حول سياسة المقاطعة العربية لإسرائيل: تجربة الماضي.. وسيناريوهات المستقبل، نظمت جريدة «البيان» حلقة نقاشية، في مكتبها بالقاهرة، شارك فيها خبراء اقتصاديون وممثلو نقابات ولجان شعبية قادت حركة «المقاطعة» ومناهضة التطبيع هم: الدكتور حمدي السيد ـ نقيب الأطباء المصريين وعضو مجلس الشعب، والدكتور زكريا جاد ـ نقيب الصيادلة، والدكتور محمود عبدالفضيل ـ أستاذ ورئيس قسم الاقتصاد بجامعة القاهرة، والدكتور نادر فرجاني ـ مدير مركز «المشكاة» للبحوث والدراسات والخبير الاقتصادي العربي، والدكتور عصام العريان ـ الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء المصريين وعضو مجلس الشعب السابق، وأمين اسكندر ـ منسق لجان المقاطعة الشعبية المصرية، والمهندس أحمد بهاء الدين شعبان ـ عضو اللجنة المصرية العامة لمقاطعة السلع والشركات الصهيونية والأمريكية، وأحمد السيد النجار ـ الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام.. ومدير تحرير التقرير الاقتصادي الاستراتيجي. في البداية، أوضح جلال عارف، أن هذه الندوة تأتي في ظل الظروف الصعبة الحالية التي يعيشها الوطن العربي، ووصول سياسة البطش الإسرائيلية حدا غير مسبوق في الأراضي العربية المحتلة، وفي مقابلها العجز العربي عن ردع العدو الإسرائيلي.. ومواجهة التواطؤ الأمريكي. وأضاف: في محاولة منا للإسهام في بناء موقف عربي فاعل، اخترنا أن نقف أمام قضية «المقاطعة» بعد سنوات طويلة ضعف فيها الاهتمام بهذه القضية، وأدخلت الأمة العربية في متاهات الحديث عن «سلام الشجعان»، ثم عن «ثقافة السلام»، ثم عن التعاون الاقتصادي.. في ظل مشروعات «الشرق أوسطية» التي طرحها شيمون بيريز بديلا عن أي تعاون اقتصادي عربي، والهجوم الذي شنه البعض على جدوى المقاطعة العربية لإسرائيل.. وسط ضغوط أمريكية وأوروبية لإنهاء هذه المقاطعة، نجحت ـ خلال الفترة الماضية ـ في الحد من تأثير المقاطعة.. بل وتجميدها في بعض المجالات. وقال عارف: الآن.. تعود الأمة العربية، في محاولة للبحث عن أطواق نجاة تصد العدوان عليها، إلى قضية المقاطعة. وفي هذا الصدد، انعقد ـ منذ أيام ـ مكتب المقاطعة العربية في العاصمة السورية دمشق، بعد غياب وخمود استمرا فترة طويلة، واتخذ عدة قرارات.. قد تكون خطوة في الاتجاه الصحيح. لكننا نود أن نطرح ـ هنا ـ القضية في مفهومها الشامل، ونتساءل: ما هو الهدف الاستراتيجي العربي من إقرار قضية المقاطعة العربية لإسرائيل.. والشركات التي تتعاون معها، وهل حققت هذه السياسة أهدافها المرجوة في الفترة التي طبقت فيها، ثم لماذا تخلت الأمة العربية عن هذا السلاح في معركتها مع العدو والمتحالفين معه؟ ــ د. محمود عبدالفضيل: أرجو ألا نتوقف كثيرا أمام تجربة الماضي، لأنه كانت هناك مرحلة شهدت فعالية لسلاح المقاطعة، ثم جاءت مرحلة أخرى حدث فيها تراخ.. وأفرغ هذا السلاح من مضمونه، عن طريق عمليات التهريب التي كانت تحدث هنا وهناك.. هذا إذا كنا نتحدث عن المقاطعة بمفهومها الضيق، وهذا التراخي بدأ، أو على الأقل ازداد، مع صفقة كامب ديفيد. واعتقد أن القضية الجوهرية هي: كيف يمكن تنشيط وتحفيز سلاح المقاطعة، بكافة مستوياته، للتصدي للمرحلة الجديدة في الصراع العربي ـ الإسرائيلي. فإسرائيل معتمدة على شرايين حياة أخرى تربطها بالعالم الأول، إنما المشكلة التي تواجهها هي تقطيع أوصالها وحصارها في المنطقة.. وبالتالي أنا أقول دائما أن المقاطعة هي سلاح معنوي بقدر ما هي سلاح اقتصادي.. وهذه قضية جوهرية تخشى منها إسرائيل، وهي ألا يكون لها أي شكل من أشكال التطبيع مع جيرانها. فليس من الضروري أو المطلوب ـ إذن ـ أن تشكل المقاطعة ضربة قاتلة للاقتصاد الإسرائيلي، وهذا أقوله ردا على الذين يقللون من جدوى المقاطعة.. بدعوى عدم اتساع تأثيرها اقتصاديا. يجب أن نلتفت أيضا، إلى أن إسرائيل خرجت من مرحلة الجيتو إلى مرحلة الهجوم التوسعي على الأرض.. أوالهجوم التوسعي بالمعنى الاقتصادي العام، ولذلك كان من المطلوب بشدة حصارها اقتصاديا في هذه المرحلة، لأن الاقتصاد الإسرائيلي نما.. وأصبحت هناك قطاعات مربوطة بالعالم الأول، كما أن إسرائيل كانت تستخدم كقاعدة للانطلاق الاقتصادي في المنطقة، مثلما كانت المؤتمرات الاقتصادية التي أقيمت في الشرق الأوسط والشمال الإفريقي تهدف إلى أن يكون الإسرائيليون هم الذين يقودون البيزنس في المنطقة. القضية أمامنا ـ إذن ـ هي قطع الطريق على هذا التوجه، سواء قبل الانتفاضة.. أو بعدها، وهذه ضرورة تاريخية يجب أن نحافظ عليها. الموقف من الصهيونية ــ د. نادر فرجاني: في الحقيقة أود أن أوسع دائرة النقاش حول القضية المطروحة إلى دائرة مخطط إسرائيل.. ومن ورائها، فهذا ـ في حقيقة الأمر ـ موقف جوهري في الصراع العربي ـ الصهيوني. فالمسألة ـ في رأيي ـ ليست فقط موقفا من إسرائيل، بل هي موقف من المشروع الصهيوني في المنطقة.. ولهذا فالقضية ليست مقصورة على إسرائيل وفلسطين، إنما هي قضية عربية واسعة.. تقتضي توسيع المقاطعة خارج نطاق إسرائيل الجغرافي والاقتصادي، ليشمل شريان الحياة الذي أشار إليه د. محمود عبدالفضيل. المقاطعة ـ إذن ـ موقف يجب أن يتعدى حدود إسرائيل، ويجب أن يتعدى حدود فلسطين المحتلة. ــ أحمد النجار: بالنسبة لسياسة المقاطعة عموما، أعتقد أنه يجب النظر إلى تجربة الماضي.. وسنجد أنها لم تكن ضمن استراتيجية عربية شاملة للمواجهة، بدليل أن الدول العربية اكتفت ـ بمجرد أن بدأت الجماعات الصهيونية تنتشر في فلسطين ـ بمقاطعة كل البضائع اليهودية المنتجة في فلسطين، التي