قال الدكتور عبدالوهاب المسيري مؤلف موسوعة الصهيونية ان الانتفاضة الفلسطينية وضعت مسألة وجود اسرائيل وبقائها على الطاولة مرة اخرى مشيرا الى بدء الهجرة اليهودية المعاكسة الى اوروبا وأمريكا وكندا من جديد بسبب الخوف من استمرار العمليات الاستشهادية. واكد في حديث خاص لـ «الملف السياسي» ان اسرائيل كمشروع استعماري غربي لن يكتب لها النجاح لأن كل الجيوب الاستيطانية التي قامت في هذا العالم فشلت وانهارت. وقال ان اليهود كمستعمرين ليسوا مستعدين للتضحية بحياتهم من اجل اسرائيل لانهم يؤمنون بالحياة اكثر من ولائهم الى الكيان الصهيوني الذي جلبهم من شتى بقاع الارض. ودعا الدكتور المسيري الى دعم الانتفاضة الفلسطينية لانها السبيل الوحيد لاسترجاع الحقوق والكرامة العربية. وأشار الى ان الانتفاضة هي التي سوف ترهق اسرائيل وتجبرها على الرضوخ لمنطق السلام العادل واعادة الحق والانسحاب من الاراضي المحتلة عام 67، وفيما يلي نص الحوار: ـ بصفتك احد ابرز الاكاديميين العرب الذين خاضوا في موضوع الفكر الصهيوني، بماذا تفسر قلق اليمين الصهيوني بزعامة شارون وفشله حتى الآن في توفير الامن الذي وعد به ناخبيه وبدء هروب اليهود من اسرائيل في الوقت الراهن؟ ـ مسألة اليمين المتطرف في اسرائيل هي انك تتعامل مع صهيوني، والاجماع الصهيوني ينصب حول ان فلسطين هي لاسرائيل وان علاقة الشعب اليهودي هي علاقة عضوية بهذه الارض انه لا علاقة له بالاعتبار وانه له تاريخ يهودي مستقل، وان وجد شعب بهذه الارض اليهودية فهو وجود عربي وهامشي ويمكن القضاء عليه ولابد من القضاء عليه وينتج عن ذلك مجموعة من التفاصيل من ضمنها ان القدس عاصمة ازلية لاسرائيل كما انه لا يمكن فك المستوطنات لانها جزء من الامن الاسرائيلي والامن الاسرائيلي يمتد من النهر الى البحر وهكذا. صراحة اقول باراك لا يختلف عن شارون ولا عن بيريز، فباراك قد وصل بالعنف الى منتهاه بعدها زعم انه وصل بما يسمى بالتنازلات الصهيونية الى منتهاها. ان انتخاب شارون ظاهرة موجودة في كل الجيوب الاستيطانية انه حينما يصاب المستوطنون بالذعر يلجأون الى ما يشبه المهدي المنتظر العسكري، ولذلك اسمي شارون بجنرال اليأس انه حلم تحطم ولم يبق سوى العنف فيتصورون ان شارون سيتخذ خطوات كفيلة بإنهاء المقاومة التي يسمونها العنف. أنا لا أتخيل ماذا يمكن ان يقوم به شارون وأنا قد قمت بسؤال احد الاخوة من الارض المحتلة قال: انه لا يمكن ان يقوم بعمليات كوماندوز يدخل بها مناطق السلطة هو لا يجرؤ على احتلالها سوف يصاعد المقاومة وأن الجنود الاسرائيليين سيكونون على مرمى حجر من الاطفال. قد يقوم بعمليات على طريقة الوحدات الخاصة التي قام بها في الماضي باراك يدخلون ويقومون بعمل محدد. ولكن السؤال هو: هل ستنجح هذه العمليات الخاصة واكبر دليل على ضعف الولاء اليهودي للكيان الصهيوني هو بدء نزوح مئات او ربما آلاف الاسرائيليين عائدين الى الدول التي جاءوا منها خوفا ورعبا من العمليات الاستشهادية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في قلب اسرائيل. ـ هل انت مقتنع بأن الاسرائيليين في يوم من الايام يمكن ان يصلوا الى اتفاق نهائي مع الفلسطينيين والعرب في ضوء معرفتك عن الخلفية اليهودية عبر التاريخ؟ ـ مسألة ربط القضية او الاستيطان الصهيوني باليهود عبر التاريخ انا غير مؤمن بها كما قال الاستاذ عزمي بشارة، ان اليهود او المستوطنين المحتلين هم جزء من الاستعمار الغربي وهذا لا علاقة له باليهود كما ابين في موسوعتي «الفكر الصهيوني» فكر ولد في صفوف الاستعماريين الغربيين ولا علاقة له بالفكر اليهودي. قد تم تبنّيه بعد ذلك عن طريق بعض المفكرين اليهود واضفيت عليه ديباجات يهودية لكن الفعل الاساسي وهو نقل كتلة بشرية من العالم الغربي وتوطنيها في الشرق لتخدم مصالح غربية هذا فعل تكرر في الجزائر وفي امريكا الشمالية، وهكذا. ومن ثم طرحت فكرة التاريخ اليهودي جانبا. وفي الواقع ايضا اذا نظرنا الى الجيوب الاستيطانية المحتلة نجد ان اي حركة مقاومة او مطالبة بالحقوق العادلة كانت تقابل بالرفض الشديد والعنف ولكن يعقب هذا العنف نوع من انواع الادراك، المسألة لا يمكن ان تستمر الى ما لا نهاية هذا ما حدث في الجيب الاستيطاني الفرنسي في الجزائر وهذا ما حدث في جنوب افريقيا فأعتقد انه صحيح في نهاية الامر بشر يخضعون للضغوط، فيمكن عن طريق الضغوط والكفاح المستمر والدعم العربي للانتفاضة سيصل الصهاينة الى انه لا مجال للاستمرار، لا تنسى ان هذه هي الاستراتيجية الصهيونية، انه حينما يقتنع العرب انه لا يمكنهم طرد المستوطنين وانهم سيجابهون بالهزيمة تلو الهزيمة حينما يصلون الى هذه القناعة سيقبلون بالجيب الاستيطاني، انا اعتقد ان الامر ايضا يمكن ان يعكس اذا اقنع العرب المستوطنين، اقنعوهم ليس بالحوار وانما من خلال ما نسميه برهائن المصلحة هو انك تعطي الاسرائيليين سيناريو بديهي بفك الجيب العنصري وانشاء دولة متعددة الاديان، انشاء دولة على اسس اجراءات ديمقراطية ترسل هذه الرسالة ليس بالبريد وليس من خلال امريكا ولكن من خلال الجهاد المستمر. واعتقد ان هذا هو الطريق والسبيل الوحيد. واعتقد انه بالتدريج يتم ترسيخ هذه القناعة لدى الصهاينة، طبعا انا غير متفائل تماما بذلك. ولكن بالنسبة لافريقيا وجدنا ان ذلك حدث، وان مانديلا رفض الحوار مع الجيب الابيض ورفض الخروج من السجن الى ان ادرك الجيب الابيض ألا سبيل لذلك الا بالحوار. ـ الآن قادة الانتفاضة الميدانيون يؤكدون بأن الانتفاضة الفلسطينية مستمرة ضد اسرائيل حتى يتم تحرير الاراضي المحتلة عام 67 ويتم ازالة الاستيطان هل تعتقد بأن التمسك بهذا الخيار سيؤدي الى نتيجة مع الاسرائيليين في ظل اختلال القوى العسكرية بين العرب واسرائيل بوجه عام؟ ـ القوى العسكرية ليست بالضرورة في صالح اسرائيل لانه لا يوجد عند اسرائيل من اسلحة يمكنها ايقاف الانتفاضة خاصة في حالة الدعم العربي لأنهم فشلوا في لبنان، يعني سجل الفشل الاسرائيلي منذ عام 67 أخذ في التصاعد إبان حرب الاستنزاف وحرب 73، الانسحاب من لبنان ثم من جنوب لبنان انتفاضة 87، انتفاضة الاقصى. الاسرائيليون لا توجد عندهم اجابة على هذا الموقف. كما انه يوجد حالة نزيف الاقتصاد الاسرائيلي ولأن الجيش الاسرائيلي جيش احتياط ويستهلك او يستنفد من القوى العاملة ما يهدد دولاب العمل في اسرائيل ونظرية الامن الاسرائيلي كانت دائما مبنية دائما على الفعل الهجومي الاجهاضي انه اذا حدث مشكلة تتقدم الجيوش الاسرائيلية وتقوم بالضربات الخاطفة مثل ضرب المفاعل النووي العراقي وضرب الطيران المصري في عام 67 وضرب الطيران السوري في عام 1982، فكرة حرب الايام الستة هذه مناسبة جدا للاسرائيليين، اما انتفاضة السنوات الستة وانتفاضة الشهور الستة هي اخطر تحد لنظرية الامن الاسرائيلية التي لم تطور شيئا قدر هذه السعة من الاستنزاف. ـ عمليات المقاومة تضرب في العمق الاسرائيلي وتخترق حواجز الامن الاسرائيلية والاسرائيليون يهربون الى خارج واطراف غربية وعربية تضغط لوقف الانتفاضة. ما هي رؤيتك لطبيعة هذا الصراع في المرحلة المقبلة؟ ـ كما قلت اذا تم الدعم العربي يمكن ان يؤدي الى حل وانسحاب اسرائيل من فلسطين وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية. ان لم تقم الدول العربية بدعم الانتفاضة اعتقد انه سيكون له مردود سييء للغاية على الشارع العربي واعتقد انه سيتبع ذلك عدم استقرار النظم العربية لان انتفاضة الاقصى تمثل فرصة تاريخية نادرة لتصحيح مسار التاريخ العربي. ـ الواقع ان الاسرائيليين الآن يقومون بالتصعيد العسكري ، هل تعتقد ان نشوب حرب جديدة قد يكون نهاية لاسرائيل؟ وربما تلاحظون الآن التصعيد في اتجاه تهديد مصر وسوريا وايران وفلسطين؟ ـ انا لست خبيرا عسكريا لكني جلست مع بعض الخبراء العسكريين ويقولون ان التهديدات هذه تهديدات فارغة، الآن الدول العربية وايران مجتمعة عندها من الصواريخ والاسلحة ما يكفي لابادة اسرائيل عدة مرات. كما انه هناك توازن رعب الآن في الشرق الاوسط. وقال احد الاستراتيجيين هذا يفسر بانسحابهم من جنوب لبنان وعدم ضربهم للعواصم العربية كما يفعلون في الماضي كان بوسعه ان يضرب صيدا وبيروت ولكن لم يفعل لانه يعرف بأن هناك توازن رعب «فضلوا الانسحاب الآمن على مواصلة النزف» الانسحاب المذل في الواقع قاموا اولا بالتفكير بالانسحاب حتى لا يقوم حزب الله بإذلالهم، تركوا ميليشيات لبنانية بمعنى ان الانسحاب كان مذلا بالفعل. ـ بعد فشل كل قادتها السياسيين والعسكريين في توفير الامن والاستقرار لها وللمستوطنين الصهاينة، هل تتوقع بقاء اسرائيل في هذا القرن الواحد والعشرين؟ ـ هذا ليس سؤالا فلسفيا وانما سؤال حقيقي لأني اعتقد ما فعلته انتفاضة الاقصى انها وضعت مستقبل اسرائيل مرة اخرى على المائدة. أنا اتذكر حين كان النظام الاستيطاني في جنوب افريقيا آخذ في التداعي والانهيار وقلت لهم يجب ان نكون لجنة الآن لدراسة كيفية فك الذيول الاستيطانية ونذهب ونراقب العملية في جنوب افريقيا وندرس الوثائق في الجزائر. انتفاضة الاقصى غيرت اشياء كثيرة انا اعتقد انها قضت على الحلم الصهيوني والنظام الاستيطاني نظام ايديولوجي لا يمكن ان يعيش دون حلم ومن ثم اعتقد انه العد التنازلي قد بدأ ووضع الاسرائيليين في دوامة حقيقية لأن في الواقع لو نفذ بعض مقررات الشرعية الدولية يفقد سمته الخاصة كدولة يهودية استيطانية. يعني لو قبل بعودة اللاجئين او قبل بالانسحاب وفك المستوطنات في الضفة الغربية اعتقد انها ضربة ليست موجعة وانما قاضية. يعني هل سيمكنه بعد ذلك من اقناع المستوطنين في خط 48 انه به يمكن الدفاع عنهم، هل سيمكنه اقناع الغرب انه يمكنه الدفاع عن الامن الغربي في المنطقة يعني سيفقد الكثير مما سيؤدي لتفككه. بالمناسبة انا دائما اقول ما يلي: ان جميع الجيوب الاستيطانية الاحلالية التي لم تبد السكان الاصليين فشلت. النجاح لم يكتب الا للجيوب الاستيطانية التي أبادت السكان الاصليين مثلما حدث لأمريكا الشمالية نويزلاندا اما الجزائر وانجولا وجنوب افريقيا فقد نالت الاستقلال بالدم والتضحيات لان شعوبها بقيت حية تقاوم، ولا اعتقد بأن هناك شعبا قادرا على المقاومة والبقاء مثل الشعب الفلسطيني الذي اثبت على مدى القرن الماضي انه جدير بالحياة والاستمرارية. أجرى الحوار: د. جمال المجايدة