإن الفئة التي قادت رأب الصدع لاحتواء الخلاف، اضعف من ان تعالج المشكلة وحاولت معالجة الامر بطريقة القاسم المشترك الاعظم بأن تعطي الرئيس شيئاً ويعطي الامين العام شيئاً، فلجنة رأب الصدع كان من الواجب ان تعطى الصلاحيات والاستقلال بما يمكنها من ان تضع حلولاً تجد القبول، وما قامت به اللجنة مجرد مساعٍ لأن الصراع كان اكبر منها كما ان منهج لجنة رأب الصدع كان ضعيفاً وقاصراً واقول ان لجنة رأب الصدع قد فشلت، فما بالك عن المؤسسات الاخرى داخل الحركة الاسلامية مثل الشباب والمرأة والعمال، هذه المؤسسات اصبحت مجرد مؤسسات للحشد والتنوير والتصفيق والتطبيل والهتاف وليس اكثر ولهذا عندما جاءت لجنة رأب الصدع وجدت نفسها بين حجري «الرحى» بين القصر والمنشية. علاقة اكاديمية ـ الدكتور عبداللطيف البوني (استاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم ورئيس تحرير صحيفة الأزمنة): انني لم اكن عضواً في يوم من الايام في الحركة الاسلامية كعضو منظم إلا عندما كنت في المرحلة الدراسية الوسطى، وبعدها والى اليوم فانا مسلم عادي متدين لكنني لست معارضاً لحكم الانقاذ ولست عضواً في المؤتمر الوطني او الشعبي، واهتمامي بعلاقة الدين بالدول يأتي بصفة اكاديمية حيث كانت اطروحة الدكتوراة، ومن منطلق صحفي واكاديمي احاول ان اقيم ما يحدث الان. اعتقد ان الحركة الاسلامية في السودان تختلف عن نظيراتها في الوطن العربي والشرق الاوسط والعالم الاسلامي بصفة عامة في انها وضعت السلم السياسي كشيء اساسي بالرغم من ان حركة الاخوان المسلمين الاولى كانت تهتم بالتربية لكن منذ ظهور حسن الترابي في العام 1964 اصبحت الحركة الاسلامية حركة سياسية ومعنية بالهم السياسي بشكل كامل لهذا اذا اردنا ان ننظر الى مستقبلها لابد من ان يكون ذلك مرتبطاً بالسياسة بشكل كامل لانها رهنت نفسها للسياسة ووضعت كل بيضها في سلة واحدة منذ اكتوبر 64 فأي فشل لمشروعها السياسي قد ينذر بنهايتها لذلك لابد من رجعة للوراء قليلاً، لنجد انه في اعقاب اكتوبر 64 واسقاط نظام عبود بدأت الحركة تمارس السياسة كجماعة ضغط فقط ونجحت في ان تلعب دوراً كبيراً جداً في ان تفرض الدستور الاسلامي كأجندة ثابتة على كل المنابر السياسية. ونجحت كذلك في ان تدفع كل الاحزاب السودانية لتتبنى الدستور الاسلامي، وبعد ذلك لعبت دوراً كبيراً مع الحركة الوطنية في مناهضة النظام المايوي (نظام نميري) وكانت هي الدينامو المحرك للجبهة الوطنية وانا ارى انه عقب المصالحة عام 1977م وحتى الانتفاضة 1985م هذا كان هو العصر الذهبي للحركة الاسلامية لانها كانت تعيش في ظل السلطة واستطاعت ان تتمكن مادياً وانشأت العديد من المؤسسات المالية وانتشرت داخل الجامعات ومنظمات المجتمع لانها كانت تمسك العصا من المنتصف، فلم تكن مشاركة في الحكم بشكل مباشر بقدر ما هي استفادت من الوجود في الظل. وكذلك لم تكن حاكمة لكن نميري اجهض مشروعها بعد ان حمل شعاراتها وحاول استغلالها بتطبيقه لقانون الشريعة الاسلامية بشكل متسرع.. الشيء الذي كان مطروحاً هو الدستور الاسلامي والدستور كلمة فضفاضة.. وهي عبارة عن مبادئ يمكن ان يتم الاتفاق عليها لكن تطبيق القوانين الاسلامية صعد المسألة اكثر مما يجب، وبعد