كانت تحت الانتداب آنذاك عام 1945. في الحقيقة الشعب الفلسطيني كان يحتاج ـ وقتها ـ لما هو أكثر من ذلك بكثير، فالدول العربية لم تكن تحتاج بالفعل للسلع والمنتجات اليهودية وقتها، والدعم المطلوب كان عسكريا وماديا.. لمواجهة تغلغل العصابات الصهيونية.. ثم جاء القرار الآخر، الذي صدر عام 1963 الخاص بالمقاطعة الرسمية من الجامعة وكل الدول العربية.. ووضع على أساسه قانون المقاطعة في عدد من البلدان العربية، كان الاحتياج الرئيسي لفلسطين ـ في ذلك الوقت ـ هو بناء أساس اقتصادي قوي في الضفة وغزة، قادر على أن يمول مقاومة الشعب الفلسطيني في مواجهة إسرائيل.. حتى عندما ضمت غزة للإدارة المصرية، والضفة الغربية للإدارة الأردنية، لم تتم أية مشروعات حقيقية لها علاقة بدعم أو تعاون عربي.. ربما كانت هناك جهود محلية صغيرة ومحدودة، وإنما هذا موضوع آخر.. لكن لم تقم مشروعات عربية كبيرة تكون أساسا لاقتصاد وطني فلسطيني قادر على استيعاب القوة البشرية في هذه المناطق، لتعميق وتوطيد ارتباطهم بالأرض من ناحية.. ومن جهة أخرى لبناء أساس اقتصادي، لتمويل القدرة على المواجهة. للأسف لم يحدث شئ من هذا، حتى في أوج الصعود القومي الذي كان متناميا في هذه الفترة. إذن، لم تتقدم سياسة المقاطعة، لأنها كانت سياسة جزئية.. وليست في إطار استراتيجية شاملة للدول العربية تجاه إسرائيل. بعد ذلك، وعقب اتفاقات كامب ديفيد الأولى، حدث اختراق كبير في جدار المقاطعة.. بوجود علاقات رسمية بين مصر ـ كأكبر دولة عربية ـ وبين إسرائيل، ولكن ظلت مسألة مقاطعة السلع الإسرائيلية هاجسا وموقفا شعبيا ترسخ في وجدان المصريين، رغم محاولات بعض الجهات الرسمية ـ وبالتحديد وزارة الزراعة المصرية ـ التعامل المباشر مع السلع والمنتجات الإسرائيلية، كما انحصر الأمر في حدود قلة ضئيلة من رجال الأعمال أقاموا علاقات تجارية مع شركات وأفراد إسرائيليين. لكن موضوع التطبيع مع إسرائيل لم يتحول إلى مظاهرة من الضغوط، إلا بعد حرب الخليج الثانية 1990.. وبعد بدء المفاوضات بين العرب وإسرائيل في مؤتمر مدريد، حينها بدأت الولايات المتحدة حديثها حول أن موضوع المقاطعة هذا من مخلفات الحرب الباردة.. ومن بقايا عالم قديم انقرض وانتهى!، وبالتالي يجب على الدول العربية أن تطبع علاقاتها مع إسرائيل. وتقيم معها مشروعات مشتركة، في حين أن الولايات المتحدة نفسها هي أكثر دولة في العالم استخدمت سلاح المقاطعة 70 مرة منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن ـ وما زالت هناك دول تخضع لمقاطعة اقتصادية أمريكية لها، مثل: كوبا وكوريا الشمالية وليبيا وإيران والسودان. استراتيجية عربية ـ وقاطعت مصر أيضا في الستينيات من القرن الماضي، إبان فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر. ــ النجار: بالضبط.. والموقف الأمريكي من موضوع المقاطعة ينطوي ـ في الحقيقة ـ على ازدواجية غاية في الفجاجة، بل وربما البجاحة.. لأن أكثر من دولة استخدمت سلاح المقاطعة هي نفسها التي تهزأ منه، عندما يستخدمه العرب.. وعلى قضايا حقيقية هذه المرة. ما أقصده أن سياسة المقاطعة العربية لإسرائيل يجب أن توضع في اطار استراتيجية لها أهداف واضحة ومحددة : هل نستهدف مجرد عزل إسرائيل اقتصاديا عن هذا المحيط، الذي إذا تعاملت معه سوف تحقق وفرا في تكلفة النقل والتأمين على كل حركة السلع والبضائع بينها وبين الدول العربية المحيطة، وبالتالي فإن هذا يشكل ـ بصورة أو بأخرى ـ نوعا من الضغط على الاقتصاد الإسرائيلي.. هذا في حالة المقاطعة المباشرة. أم أننا نستهدف ضغطا أكثر عليها، بمنعها أو حرمانها من علاقات اقتصادية مع شركات متميزة عالميا، أو مع بعض البلدان القوية اقتصاديا.. إذن لابد هنا من تفعيل الدرجتين الثانية والثالثة من المقاطعة العربية لإسرائيل، لأنها هي الموجعة أكثر بالنسبة لها بمقاطعة الشركات التي تتعامل معها.. لأن هذا هو الذي حرم إسرائيل من استثمارات ضخمة، كان يمكن أن تتوجه إليها خلال فترة تطبيق هاتين الدرجتين من المقاطعة. سلاح المقاطعة إذن يجب أن يستخدم في إطار مواجهة استراتيجية شاملة مع إسرائيل، يتوافق فيه الجانب الاقتصادي مع المقاطعة السياسية.. ووقف أي تطبيع معها، حتى تكون هناك نتيجة يمكن الاعتداد بها. وبالنسبة لنتائج المقاطعة، خلال الفترة التي طبقت فيها، فإن اتحاد الغرف التجارية الإسرائيلية قال إنه منذ عام 1953 حتى 1991 بلغت الخسائر ـ نتيجة المقاطعة ـ 45 مليار دولار.. وحصرها في الصادرات الإسرائيلية المحتملة للأسواق العربية، والتي لم تتم، والاستثمارات التي كان يفترض أن تتوجه إلى الدولة العبرية. أما مكتب المقاطعة ـ التابع لجامعة الدول العربية ـ فقدر تلك الخسائر حتى عام 2000 فيما لو كانت المقاطعة استمرت، بـ92 مليار دولار. هذه الأرقام قد تحقق فينا بعض الرضا، بشكل أو بآخر، لكن يظل التساؤل مطروحا: هل هذا الرضا هو ـ فقط ـ ما نسعى إليه؟..! أنا أرى أن القضية ليست مجرد أن نحسب قيمة الاستثمارات التي لم تتوجه إلى إسرائيل، لأنه ـ في المقابل ـ يمكن أن توجه إليها استثمارات أخرى.. وبالفعل هناك استثمارات للولايات المتحدة الأمريكية في إسرائيل لا مبرر اقتصاديا لها على الإطلاق، لأنها تفتقد الشرط الأساسي للاستثمار.. وهو الاستقرار والأمان، فهي دولة مضطربة دائما.. ولا زالت في حالة حرب مستمرة مع جيرانها ولكن هذه الاستثمارات ـ كما قلنا ـ موجهة، كما أن الولايات المتحدة عقدت مع إسرائيل ـ عام 1983 ـ اتفاقية تحرير التجارة البينية.. لكن الغريب أن تلك الاتفاقية ليس فيها شرط واحد يلزم إسرائيل بفتح أسواقها أمام المنتجات الأمريكية، بينما يعطي تسهيلات واسعة للسلع والمنتجات الإسرائيلية في أسواق الولايات المتحدة! المقاطعة مطلب جوهري ــ د. فرجاني: إنهاء المقاطعة كان ـ باستمرار ـ مطلبا جوهريا ولازما، تطرحه الولايات المتحدة على الدول العربية، ومسألة التسهيلات الاقتصادية التي منحتها أمريكا لإسرائيل كانت مؤقتة.. صحيح أنها مهمة، لكنها غير كافية.. فالواقع السياسي والمعنوي للمقاطعة كان من القوة، بحيث كان المطلب الجوهري المطروح في كامب ديفيد وكافة اتفاقات السلام الأخرى بين العرب وإسرائيل، هو: إنهاء المقاطعة.. والعودة للعلاقات الطبيعية. ــ أمين اسكندر: هناك نقاط ثلاث، أود التركيز عليها.. أولها: أنه من الواضح أن الغرب هو أول من استخدم المقاطعة، فأمريكا استخدمت المقاطعة منذ نحو 200 عام، إبان ثورة الأمريكان ضد الإنجليز. وفي مطلع القرن التاسع عشر استخدم نابليون فكرة الحصار على بريطانيا.. والمقاطعة، والإيطاليون استخدموها ضد النمسا، ولجأ إليها أيضا اليابانيون والعثمانيون.. وهذا يبطل حجة القائلين بأن المقاطعة فكرة عنصرية.. لا يليق أن نستخدمها في عالم اليوم، رغم أن الصهاينة استخدموها ـ ولا يزالون ـ فيما يسمى احتلال العمل.. واحتكار المنتج.. من خلال فكرة أن العامل لابد وأن يكون إسرائيليا، ويطرد العمال العرب.. حتى يخرجوا منتجا يهوديا خالصا.. أي صنع بيد يهودية.. وابتكره عقل يهودي.. ! وهذا معناه إعلان حرب على العمال الفلسطينيين، وطردهم من عملهم. النقطة الثانية: أن رفع المقاطعة هو مطلب إسرائيلي ـ أمريكي واضح منذ فترة طويلة، ورئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق اسحاق رابين له تصريح شهير.. مضمونه أنه ليس لهم علاقة بسيادة الدول، لكن يعنيهم فتح الأسواق.. وهذا هو هدفهم وغرضهم الأول، قبل أي علاقات سياسية أو اتفاقات سلام، وكانت مناسبة هذا الكلام عندما كانت تجري مفاوضات فك الاشتباك.. وانسحاب إسرائيل الجزئي من وسط سيناء عام 1974.. هذا الطلب الإسرائيلي الواضح جُسد ـ ـ للأسف ـ في اتفاقيات بينها وعدد من الدول العربية، ولذلك فإن الحديث عن مقاطعة تقوم بها نظم عربية.. هو حديث واهم لا محل له من الإعراب، ولا يستطيعه حتى مكتب المقاطعة التابع للجامعة العربية.. إلا إذا أدخل على الجامعة مفهوم التعامل مع المجتمع المدني. النقطة الثالثة: وهي مرتبطة بسابقتيها، وهي ضرورة التركيز على فكرة المقاطعة الشعبية.. وكيف يتم اعطاؤها قدراً من العلمية والتخطيط، لكي تؤدي دورها الفاعل في المواجهة مع الكيان الصهيوني. ــ د. عبدالفضيل: استكمالا لحديث الأستاذ أمين اسكندر، أدعو لجان المقاطعة الشعبية لنشر النصوص الموجودة في الاتفاقات المشار إليها، وهي: كامب ديفيد مع مصر.. ووادي عربة مع الأردن.. وأوسلو وغيرها من السلطة الفلسطينية، لكي يعرف الناس شكل وطبيعة القيود المفروضة على تلك الدول العربية، وتمنعها من تنفيذ سياسة المقاطعة الاقتصادية - بشكل رسمي على الأقل ـ على إسرائيل. تجربة الأطباء والصيادلة ـ هناك تجربة مهمة للمنظمات والنقابات المهنية لتطبيق سياسة المقاطعة الشعبية، وفي مقدمتها نقابتا الأطباء والصيادلة، نتعرف عليها من د. حمدي السيد.. د.زكريا جاد. ــ د. حمدي السيد: أنا أؤيد ما ذهب إليه الأستاذ أمين، بشأن عدم المراهنة على اتخاذ الأنظمة العربية قرارا حاسما بتفعيل المقاطعة، لأن هناك أمرا واقعاً يجب ألا نغفله.. وهو الاتفاقات القائمة المشار إليها، إضافة إلى أمر آخر بالغ الأهمية.. وهو الظروف الراهنة للمنطقة، خاصة بعد حرب الخليج الثانية.. ووجود قوات أمريكية على أراضي وأمام سواحل عربية، إضافة للظروف والمعطيات الدولية.. وتفرد قوة وحيدة بالعالم كله، تفرض شروطها وسياساتها على الجميع. يجب إذن أن نعرف ونؤمن أن هذا الزمن الردئ لابد وأن يكون التعامل معه بأسلوب مختلف، ونحن عندنا تجربة.. وقطعا غيرنا لديه تجاربه أيضا، ومن خلاصة هذه التجارب والخبرات نقول أنه يجب توسيع دائرة المقاطعة.. فلا تكون اقتصادية فقط، وإنما سياسية وثقافية وطبية وإعلامية.. أي مقاطعة شاملة في جميع المجالات، وهذا هو عمل اللجان الشعبية والتنظيمات النقابية والمهنية. ونحن في نقابة الأطباء المصرية اتخذنا قرارا، في 22 مارس 1979.. أي قبل معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية بيومين، بعدم التطبيع حتى يتم الحل الشامل للقضية، واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه كاملة، وانسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية الأخرى.. وجاء موقفنا هذا في وقت كان الرئيس السادات يعتبر أن أي موقف ضد التطبيع، أو معارض لاتفاقية السلام، موجه ضده شخصيا.. وعانينا في سبيل ذلك معاناة شديدة. ورغم ذلك، فإن الأطباء المصريين التزموا جميعا بقرار نقابتهم.. ولم يخرج عنه سوى نفر يعدون على الأصابع، اتخذت ضدهم جميعا الإجراءات التأديبية. المهم أن موقفنا هذا شجع النقابات الأخرى، فانضمت إليه ـ خلال فترة وجيزة ـ نقابتا المحامين والصحفيين.. وظل هذا التوجه المعادي للتطبيع يتفاعل، حتى أصبح هو موقف كل النقابات المهنية والعمالية.. بل وحتى الأندية الرياضية، وبات هناك تيار شعبي قوي مناهض للتطبيع.. ومقاوم له، حتى الذين كانوا يجادلون في حق الجمعيات العمومية للنقابات أن تصدر قرارات وقف التطبيع، والمقاطعة للسلع والمنتجات الدوائية والطبية، بل وذهب بعضهم إلى حد مقاضاة نقاباتهم.. لأنها إحالتهم إلى التأديب أو فرضت عليهم عدم