الانتفاضة استمرت الحركة الاسلامية واجتازت كونها جماعة ضغط الى حزب بل اصبحت الحزب الثالث واشتركت في حكومة الوفاق مع الصادق المهدي. ولكن بمجرد خروجها من تلكم الحكومة بدأ تأكلها اي قبل يونيو 1984م، والجهة الاسلامية القومية اخذت في التراجع خرج منها عضوان في الجمعية التأسيسية وبدأ هجوم عليها.. لكنها استفادت من تمسكها بالتوجه العروبي الاسلامي في مقابل تيار الافريقانية الذي يقوده جون قرنق، ففي تلك الفترة اظهرت الجبهة الاسلامية نفسها وكأنها هي خط الدفاع الاول عن العروبية الاسلامية وحاولت الالتقاء مع البعثيين واوفدت اعضاءها الى مصر ومسيرة «امان السودان» المعروفة جعلتها قريبة جداً على من الجيش، والحركة الاسلامية عقب 89 بعد ان اضحيت في السلطة انا اقيمها في كلمتين فقط اذا كان الاستمرار في السلطة غاية تعتبر نجحت لأن لها الان اثنى عشر عاماً حاكمة اما اذا كان النجاح يعد بالقدرة على اسلمة الشارع وتطبيق الشعارات فلم تحقق نجاحاً فالدور الذي ادته الحركة الاسلامية وهي خارج السلطة في المجتمع والشارع ووسط الطلاب افضل بكثير جداً من الذي ادته الان وهي على سدة الحكم بل العكس فقد تراجعت كثيراً لانها شغلت نفسها بالسلطة وحمايتها من الضغوط الخارجية والداخلية، الامر الايجابي الوحيد لها في السلطة هو استخراج البترول. وفي تقديري الخاص ان الحركة الاسلامية لم تنجح في الحكم، انا اختلف مع د. حسن مكي في محاولته للتقليل من شأن الانقسام، ارى ان الانقسام له تأثير كبير وخطير جداً على الحركة الاسلامية نعم يمكن الا يفقدها السلطة في الوقت القريب ولكنه سيؤثر بشكل كبير جداً عضويتها وهي تعتمد بشكل اساسي على مقدرتها في التأثير على غيرها وحشد المتعاطفين معها ودفع الاخرين لتبني شعاراتها، والانشقاق له تأثير مباشر يفقدها هذه الخاصية هذا الى جانب انه جمد عدداً كبيراً جداً من عضويتها بالاحباط والاحساس بالفجيعة في القيادات، الان المتعاطفون في السابق مع الحركة الاسلامية لم يعودوا كذلك، والجاذبية والوهج اللذان كانت تتمتع بهما انتهيا بفعل السلطة، يبدو لي ان قيادة الحركة الاسلامية بشكلها القديم واهدافها القديمة ما عاد ممكناً ولابد من التغير، وخلاصة الامر يمكن ان نقول ان الحركة الاسلامية في سبيل حفاظها على السلطة احترقت، الان يمكن ان يستمر التنظيم بروح الشلة وحماية المصالح. ولكن الاستمرار سيكون بقوة الدفع القديمة واعتقد ان الترابي قد وعى هذه المسألة وهي ضرورة ان تكون الحركة جزءاً من هذا المجتمع بدليل ميثاق السودان 1987 ومذكرة التفاهم التي وقعها الترابي مع حركة التمرد لا تخرج عن ميثاق 1987، حيث ان ميثاق عام 1987 فتح التنظيم لغير المسلم، وانا اعتقد ان مذكرة التفاهم تطور طبيعي جداً نحو الوسطية والواقعية في بلد متعدد الديانات والثقافات. وخلاصة القول ان الحركة الاسلامية بوجهها القديم قد انتهت تقريباً، وعلى القائمين عليها ان يكونوا من الذكاء بمكان وان يتم تحويلها الى حركة مجتمع تدعو الى المحافظة على وجه السودان العربي المسلم امام هجمة المشروع الافريقي، وكنت سأقول ان الترابي كان متفهماً لهذا الامر ولكن يبدو ان صراع السلطة كان سبباً في الانحراف. واعتقد ان مذكرة التفاهم مع قرنق