التطبيع، هؤلاء جميعا صمتوا واختفوا الآن عن الساحة.. بعد اندلاع انتفاضة الأقصى. أريد أن أقول أن هناك تلازما بين سلاحي: المقاطعة، ورفض التطبيع.. وكلاهما يجب أن نشهره في وجه العدو، وأن نخلق رأيا عاما شعبيا مقتنعا بفاعليتهما.. وهذا هو ما بدأ يتشكل بالفعل، في مصر وسائر الدول العربية. وأريد أن أوضح حقيقة هامة هنا، هي أنه رغم موقف عدم الارتياح لهذا التوجه لدى الحكومة المصرية في بداية سنوات حكم الرئيس مبارك، إلا أنه سرعان ما قبلت القيادة السياسية والدوائر المسئولة الأمر كموقف شعبي يجب ألا يخضع لأية ضغوط، بل ربما يساعد ويقوي الموقف الرسمي المصري. وأذكر هنا مثالا واحدا: جاء وزير الصحة الإسرائيلي لزيارة القاهرة، فطلبت من وزير الصحة المصري ألا يصطحبه في زيارة أي مستشفى أو مكان به أطباء، حتى لا يحتك به الأطباء.. ويتعاملوا معه على أنه شخص غير مرغوب فيه، فاشتكى للرئيس مبارك أن الأطباء رفضوا زيارته.. أو الالتقاء به، فرد عليه قائلا: هذه نقابات مستقلة، لا تتبع الحكومة.. ولا نستطيع أن نفرض عليهم قبولكم.. ومواقفكم هي التي تجعل الناس يرفضونكم. الآن، وكنتيجة مباشرة للانتفاضة، نجد أن الأطفال وتلاميذ المدارس في مصر يتظاهرون في الشوارع وينظمون فيما بينهم حملات توعية لمقاطعة منتجات الشركات الأمريكية الداعمة والمؤيدة لإسرائيل. وعلينا نحن كمسئولين عن تنظيمات نقابية ولجان وهيئات شعبية، التوجه إلى الشارع المصري.. ودعم ومساندة واحتضان هذه الحملات، ومدها بالمعلومات والبيانات والخبرات المتاحة. وأمامنا ـ في هذا المجال ـ التجربة العظيمة التي قامت بها نقابة الصيادلة في مصر، وتبناها اتحاد الصيادلة العرب، وهي مقاطعة منتجات شركة «ليلي» الدوائية الأمريكية، عندما اكتشفوا ـ عبر موقعها على الانترنيت ـ أنها دعمت سكان المستعمرات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة.. وكدليل ساطع على فعالية سلاح المقاطعة ما نراه من محاولات مستميتة لإدارة الشركة لرفع اسمها من المقاطعة، حتى أنها عرضت أن تدعم السلطة الفلسطينية.. وتعالج ضحايا الانتفاضة من المصابين.. وهذا يدل على أن موقف المقاطعة هز الشركة بشدة، وهو نموذج لما يجب علينا عمله.. من خلال النقابات واللجان الشعبية ومنظمات المجتمع المدني. أيضا نستطيع أن نقوم بخطوات ونتخذ مواقف تضامنية على المستوى الشعبي العربي، ومثال ذلك ما حدث عندما وقعت الأردن اتفاقيتها مع إسرائيل.. حيث سافرت إلى عمان، واجتمعت بممثلي النقابات المهنية الأردنية.. وقلت لهم: تعالوا اطلعوا على تجربتنا في مصر، حتى تستطيعون مواجهة الموقف صفا واحدا.. وتقيموا خط دفاع ضد التطبيع، وهو بالفعل ما حدث.. رغم الضغوط والملاحقات الأمنية والاعتقالات التي مارستها السلطات الأردنية ضد مناهضي التطبيع، وهو نفس ما فعلته الحكومة المصرية في المرحلة التي تلت مباشرة توقيع اتفاقيات كامب ديفيد. إذن، نحن اليوم أمام مهمة وطنية وقومية عاجلة، وهي نشر ثقافة المقاطعة بين الناس.. وأظن أنه كلما وسعنا قاعدة المقاطعة والمقاومة، والتحرك الشعبي عبر منظمات المجتمع المدني، كلما زادت قدرة شعوبنا وأمتنا على الصمود.. وفي المقابل استطعنا حصار العدو، ومواجهة ودحر مخططاته. لا نزال في حالة حرب ــ د. زكريا جاد: أنا أريد في الحقيقة أن أعلق على حديث بعض الحاضرين، الذين حاولوا تبرير المقاطعة.. ولماذا لجأت الدول العربية لاستخدامها كسلاح، فنحن يجب ألا نتورط ونأخذ موقفا دفاعيا نبرر فيه المقاطعة.. لسبب بسيط، هو أنني أعتبر نفسي في حالة حرب حقيقية.. حرب حضارات، وحرب اقتصادية.. بل ربما ودينية أيضا.. وبالتالي حتى لو كنا نحن أول من استخدم سلاح المقاطعة في التاريخ كله، فلم لا؟! ألست في حرب مع عدو يرتكب أبشع المجازر التي لم يسبق للإنسانية أن عرفت لها مثيلا، ومن حقي أن استخدم كل سلاح ممكن في مواجهته.. على الرغم من أنه سلاح مدني يشهر في وجه من يحاربنا بالدبابة والطائرة والبارجة والصاروخ.. فالمقاطعة إذن ضرورية.. ولا مفر منها، لسبب بسيط.. هو أنها سلاح لا يمكن أن نسقطه في صراعنا الطويل مع العدو، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار ما اتفقنا هنا عليه.. من أن الأنظمة ـ بسبب الظروف الإقليمية والدولية ـ غير قادرة على مواجهة هذا الوضع وأن الأمل كله في حركة مقاطعة شعبية. الوضع الذي نحن فيه يبدو كما لو كان سيناريو متفقاً عليه، فما يفعله شارون من جرائم ومذابح يحظى بتواطؤ أمريكي لاشك فيه.. وكل يوم يخرج علينا بوش وأركان إدارته بتصريحات تفضح هذا التواطؤ، بل وتحاول لفت أنظارنا عما يجري من مجازر.. بتهديدها بضرب العراق! بينما نرى الحكومات العربية عاجزة عن الفعل.. أو حتى رد الفعل. الحل ـ إذن ـ في المبادرات الشعبية، وهنا يبرز سلاح المقاطعة كأحد الأسلحة الفعالة في مواجهة الإجرام الإسرائيلي المدعوم أمريكيا ومفهومي البسيط للمقاطعة هو أن أوجع العدو ـ وحلفاءه بالطبع ـ في مكان ما، وتجربتنا كصيادلة في مقاطعة شركة ليلي الأمريكية للمستحضرات الدوائية والطبية ـ التي تحدث عنها د. حمدي السيد ـ مثال واضح على ما يمكن أن تحدثه المقاطعة من تأثير. وأعيد ما سبق وقلته في مؤتمراتنا النقابية الشعبية: ماذا يحدث لو قاطعنا الكوكاكولا.. وهي واحدة من أكبر الشركات الأمريكية العالمية الداعمة لإسرائيل، وسبق أن صرفت مليارات الدولارات لكي تستطيع دخول الأسواق العربية مرة أخرى.. بعد أن كانت مدرجة على رأس قوائم المقاطعة، ماذا لو اخترناها كرمز للغضب العربي ضد الانحياز الأمريكي الأعمى ضد إسرائيل؟.. أظن