مؤشر جيد وفهم متقدم، والان حركة الوسط المسلم العربي غير الطائفي وغير العقائدي، صارت تكبر وذلك اذا قمنا بتعريف الوسطية في السودان بأنها حركة غير جهوية وغير عقائدية، فهذه الحركة الوسطية قد بدأت تكبر بنهاية الحركة الاسلامية واليسارية طبعاً، وقد انضم الى هذه الحركة الاتحاديون كتيار، كما ان حزب الامة بعودة الصادق المهدي قد انضم الى هذا التيار، حيث ان حزب الامة نفسه كان محسوباً على الكتلة الافريقية، وعلى توجه غرب السودان والغرب بصفة عامة حتى على مستوى العالم. والان هنالك حركة نتيجة لضعف الحركة الاسلامية ومع التغييرات التي احدثها الصادق المهدي في حزب الامة، فهنالك تيار وسطي يسعى لان يحافظ السودان على وجهه الاسلامي او المسلم العربي وهذا التيار يسعى للتفاهم مع الكتلة الافريقية وانا اعتقد ان الحركة الاسلامية منذ سحبها كلمة (اسلامية) سواء في المؤتمر الشعبي او الوطني فهذه خطوة في اتجاه نحو الوسطية ولكنني اعتقد انها لن تستطيع ان تتحكم في الشكل الجديد الآتي. تحدث في الندوة فتحي خليل نقيب المحامين السودانيين والقيادي البارز في الحزب الحاكم وعضو القطاع السياسي فقال: ـ ان امر الحركة الاسلامية ومستقبلها بعد الانشقاق الذي حدث مؤخراً لا يهم افراد الحركة فقط، بل انفعل بالامر اناس خارج السودان، اذ ان الحركة ليست معزولة، وان الشعب السوداني برمته تأثر بهذا الامر، فالحركة الاسلامية تمثل التيار العام الذي يمثل الاتجاه الاسلامي والحركة الاسلامية في قلب هذا الاتجاه الذي قاد التغيير الاجتماعي الذي شهدته البلاد نحو الاسلام ونحو مبادئ الاسلام حيث ان حركة التدين قد اصبحت واسعة ولا اعزي هذا لتنظيم او جماعة معينة ولا اعني بها كيان الاسلاميين المنظم ولكن شارك في كل هذا كل شخص عمل في مجال العمل الدعوي الاسلامي الذي اصبح الان تياراً غالباً في السودان، فمصطلح الحركة الاسلامية لا اعني به مجرد تنظيم معين بدأ باسم الاخوان المسلمين ثم جبهة الميثاق الاسلامي ثم الجبهة الاسلامية ثم المؤتمر الوطني. ولكن هذه الحركة هي في قلب كل هذا العمل، لذلك الان الانشقاق في اوساط هذه الحركة ادى الى تداعيات كثيرة وافرازات عدة يعاني منها كل المواطنين الذين ينظرون باشفاق الى مآلات هذا الانشقاق. ومنوال هذه الندوة «الحركة الاسلامية ومستقبلها» يأتي في هذا الاطار، فالحديث يجب ان ينصب حول المستقبل، ولكن لابد من الرجوع الى الخلفيات حول بداية الحركة الاسلامية فقد بدأت صغيرة ومن صفوة وسط الطلاب ثم اصبحت جماعة ضغط الى ان اصبحت مؤثرة في الحركة السياسية وفي العمل السياسي في السودان بصورة واضحة بعد تكوين جبهة الميثاق الاسلامي بعد ثورة اكتوبر 1964 وهذا التكوين الجديد (جبهة الميثاق) ادى الى توسع في العضوية واستقطب عناصر جديدة، انزوت بعد مايو قليلاً الا الاخوان المسلمين لظروف الحركة ثم بعد انتفاضة ابريل تكونت الجبهة الاسلامية القومية واستقطبت عناصر قومية اخرى واصبحت الحركة الاسلامية تشكل تياراً مقابل تيار اخر الى ان وصل العمل السياسي مرحلة استقطاب حاد بين هذين التيارين وحدث التغيير في الثلاثين من يونيو 1989 وهو ما تطلق عليه الحركة الاسلامية مصطلح التمكين. واتساءل اذا كان التمكين قد نجح في تنفيذ الاطروحات التي تنادي بها الحركة الاسلامية في الحريات والسلام واستقرار الامن في السودان، انا لا اريد ان ادخل في التفصيلات ولكن الظروف السياسية التي احاطت بالبلاد باستمرار الحرب الاهلية في الجنوب والمواجهات والصراعات مع القوى العالمية لم تمكن القائمين على الامر من تنفيذ كل برامجهم، ولكن هذا الحديث ليس هذا مجاله والحكم للشعب السوداني والذي لو رأى ان هذا النظام معزول عن توجهات الشعب وعن تحقيق آماله لما استمر هذا النظام عاماً واحداً ولكن هنالك بريقاً من امل ظل موجوداً وانا اعتقد ان للنظام ايجابيات كثيرة، ولكن هنالك سلبيات ايضاً وهذا هو عمل البشر. وفي مجال الحكم اعتقد انه ليس هنالك استغلال بشع لشعار الاسلام ولكن لعل هذا الاعتقاد يعود الى بعد الاخ عروة عن العمل الاسلامي منذ عام 1994 كما قال، فإن النظرة من الداخل تختلف عن النظرة من الخارج بالتأكيد حيث ان الذي يعمل بالداخل قد يكون حكمه اقرب الى الحقيقة، فالحديث عن الاستغلال البشع لشعارات الاسلام والسذج والشللية والمصالح والامتيازات والحكم على ان هؤلاء قد اصبحوا اصحاب مصالح وامتيازات في الحكومة انا اعتقد ان مثل هذا فيه ظلم كثير، هؤلاء العاملون وهم ليسوا بجاهلين بل هم اصحاب واخوان الاخ محجوب عروة قبل فترة قليلة ولهم دوافعهم وضمائرهم ونواياهم والمفروض الا نحكم عليهم هذا الحكم الجائر. كما ان الحديث عن ان الشعب السوداني بعيد عن كل الفشل والمعاناة اعتقد ان ذلك شيء مبالغ فيه ولكن هنالك سلبيات ما في ذلك شك وهذا اذا احسنا النوايا بالناس، والمطلوب المشاركة من قبل الجميع بالاجتهادات لتقليل هذه السلبيات، ولكن في النهاية يجب الا نحكم على نوايا الناس بالسوء. فتنة الانشقاق وعن الوضع الحالي يواصل فتحي خليل: الفتنة التي حدثت في الحركة الاسلامية تأتي ضمن الانشقاقات التي حدثت في كثير من القوى السياسية ولكن لا اقول ان ذلك شيء طبيعي ومحبب الى الناس والمطلوب داخل هذه القوى السياسية التركيز على ما يجمع وليس على ما يفرق، وذلك بالرغم من ان الاجتهادات قد تختلف طالما كان المرء يعمل في اطار جماعة اتفقت على مبادئ عامة وعلى اساليب عامة وعلى لوائح ونظم دستور، ويجب ان تحترم الاقلية رأي الاغلبية في اي اجتهاد في اي موقف من المواقف وهذا لا يحدث في السودان فقط وانما في اي مكان في العالم، ولكن الغريب فيما يتعلق بالحركة الاسلامية ان النظرة الى الحركة الاسلامية او افرادها تأتي باعتبارهم دعاة مبادئ وحملة رسالة سامية وانهم ابعد الناس عن الانشقاق، ولكنهم في النهاية ليسوا هم افضل من كل الاخرين، وقد يكون هنالك اناس خارج الحركة الاسلامية افضل من عدد من افراد في الحركة الاسلامية، كما ان هنالك افراداً داخل الحركة الاسلامية هم اقل التزاماً من المواطنين خارج الحركة الاسلامية، ولكن المهم هو الاتفاق على المبادئ والعمل الجماعي واصلاح النفس للقيام بالمهمة الكبيرة المناطة بهم خاصة وهم دعاة رسالة ومبادئ فهذا ما جعل الانشقاق الاخير في الحركة الاسلامية ذا بعداً مهماً اضافة الى صلة الحركة الاسلامية بالحكم والنظام القائم حالياً مما جعل الاهتمام بالانشقاق اكبر سواء داخلياً او خارجياً، ولكن في النهاية انا لا اقلل من الفتنة