أننا بمثل هذه الخطوات، نستطيع أن نوجعهم في الصميم. وأعود إلى تجربتنا في مقاطعة منتجات شركة ليلي وأقول إننا قبل أن ندخل المواجهة معها.. درسنا قائمة الأدوية التي تنتجها، حتى لا نفاجأ بأن أيا منها لا غنى عنه للمرضى، وأعددنا قائمة أخرى بأدوية بديلة.. تنتجها شركات مصرية أو عربية، أو عالمية عاملة في مصر.. وغير مرتبطة بإسرائيل، ولذلك نجحت حملة مقاطعة منتجات ليلي، لأننا لم نكتف بدعوة الناس إلى مقاطعتها فقط.. ولكن قدمنا لهم البديل المناسب، بل والأرخص سعرا. وأنوه هنا أن هذه الحملة لم يكن ممكنا أن يكتب لها النجاح، لولا تجاوب زملائنا أطباء مصر ونقابتهم الرائدة، لأن الطبيب هو الأصل في وصف الدواء للمريض.. لذلك كان من المهم للغاية أن ينضم الأطباء لحملتنا، ويمتنعوا عن وصف أي من منتجات ليلي للمرضى.. ويعتمدوا على البدائل التي وضعناها، وهو ما حدث بالفعل.. وبصورة رائعة، جعل من التجربة كلها نموذجا يقتدى به. وأنا أتفق مع ما قيل حول ضرورة أن تكون المقاطعة شاملة، وليست قاصرة على الجانب الاقتصادي فقط.. مع ضرورة وضع استراتيجية تلتف حولها كافة القوى واللجان والتنظيمات الشعبية، تضمن أن تكون عملية المقاطعة منظمة ومدروسة.. وليست ارتجالية قائمة على مبادرات فردية من أشخاص أو مجموعة من المتحمسين. كذلك، أرى أن المقاطعة لابد وأن تمتد لتشمل المنتجات الأمريكية.. ولابد أن نوجعهم عقابا على تواطئهم وانحيازهم السافر لمجرمي الحرب الإسرائيليين لأن الحقيقة تقول أن الذي يحرك الساسة والسياسة في العالم كله، خاصة الولايات المتحدة، هي الشركات الضخمة متعددة الجنسية.. ذات النفوذ الهائل في أوساط صناعة القرار السياسي، وهي التي تأتي بهذا النظام أو ذاك.. أو تعمل على إسقاطه لذا فإن مقاطعة هذه الكيانات الاقتصادية الضخمة، سيجعلها تضغط على دوائر صنع القرار.. المنحاز دوما لإسرائيل، وسيجعل الأمريكيون يشعرون بخطورة ما يحدث على مصالحهم المباشرة في المنطقة. أقول ذلك، وأنا مدرك أننا سنواجه بضغوط هائلة، حتى من بين صفوفنا.. لأن هناك جماعات مصالح ومنتفعين مرتبطين بهذه الشركات والكيانات، بل ومسوقين للفكر السياسي الخرب.. الذي يروج لدعاوى عدم جدوى المقاطعة، أو أن لها تأثيرات على آلاف العمال والموظفين من المواطنين.. لكن كل هذا مردود عليه، وله بدائل عدة.. شريطة أن تكون عملية المقاطعة ـ كما قلت ـ مدروسة ومنهجية. ــ أحمد بهاء شعبان: أتفق مع كل ما قيل، ولا أريد أن أكرره.. لكني أركز على فكرة تفعيل المقاطعة الشعبية، لأن تراث مصر فيها طويل.. وممتد لأوائل القرن العشرين الماضي، حيث مارسها المصريون أثناء الاحتلال البريطاني.. عندما وجهت القوى الوطنية المصرية نداءات لمقاطعة البضائع الإنجليزية، بل وطلبت من العمال المصريين مغادرة الكامبات أي الشركات ومعسكرات العمل الإنجليزية، كما مورست على مستوى العالم العربي.. عندما قاطع عمال الموانئ العربية شحن وتفريغ السفن الأجنبية، ردا على مقاطعة الباخرة المصرية كليوباترا. فكرة المقاطعة الشعبية إذن، هي جزء من استعادة تقاليد النضال الوطني في مواجهة المستعمر. ولذلك فإن قيمتها الأساسية ليست مجرد قيمة مالية أو أضرار اقتصادية فقط، تعود على المؤسسات التي ستدرج في قوائم المقاطعة، رغم الأهمية الكبرى لهذا الجانب.. لكن الأهم هو أن النشاطات المرتبطة بالمقاطعة تصب في مسار المقاومة، ورفض الاستسلام، وتحويل المقاومة إلى مواجهة كما أن هذه النشاطات تؤدي إلى نزع عقلية الهزيمة، ونشر ثقافة المقاومة، وغرس عقلية الإصرار.. ومن ثم الانتصار في المواجهة الشاملة الممتدة مع العدو. ـ بعض الحضور تحدث عن أن التعويل على الأنظمة، في مساندة ودعم عملية المقاطعة، مجرد وهم.. فهل هذا قرار أو تصور نهائي لدى قادة ومسئولي ومنسقي العمل الشعبي؟ ــ أحمد بهاء شعبان: هذه نقطة دقيقة، وكما قلت.. أنا مع الجهد الشعبي في مجال مقاطعة إسرائيل ومن ورائها، وأظن أنه آن الأوان للحكومات أن تفسح المجال للعمل الشعبي.. لكن هذا لا يعني ـ في الوقت نفسه ـ أن نعطي الحكومات الفرصة لأن تتخلى عن التزامها في التعبير عن آمال وتطلعات وتوجهات شعوبها، خاصة في مجال الصراع العربي ـ الصهيوني، وقضية استخدام المقاطعة كسلاح في هذا الصراع. يجب علينا أن ندفع الجهد الشعبي، من دون اغفال أهمية دور الحكومات في دعم ومساندة هذا الجهد، بل وتبنيه.. وإفساح المجال أمامه ليكون فاعلا ومؤثرا. ـ هناك 13 دولة عربية ـ فقط ـ حضر ممثلوها اجتماع مكتب المقاطعة في دمشق، وقد يكون بعضهم حضر تحت ظن أنه لن يحدث عمل جدي في هذا المجال.. لكن المؤكد أن هناك فريقا من العرب، سواء على صعيد بعض التوجهات داخل الأنظمة الحاكمة.. أو من بين رجال البيزنس الذين يخشون على مصالحهم الخاصة، سيقفون ضد فكرة تفعيل سلاح المقاطعة. والسؤال: كيف يتم التعامل مع هذا الأمر، خاصة وأن هناك معاهدات واتفاقات تلزم بعض الحكومات العربية بعدم تبني مواقف وتوجهات تعادي إسرائيل.. وأيضا وجود مناخ اقتصادي دولي يتحدث عن العولمة وتحرير التجارة، وأن هناك مصالح أمريكية سوف تتعرض مباشرة للتهديد.. وبالتالي توقع مقاومة شديدة من الولايات المتحدة، بل وضغوط مكثفة، من أجل عدم تفعيل المقاطعة؟ ــ د. عصام العريان: أنا ضد مبدأ أن نعفي الحكومات من المسئولية، لأن المقاطعة جزء من مشروع متكامل.. ولا يمكن أبدا تصور أن المقاطعة الشعبية وحدها ستحقق أهدافها، بعيدا عن المنظومة المتكاملة للتصدي والتعامل مع الصراع العربي ـ الصهيوني، وهو صراع طويل وممتد.. والحكومات أو المواقف الرسمية مؤقتة بطبيعتها، وسياساتها قابلة للتغيير، ولو وضعنا المقاطعة ضمن منظومة متكاملة، أتصور أنه يجب أن تصاحبها ضغوط شعبية متواصلة لدفع الحكومات ـ على الأقل ـ إلى ترك الجهد والأنشطة الشعبية الداعية للمقاطعة تمر، وتؤتي تأثيرها في المجتمع.. من دون تعرض نشطاؤها للمضايقة والملاحقة. لذلك إذا أعفينا الحكومات من مسئولياتها، نكون قد تركنا سلاح المقاطعة معلقا في الهواء.. من دون فعالية. والدليل على أهمية دور الحكومات، هو التأثير الشديد الذي أحدثه مكتب المقاطعة عندما كان يقوم بدوره كاملا، وبمساندة أساسية من الحكومات العربية، وبذل الصهاينة والأمريكان جهودا جبارة لكسر حلقة هذه المقاطعة، خاصة الدرجتين: الثانية والثالثة. حتى فيما يختص بتحرير التجارة.. واتفاقيات الجات، والشركات متعددة الجنسية، أرى أنه إذا كانت هناك ارادة حقيقية وقوية لتفعيل المقاومة.. فإنها لن تكسر، عبر مصالح ضيقة، أو فردية. الصراع ـ كما قلت ـ ممتد وطويل، وأبعاده كثيرة جدا.. منها ما هو اقتصادي، ومنها البعد النفسي.. والاجتماعي، فضلا عن البعد السياسي والشعبي. ومن المهم هنا محاصرة الطابور الخامس بين صفوفنا، سواء من دعاة العولمة والنظام العالمي الجديد.. أو المطبعين والمخترقين لجهود مقاطعة العدو، وكشفهم.. وتعرية مواقفهم أمام الرأي العام، الذي أثبت ـ دائما ـ أن الاعتماد على حسه الوطني في محله تماما ولعلي أذكر هنا مثالا واحدا: أحد رموز المتورطين في البيزنس مع الصهاينة، وهو قيادي كبير في الحزب الوطني الحاكم ـ يدعي أحمد خيري ـ يشغل موقع أمين عام الحزب في محافظة الاسكندرية، أسقطه الناس في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة.. ولم يحصل إلا على نحو 500 صوت فقط، بمجرد توزيع صورة بين أبناء دائرته الانتخابية.. تضمه وهو يصافح نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق. كذلك، يجب أن ندرك حقيقة أن هؤلاء المرتبطين بعلاقات ومصالح اقتصادية مع الشركات متعددة الجنسية، ويتحدثون ـ عندما يرتفع نداء المقاطعة ـ عن الضرر الذي سيلحق بهم.. وبالعمال الذين يشتغلون في مشروعاتهم، هؤلاء أنفسهم يهددون مشروعنا التنموي المستقل.. ويجب أن ندرك أنهم جزء من المشروع المضاد، الذي يسعى لرهن المنطقة وتبعيتها اقتصاديا ـ بشكل كامل ـ لعجلة الاقتصاد العالمي، الذي تلعب فيه الشركات متعددة الجنسية ورؤوس الأموال اليهودية الدور الأبرز. إذن، وعينا بحقيقة هؤلاء المحسوبين علينا، وتطهير صفوفنا منهم، هو جزء من ثقافة المقاومة التي ندعو إليها، لمقاطعة المشروع الصهيوني. ــ أمين اسكندر: ما قصدته بحديثي، هو أن نبني استراتيجيتنا في الدعوة للمقاطعة على أساس أن نضغط على النظم وندفعها لتبني الفعل الشعبي، لكن لا يمكن أن نبني لاستراتيجية المقاطعة ومقاومة التطبيع على أساس أن النظم جزء رئيسي ومحوري فيها.. لأن هذا يهدم فكرة العمل الشعبي من الأصل. ــ د. العريان: اتفق معك، بشرط ألا نعفي الحكومات من مسئوليتها. ــ أحمد بهاء شعبان: اختلف قليلا مع د. عصام، فالحكومات العربية لا يمكن أن تكون جادة في موضوع المقاطعة.. لأن الموضوع الاقتصادي هنا ليس مجرد عارض، بل هو صلب الصراع.. ولست متفائلا في إمكان أن تضحي بعض الأنظمة العربية، التي لم تقدم أي دعم حقيقي للانتفاضة مثلا، بمصالحها الاقتصادية الضخمة مع الولايات المتحدة الأمريكية. والتي تراكمت عبر سنوات طويلة، حتى بين بعض النخب العربية الحاكمة. لذلك لا أتوقع أن تجد قضية المقاطعة مساندة رسمية بأي شكل من الأشكال، لكنها قد تتغاضى عنها الآن.. لأنها تعرف أن هناك مساندة جماهيرية للقضية. المقاطعة في مناهج التعليم ــ د. فرجاني: يجب أن نلتفت إلى أن هناك أمورا هي بطبيعتها في مجال تصرف الحكومات، ولا يفيد الضغط أو العمل الشعبي في تغييرها.. مثلا: مناهج التعليم في المدارس، الحكومات هي التي تضعها وتتصرف فيها.. الضغط الشعبي قد يفيد ـ فقط ـ في الزام الحكومة بعدم تغييرها، ومنع أي محاولة لتجميل صورة العدو في المناهج التي تدرس لطلبة المدارس. ــ د. عبدالفضيل: هناك اتفاق بين الحضور على أن المقاومة والمقاطعة حق مشروع في كل مراحل التاريخ، وبالتالي لا يوجد أي اعتذار عنه.. بالعكس، فهو سلاح أساسي في المواجهة، وفي ظل اتفاقيات الجات وغيرها، هنا أساليب عديدة للتحايل.. يمكن اللجوء إليها. لكن القضية الأساسية تكمن في تحديد الآليات والدرجات اللازمة لتطوير أو تفعيل تلك المقاطعة، من دون استبعاد أي من مستويات العمل الرسمي أو الشعبي، وأضع هنا ثلاثة مستويات للتحرك.. الأول: مستوى الحكومات والمنظمات الحكومية، والثاني: المقاطعة على الصعيد الشعبي.. وبمشاركة منظمات المجتمع المدني، والثالث هو: المقاطعة على الصعيد الخارجي.. مثلا: كيف يمكن أن نجعل السوق الأوروبية المشتركة ترفض استقبال سلع اسرائيلية مصنعة في المستعمرات، أي نحاول عمل نوع من الحصار الدولي. أما نقطة الخلاف حول موقف الحكومات، فأقول إنه لا يوجد من يراهن على هذا الأمر.. ولكن تحت ظروف ضغط شعبي، مثل الذي يحدث حاليا في المنطقة، يمكن تجميد بعض العلاقات.. بل وقطعها في بعض الأحيان. وهنا أضرب مثالا بماحدث في مشروع شركة ميدور لانتاج وتكرير النفط، والتي تأسست برأسمال مصري ـ اسرائيلي مشترك، عقب توقيع اتفاقيات كامب ديفيد.. وهذا المشروع كان من أخطر المشروعات التي يتباها بها الكيان الصهيوني، ويعتبره فاكهة الاستثمار المشترك.. لأنه لم يكن مجرد تجارة، بل هو اختراق لبنية الاقتصاد الاساسية، هذا المشروع تم بيع الحصة الاسرائيلية فيه، في ظل