التي حدثت، لأن الحركة الاسلامية في السودان قد بلغت ما لم تبلغه الحركات الاسلامية الاخرى. والفتنة كان وقعها اكبر على الناس وانا لا اريد التحدث عن المواقف والاطراف لأن هذا لا يحل المشكلة ولكن المهم تداعيات هذا الحدث فهذه التداعيات ينبغي ان تجعل اي شخص داخل الحركة الاسلامية ينظر الى الامر بجدية ومآلات الامور اصبحت بالنسبة لهم واضحة، ويجب ان يتوقعوا ويفكروا بعيداً في هذا الامر. وعن المستقبل اقول ان من نجاحات الحركة الاسلامية ان الامور لم تبلغ المدى والانشقاقات والافرازات التي كان يؤمل فيه اعداء الحركة الاسلامية. واختلف مع الاخ محجوب عروة من ان لجنة رأب الصدع قد فشلت، لأن اقل ما قامت به لجنة رأب الصدع انها حافظت على حد ادنى للحركة الاسلامية. واعتقد ان محاولات الاخوة الذين اتوا من الخارج ليست هي المحاولة الوحيدة، وانما هنالك محاولات كثيرة غير معلنة وهي تعمل في صمت، ولكن اعتقد حتى محاولة الاخوة الذين اتوا من خارج السودان قد افلحت في وضع اسس اعتقد انها يمكن ان تصبح اساساً للانطلاق تتلوها خطوات اخرى وفي هذا لست يائساً بل متفائلاً كثيراً، ولكن الامر قد يحتاج الى وقت وصبر وعمل دؤوب لحل المشكلة، وانا اعول كثيراً على المستقبل لأن الفكرة هي نفس الفكرة والمبادئ هي نفس المبادئ ولكن الاشخاص يتغيرون فان عدداً غير قليل من الذين انضموا الى الحركة الاسلامية وعملوا لها وكانوا سبباً في نجاحها قد استشهدوا الآن وفيهم من مات كما ان عدداً كبيراً منهم قد تغير. وتغيير الاشخاص لا ينبغي ان يؤدي الى اليأس فالفكرة والمبادئ مازالت موجودة، ولكن اتفق مع الدكتور البوني في انه قد لا يكون الوهج والاستقطاب الذي كان يحدث في فترات معينة بنفس الصورة ولكن هذا لاعتبارات كثيرة. وبالرغم من ان اعداداً كبيرة من الناس اصابهم الاحباط ليس في اوساط المتعاطفين مع الحركة الاسلامية وانما افراد الحركة انفسهم، الا انني اعتقد وانا جزء من الحركة ان الغالبية من اعضاء الحركة مازالوا على النهج الذي ساروا عليه واقول في هذا ان قواعد الحركة كانت اوعى بمسئولياتها من بعض القيادات وهذا ما حافظ على كيان الحركة الاسلامية واكرر ان الفكرة والمبادئ لم تتبدل ويمكن ان تتغير اساليب العمل. اما الحديث عن حركة اصلاحية، فهذا يعود الى افراد الحركة الاسلامية من الداخل ومراجعة الاخطاء، فإن مراجعة السلبيات شيء اساسي وهي التي تعطي للحركة فعاليتها وديمومتها وانا اعتقد ان على الحركة الاسلامية وقادتها ان يعولوا على المتغيرات التي حدثت في السودان ويجب ان يغيروا على ضوء ذلك اساليبهم وبرامجهم من التفاعل مع الاخرين لافساح المجال لهم لابداء ارائهم لأن رأيك لا يبن اذا لم تر الرأي الآخر وتحترمه ايضاً. وبالرغم من ان الاوضاع الان افضل مما كانت عليه قبل عدة اشهر واعتقد ليس لدى الحركة الاسلامية فقط وانما كل القوى السياسية صار وضعها وتفهمها للاخر الان افضل من اي وقت مضى والامور في تقديري تسير في الاتجاه السليم، واعتقد بكل صراحة ان دستور السودان لعام 1998 قد وضع اسساً سليمة للعمل في مجال الحريات والتداول السلمي للسلطة وفي مجال الحكم وعلاقات اجهزة الدولة ببعضها البعض، رغم ان بعضها يحتاج الى تعديل وتغيير حسب