الأحداث الأخيرة، الى بنك وطني مصري البنك الأهلي، باستغلال ظرف تاريخي معين.. وتم قطع رجل اسرائيل من الاستمرار في هذا النوع من الاستثمار، كذلك يمكن احداث ضغوط شعبية، توقف هذا الزحف الاسرائيلي في قطاع الزراعة المصرية. المهم اذن التركيز ليس على التجارة البينية، لأنها تأتي في الدرجة الثالثة من الأهمية، وانما التركيز يكون على الاستثمارات والمشروعات المشتركة.. ومحاولات الاختراق التكنولوجي، لأن هذه أشكال جديدة من التغلغل، بدأت بعد مرحلة كامب ديفيد، والضغط على الحكومات مفيد في هذا المجال.. مع مراعاة أنه داخل النخب الحاكمة غالبا يوجد فريق يعارض الاستمرار في هذه السياسات التطبيعية. إذن يمكن أن يسفر الضغط عن قطع هذه العلاقات، أو وقف تطويرها.. وتجميد بعضها عند حده الأدنى. يجب أن نهتم كذلك بوضع ضغوط وقيود من الرأى العام والحركات الشعبية على دخول رؤوس الأموال الأجنبية الى الأسواق المحلية، تحت ستار عمليات الخصخصة وتحرير التجارة.. وبيع المشروعات والشركات الوطنية الى مستثمر رئيسي من دون اشتراط الا يكون يهوديا أو صهيونيا، ومن الممكن تنظيم حملات صحفية وشعبية مضادة لهذا المستثمر ـ اذا كان يهوديا ـ كما حدث في حالة سينسبري، لاجباره على التراجع.. والهروب من الأسواق العربية. على المستوى الثاني، وهو قطاع الأعمال الخاص.. فمن المؤكد وجود وكلاء لشركات اسرائيلية وأمريكية صهيونية، لكن المؤكد وجود رجال أعمال يتضررون من الملكية الإسرائيلية أو اليهودية، وهذا أيضا قطاع مستهدف.. ويجب أن يكون في خط الدفاع عن التنمية المستقلة. المستوى الأخير، وتوجد فيه مقاومة بالفعل، وهو النقابات المهنية والاتحادات العمالية واللجان الشعبية والطلابية ويدعم هذا المستوى أن هناك متغير جديد حدث، وهو بروز الوعي الشعبي للمقاطعة على مستوى طلاب المدارس.. وهذا لم يحدث في مصر منذ عام 1956 وأظن أنه من أهم ايجابيات الانتفاضة الفلسطينية الحالية، وما صاحبها من معركة لمقاطعة السلع والبضائع الإسرائيلية والأمريكية، أنها خلقت وعيا وطنيا وقوميا عالياً لدى الشباب والأطفال الذين كانوا مغيبين تماما عن قضايا وطنهم، وهذا نجاح مهم للغاية.. ويجب استثماره. أضيف هنا أيضا الحالة الأردنية، وما يسمى هناك بالمناطق الاقتصادية الخاصة والتي أنشئت بموجب اتفاقية تسمح بتصدير السلع الأردنية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إذا كانت المدخلات لهذه السلع اسرائيلية..! وأظن أن نجاح لجان المقاطعة في الأردن في محاصرة هذه المناطق الخاصة، ووقف نشاطها بهذا الشكل، هو ضربة مؤثرة لعملية تشبيك الاقتصاد الأردني بالاسرائيلي.. برعاية أمريكية، وأقصد بهذا المثال أن هذه جبهة لا يجوز أن تترك.. لأنها مهمة، وتوجعهم أكثر.. لأن معناها أن كل الاختراقات التي نجحوا فيها على المستوى الرسمي، يتم محاصرتها.. وايقافها. ثم نأتي لموضوع العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، وكيف يجري التعامل معها.. بالطبع الحكومات العربية ستقاوم أي تحرك شعبي في هذا المجال، لأن هنا مصالح كبرى. وأرى ضرورة وضع معايير واضحة، قبل بدء أي تحرك شعبي مقاوم لهذه العلاقات.. لأن الناس تريد أن تعرف ماذا تقاطع الضبط، وما هو البديل لهذه السلع الأمريكية التي سيجري مقاطعتها.. وعلى نفس مستوى التكنولوجيا والجودة.. وهنا يجب مقاطعة الشركات الأوروبية المتورطة أيضا في علاقات مع إسرائيل، لأنها تتبرع سنويا بمبالغ ضخمة لإسرائيل، وكذلك الشركات التي تقوم باستثمار رئيسي في الكيان الصهيوني في مجال تكنولوجيا الكمبيوتر فهناك شركات التي تمتلك نشاط استثماري رئيسي هناك. إذن، يجب أن نحدد معايير للشركات الأمريكية والأوروبية التي سندرجها على قوائم المقاطعة، وأتصور أنها الشركات المتورطة في علاقات مباشرة، أو تتبرع لإسرائيل، أو تقيم استثمارات فيها. مع ضرورة تحديد المنتج البديل لهذه الشركات وهذا المجال بالذات يمكن أن يلعب فيه الجهد الشعبي والقطاع الخاص جهدا كبيرا، ولا يمكن أن نعول فيه على الحكومات.. ربما للتشابك المباشر والشديد للمصالح، وبما يجعل هذا الموضوع من المحرمات التي تحظر الحكومات الاقتراب منها! التدرب على المقاطعة ــ أمين اسكندر: أريد توضيح أن المسألة ليست هينة .. أو بسيطة، لأنه في ظل ما يسمى بالعولمة والقطب الواحد والشركات متعددة الجنسيات، التي أصبحت قاعدة الاقتصاد العالمي، بات من الصعب مقاطعة سلعة بعينها.. يمكن القول أن مكوناتها اسرائيلية أو أمريكية فقط ومن هناك أتصور أن المقاطعة ليست فقط مقاطعة سلع، وإنما فكرتها الأهم تكمن في تدريب الناس على المقاومة، وادخال قطاعات من الناس إلى العمل السياسي، وشرح طبيعة الصراع العربي ـ الصهيوني.. وهذه مسألة مهمة للغاية. أيضا، لم يكن واردا في ذهن أحد أن ندخل في صراع مع الاقتصاد الأمريكي، ولذلك اخترنا في اللجنة المصرية للمقاطعة بضعة منتجات أمريكية فقط، من أجل أن تكون رسالة غضب.. ولكي ندرب الناس على فكرة المقاطعة، ومن أجل أن ننظم الفعاليات الشعبية التي حدثت بعد اندلاع الانتفاضة.. ونوظفها في هذا الاطار. النقطة الثانية المهمة، وهي ضرورة أن نعي أن المجتمع المدني ـ الذي يطالب بعضنا بالاعتماد عليه في تفعيل المقاطعة ـ به قطاع مخترق لابد أن نحترس منه، وهذا القطاع نجد أن العولمة تفرض نفسها عليه.. فهناك جزء من منظمات العمل المدني يشترط عليها الممولون الدوليون أن تقيم بعض الأنشطة المشتركة مع إسرائيل، لكي تحصل على التمويل ! لذلك من المهم التركيز على دور النقابات، والجمعيات الأهلية غير الممولة أجنبيا، وأيضا على الدور المهم للمسجد والكنيسة.. حتى نصل إلى رجل الشارع العادي، ونقنعه بفكرة المقاطعة وأبعادها. أرى أيضا ضرورة الدعوة إلى مؤتمر قومي يخصص لمسألة المقاطعة ومقاومة التطبيع، من أجل أن نتفق على أمرين: استراتيجية ورؤية لهذه المسألة، ثم آلية الحركة لتنفيذ هذه الاستراتيجية، وأظن أنه سيكون مفيدا اصدار كتاب أسود سنوي، يضم أسماء الشركات والهيئات والأفراد المتعاملين والمطبعين مع إسرائيل في كافة الأقطار العربية. ــ د. نادر فرجاني: من المهم، عند طرح موضوع البدائل أن نشرح للقطاع الخاص أن المقاطعة في صالحه.. لأن البديل سيكون ـ في الأغلب ـ منتجا محليا، وهذا ينعش القطاع الخاص الوطني. ــ أحمد بهاء شعبان: تواجهنا دائما كعاملين في حركة المقاطعة الشعبية، مشكلة نقص المعلومات عن السلع والبضائع الإسرائيلية، ووكلائها في الداخل، ومستورديها.. ولذلك أطالب بأن يكون هناك بنك معلومات، يبحث في انشائه المؤتمر القومي المقترح، يتولى فيه مجموعة من خبراء الاقتصاد والسياسة تجميع كل المعلومات الخاصة بقضايا الصراع العربي ـ الإسرائيلي في المجال الاقتصادي، وتزويد لجان المقاطعة الشعبية العربية بها.. حتى تتحرك بناءً على خطة مدروسة، ومعلومات موثقة. ــ د. عبدالفضيل: من المهم التنسيق مع الجماعات العربية الموجودة في الولايات المتحدة، ومنهم جمعية الخريجين العرب، لأن هؤلاء يملكون معلومات محددة ودقيقة ومؤكدة عن الشركات الأمريكية المتعاملة مع إسرائيل، وحجم استثماراتها وتبرعاتها. ــ أحمد النجار: هناك نقطة على جانب من الأهمية، خاصة بالضغط على المؤسسات الشعبية الكبيرة، مثل الجامعات والمدارس أو الأندية، فيما يتعلق باستهلاك السلع المقاطعة.. لأن حجم المنتمين لهذه المؤسسات ضخم، كما أنها مؤثرة على صياغة موقف جيل أو أجيال من قضية المقاطعة. الشارع الفلسطيني هو المحرك ـ هل التطور والتنامي الحادث الآن في الحركة الشعبية باتجاه المقاطعة مرتبط فقط بالانتفاضة، أم أن الصراع يعود إلى أصله.. وبدأت الطبقات السياسية والاقتصادية الحاكمة والمتحكمة تجد أن التناقض بينها وبين المشروع الصهيوني أخطر بكثير مما كانت تتصور؟ ــ د. محمود عبدالفضيل: من المؤكد أن ما يحدث حاليا، من تصعيد وتفعيل للمقاطعة، مرتبط بشكل مباشر بما يحدث في الشارع الفلسطيني، وبالظرف التاريخي الراهن.. وعندما يتحقق الانتصار لأهداف الانتفاضة ـ المعلنة حاليا وهي تفكيك المستوطنات.. ودحر الاحتلال من الأرض واقامة الدولة الفلسطينية، سيكون بقية الصراع ممتدا.. وسنواجه وقتها بما طرحه بيريز منذ سنوات قليلة، وهو مشروع الشرق أوسطية.. وهذا هو الموضوع الرئيسي الذي يجب أن تتوجه إليه المقاومة في حينه، وعلى قاعدة أنه لا تطبيع.. ولا أي شكل من أشكال العلاقات الاقتصادية، سواء مع الحكومات.. أو القطاع الخاص، وهذا الأخير هو الأهم بالنسبة لهم.. ويركزون عليه، ويعتبرون أن دبلوماسية الأعمال أهم من دبلوماسية الحكومات، ويراهنون على رجال الأعمال باعتبارهم حصان طروادة الذي سيخترقون به الصف العربي المقاوم. وأعتقد أن هذه القضية جوهرية واستراتيجية وهناك ظرف تاريخي ملائم لها.. ودخول بيريز الحكومة الإسرائيلية الحالية يعطينا ميزة مهمة جدا، وهي سقوط القناع السلامي الزائف عن وجهه. وثبوت أن هؤلاء جميعا أبناء عشيرة واحدة، وهدفهم النهائي محدد وثابت، ولكنهم يناورون باستخدام واجهات مختلفة.. سواء بيريز أو نتنياهو أو بارك، وحتى شارون.. ويجب أن ننتبه أن مشروع الشرق أوسطية لن يعاد طرحه كعلاقات متعددة الأطراف، كما كان، ولكن في صورة علاقات ثنائية مع كل دولة عربية على حدة، مثلما نرى في نموذج علاقات إسرائيل مع موريتانيا، ثم يحدث تجميع لكل ذلك.. عن طريق تشبيك المصالح ورؤوس الأموال والمشروعات المشتركة. ــ د. فرجاني: هناك بالفعل ظرف تاريخي مناسب، يجب على القوى الشعبية المناهضة للصهيونية أن تستفيد منه لبناء حركة مقاطعة واسعة، مقاومة للتطبيع مع إسرائيل.. ومقاومة للشرق أوسطية فيما بعد. ــ د. عصام العريان: أظن أن هناك اتفاقا بين الحضور أن الصراع ممتد، وأن المواجهة يجب أن تنبني على أساس مشروع متكامل لإدارة الصراع، تتغير فيه الوسائل والآليات.. تبعا للظرف التاريخي، وستظل المقاطعة مرفوعة كسلاح أساسي.. وهي الآن في عنفوانها، وقد تتطور ـ بعد فترة ـ إلى آلية جديدة.. مناسبة لظرف سياسي وتاريخي جديد. ـ ننتقل إلى مسألة التشابك الشديد بين الاقتصاد الفلسطيني والاسرائيلي، وكيف يمكن فض هذا الاشتباك.. وقيام اقتصاد مستقل لدولة فلسطينية مستقلة. ــ أحمد النجار: الثابت أن السوق الفلسطيني هو ثاني أهم سوق، بعد الأمريكي، للسلع والمنتجات الإسرائيلية.. وفيه ميزات نسبية في مجالات النقل والتأمين، فضلا عن أن جميع الصناعات الفلسطينية في الضفة وغزة هي إحدى مراحل صناعات اسرائيلية، أو مرتبطة بمجالات هامشية.. مثل: الجلود والرخام والحلوى والزيوت.. وبعض صناعات المنسوجات الصغيرة.. إذن هناك تشابك هائل بين الاقتصادين، تم ـ في الأساس ـ تحت سيف القهر والاحتلال. كذلك فرضت سلطات الاحتلال قيودا شديدة على التنمية الزراعية، ففضلا عن تدمير عدد كبير من الآبار في المناطق القريبة من نهر الأردن تحت زعم الاعتبارات الأمنية والاستراتيجية الإسرائيلية، فإنه لا يسمح بحفر أية آبار جديدة إلا بتصريح من السلطة العسكرية للاحتلال.. وهذا التصريح لا يمنح عادة! ونفس الأمر في مجال التنمية الصناعية، فأي مشروع صناعي لا يمنح ترخيصا باقامته. وهكذا، تعمدت إسرائيل تحويل الأراضي الفلسطين