المتغيرات. وعلى العموم فإن الدستور ينبغي ان يكون الاساس الذي يبنى عليه مستقبل السودان في الفترة المقبلة. تدبير مخطط استهل الصديق الترابي نجل الدكتور حسن الترابي وعضو المكتب السياسي في حزب المؤتمر الشعبي حديثه نافياً انشقاق الحركة الاسلامية، وقال: ـ ان ما حدث حقيقة ليس انشقاقاً وان المشاركين في ندوة «البيان» ومنهم الدكتور حسن مكي والاخرين يعلمون ان الانشقاق يحدث من داخل الجسم عندما تختلف جزئياته ويصبح لكل مجموعة رأي مثلما يحدث في مجالس الشورى وغيرها، ولكن الذي حدث هو «شق» تم بفعل فاعل، وهو شق للحركة الاسلامية وصفوفها لأن ما حدث تم بقرار مشهور (في اشارة واضحة لقرارات رمضان التي قضت بحل البرلمان وتعليق بعض مواد الدستور واعلان حالة الطوارئ) وهذا القرار معلوم ومدبر ومخطط له من شخص آخر خفي لا يظهر كثيراً في الاعلام. وذلك في اشارة واضحة الى علي عثمان محمد طه النائب الاول لرئيس الجمهورية ونائب الدكتور الترابي، في قيادة الحركة الاسلامية منذ سنوات). وسؤالي الذي ادخل به حول ما سيحدث داخل حركة الاسلام هل هذا شورى ام هو التجاوز وهل عدم الشورى حركة، والاجابة عندي لا الا اذا اعتبرنا كل التجاوزات والقهر والاستبداد والدماء التي حدثت في تاريخ المسلمين حركة حدثت في مجتمع اسلامي، وبهذه الطريقة يمكن ان نسميها حركة اسلامية، ولكن حقيقة اذا رجعت الى التأصيل والى القرآن والسنة ولممارسات المسلمين والممارسات الانسانية بعد المسلمين التي يمكن ان يطبق فيها بطريقة اسلامية او تتبع بعض الممارسات الانسانية التي لا تتعارض مع الشرف، نجد ان هذه ليست حركة اسلامية، والدكتور حسن مكي والاخرون يعلمون كم عدد الذين قاموا بهذه الحركة وكم عدد الذين وقعوا على مذكرة العشرة وكم عدد الذين ايدوا المذكرة والقرارات اللاحقة وما هي نتيجة موقف الجولات التي تمت لاعادة بناء المؤتمر الوطني الاخيرة؟ ان ما حدث كان من قلة من الناس استأثرت بالسلطة الشمولية وتريد ان تسميها بأي اسم «حركة اسلامية» او غيره، والمستقبل واضح بالذات في دولة مثل السودان، وهل هذه اول فتنة في بلد دخله الاسلام بطريقة يختلف عن البلاد الاخرى. والتغيير حقيقة سيحدث بأن يجعل الله في المؤتمر الشعبي او من الرأي العام السوداني او غيره، بل سيحدث التغيير بمرور الزمان، وهذه سنة الحياة. حقيقة فإن المؤتمرالشعبي لجأ الى الشعب السوداني وتوسع كثيراً جداً عن الجبهة الاسلامية القديمة وجبهة الميثاق التي سبقتها بعد ان تمددت القناعة بأن الاسلام هو الحل واصبح رغبة سودانية ذا شعبية عارمة يفهمها الان حتى المسيحيين والنصارى من ابناء جنوب السودان وبالتالي مهما طال الزمان او قصر في مثل هذه الامور الاستثنائية والاجراءات التعسفية الا ان الخيار الاخير، سوف يحسم الى صالح التوجهات الاسلامية التأصيلية اذا تغير الاشخاص ام لم يتغيروا من جانب الحركة الاسلامية الواسعة. ـ هل كانت هناك حركة اسلامية شورية ومؤسسية او مشاركة سلطوية في الانقاذ قبل الانشقاق في عهد الامين العام للحركة؟ ـ نجل الترابي: نعم وان اهم معالم هذه الشورية التي لا نستطيع ان نلوم الامين العام انها كانت مئة في المئة، واهم هذه المعالم انه كان هنالك اجتماع مشهور جداً في عام 1996 لمناقشة مسألة التعددية الحزبية والشورى وهذا الاجتماع كان اجتماعاً يسبق اعلان المؤتمر الوطني الحزب الحاكم حينها وهذا الاجتماع للمرة الاولى يحدث فيه عدم اجماع، حيث عادة ما تناقش الاجتماعات وتقلب في الآراء ونهاية الامر تكون الآراء 90% الى 10% او 95% الى 5% وهكذا، ولكن هذا الاجتماع هو الوحيد الذي خرجت فيه الآراء على ما اعتقد 60% الى 40% وكان اجتماعاً عصيباً وصعباً وللاسف فإن المجموعة التي هي الان في الحكم هي المجموعة التي كانت ترى عدم التعددية، لذلك نحن لا نبشر اخوتنا في الاحزاب الاخرى بتعددية حقيقية، وهذا الاجتماع يدل على انه كان هنالك شورى، اما اذا سألتني عما كان قبل ذلك من الارجاءات الاستثنائية والامور التي كانت تحدث في العام 1989 والعام 1990 فإن الحركة الاصلية والجماعة القليلة التي شقت نفسها وخرجت، كانتا متفقتين على تلك الامور وحتى من الاحزاب الاخرى، فمن المعروف في تاريخ السودان الكلام عن الشرعية الثورية والاجراءات الاستثنائية ولكن المهم هو ما يحدث بعد ان تتضح كل الرؤى او تستولي على مقاليد الحكم، ماذا تنوي ان تفعل؟ هل تدين بالحريات ام بالشمولية؟ ـ الدكتورة خديجة كرار: انا اشارك في ظرف استحضر فيه مشهد ليلة البارحة (في اشارة الى مداهمة الجهات الامنية لاجتماع كان يعقده المؤتمر الشعبي وكانت من ضمن المشاركين فيه). كنت موجودة في الاجتماع وشاهدت لأول مرة صورة حية للسلوك والاسلوب في التعامل مع اشخاص مهما كانوا، ان كانوا قياديين ام مواطنين عاديين، شاهدت بنفسي وسمعت اشياء ما كنت اصدقها احياناً عندما اسمعها. ولذلك فإن الانسان عندما يكون مشاركاً في حوار فكري وهو لا يزال يعاني، ليس معاناة الضعيف ان شاء الله، ولكن تدور الاحداث في ذهنه ويتعجب كيف يمكن ان تتمرد فئة قليلة على الاغلبية وتسلك هذا المسلك. وانا في تقديري وبايجاز شديد، لا اريد الحديث عن بروز، تيار ثالث لأن هذا في تقديري مجرد جدل فكري نظري لأن الواقع يقول ان غالبية الحركة الاسلامية بقطاعاتها المختلفة مازالت متماسكة وموجودة، قطاع الطلاب والمرأة والشباب والمواطنين المنتمين الى الحركة الاسلامية، ولذلك احسب انه لا داعي للدخول في جدل نظري جديد عن بروز اي تيار لأن الذين يدعون الى بروز تيار او اصلاح كانوا هم انفسهم جزءاً من هذه العملية فيهم من كان يقود الفتنة وفيهم من كان يقف يتفرج عليها. ولكن ما اود ان اقوله في هذه المداخلة، ان الخط الذي يمضي امام اعيننا الان هو عملية تنفيذ اجندة ذات اطراف وخلفيات وابعاد خارجية تستهدف استئصال الحركة الاسلامية في السودان في اطار استئصال الحركة الاسلامية في الدول الاسلامية الاخرى وفي العالم اجمع، هذه هي اجندة واضحة المعالم ومحددة، وكل الذي يدور في الواقع والذي يقرأ الاحداث اليومية التي تدور سواء كانت في داخل او خارج السودان يجد الشواهد واضحة امام عينيه بأنها عملية استئصال. نحن الان امام حرب طالت حتى المساجد فالمواطن العادي عند ذهابه الى المسجد يحسب انه شخص ينتمي الى المؤتمر الشعبي ويؤخذ من المسجد والطلاب الان محاصرون. انا يؤسفني جداً كوني قررت الا اشارك في ندوة او حوار لأن ما حدث بالامس حقيقة يؤكد ان المشاركة في منتدى يجلس فيه الطرف الاخر والذي يسلك هذا المسلك هو غير وارد اصلا. الامر الثاني كيف اشارك بفكري في منتدى كهذا والمجموعة التي كانت ينبغي ان تكون معي محمد الحسن الامين والدكتور بشير ادم رحمة اصبحا في سجن «كوبر» اليوم، كيف نشارك ونهنئ انفسنا لمناقشة الطرف الاخر الذي يمثله حسبما جاءني في خطاب الدعوة من هذا العمل اصدقاؤنا. واحسب ان التفكير في مستقبل الحركة الاسلامية في تقديري هو مجرد ترف فكري في هذه المرحلة بالذات هذا كل ما اود ان اقوله. واتمنى ان تعاد هذه الندوة وتفصل فيها الاطراف لانه الان انفصلت المجموعة عن القاعدة العريضة، واتمنى ان يعوا هذه الحقيقة. ان اسلوب الاعتقال كان يمارسه المعتقلون انفسهم في مخالفيهم منذ عام 1989 وحتى قبل الانشقاق والغاء الاخر. ـ خديجة كرار: عندما مورس مثل هذا الاعتقال فان الشيخ الترابي كان اول من اقال المسئول آنذاك، لأن ما قام به حينها لا يمت الى الحركة الاسلامية بصلة واتخذ قرار في حينها وكانت الممارسات لا تمثل حقيقة الحركة الاسلامية وتمت معالجتها وما يحدث الان هو انتقام لتلك المعالجة وهذه حقائق واضحة ومعلومة ولكن اعتقد ان هنالك طرفاً لا يريد لهذه الحقائق ويدفع بها هكذا لتبرير مواقفه. ورداً على محجوب عروة المشارك في الندوة عن محاولات الغاء الاخر واستئصاله من جانب جماعة الترابي قالت الدكتورة خديجة كرار: ان الحركة الاسلامية عندما جاءت الى السلطة وضعت استراتيجية محددة تتمثل في العبور بالسودان من الوضع الامني الذي كان حادثاً آنذاك ثم بعد ذلك وضع الاسس التي تقود في نهاية الامر الحريات ومشاركة الاطراف وفق ثوابت وبمقتضى القانون وما جاء في الدستور وفي قانون التوالي السياسي وكل هذه المؤسسات التي اسست لها الحركة الاسلامية كانت تقول في هذا الاتجاه. ولكن ما يحدث الان أن هنالك جهات تخشى ان تعود الحركة الاسلامية بعد الاعوام العشرة وقد اصبحت اقوى مما كانت عليه وانها عبر ما يسمى بالديمقراطية وصناديق الانتخابات ستكون هنالك ممارسة نزيهة محكومة بالقانون. ولكن نتيجة ذلك ايضاً انتصار الحركة الاسلامية وهذا امر غير مرغوب فيه عند القوى الاجنبية ولكنها للاسف الشديد وجدت من تجاوب مع هذا الخط وسلك هذا المسلك فقطع الطريق على استراتيجية الحركة الاسلامية، وما كان يحدث ليس انقطاعاً ولااستئصالاً ولكن وضح الان ان الحركة الاسلامية قد انحازت انحيازاً تاماً لنفسها ولبرنامجها ولاستراتيجيتها وهي لا تسعى للسلطة من اجل السلطة، وانما السلطة هي اداة من الادوات والذين يتحدثون عن زوال الدولة فالدولة مؤسسات قائمة وبها اشخاص يأتون ويذهبون اخر النهار، وانا كنت اهرى بعيني في البرلمان كيف ان برنامج الحركة الاسلامية يبتعد عن اصوله وعن ثوابته في الممارسة داخل مؤسسات الدولة ولكن السلطة هي الرأس اذا ذهب لا تذهب الدولة لاننا نريد الرأس محكوماً بالمنهجية والمرجعية وبالفكر والاستراتيجية والبرنامج حتى ولو جاء هذا الرأس عبر التجربة الانتخابية وجاء طرف آخر تستطيع الحركة الاسلامية ان ترعى حركته في الدولة وان تدير مساره او ان تنقلب عليه فهذه هي المسألة التي لا يريدها الغرب كما فعلها في الجزائر فعلها الان في السودان وللاسف الشديد وجد من تجاوب معها. ـ الم يكن الدكتور الترابي