لم تكن آسيا الوسطى مع وجود الاتحاد السوفييتي السابق تشكل مشروعا خطيراً بذاته دون النظر الى طبيعة العلاقات التي تنضوي تحتها الدبلوماسية الروسية، ولكن انهيار الاتحاد السوفييتي وضع هذه المنطقة امام منافسة قديمة تاريخيا حديثة سياسيا مما جعل عالم السياسة ينظر الى آسيا الوسطى على انها الكتلة الاكثر اثارة في التوازنات الجديدة نظرا لموقعها الجغرافي اولا والاقتصادي ثانيا، واذا كان الحديث يكثر هذه الايام عن اهمية تلك المنطقة فان ذلك مرده الى الحرب الافغانية او لنقل التدخل الامريكي المباشر في هذه الرقعة من الارض وهو بالتأكيد سعي طالما انتظرته واشنطن لتدخل اجواء السياسة المباشرة في تلك المنطقة التي ازداد الاهتمام بها ليس من قبل الجوار فقط، واذا كانت السياسة الامريكية قد اوجدت المبررات فان ما يثير القلق هو التدخل الاسرائيلي في آسيا الوسطى هذا التدخل الذي لم ينتظر الولايات المتحدة كي تشن حربها بل كان السباق في ايجاد صيغ متنوعة برزت بشكل واضح مع انهيار الاتحاد السوفييتي. التغلغل الصهيوني اذا كانت معظم المؤشرات تدل على ان الكيان الصهيوني قد بدأ تغلغله في آسيا الوسطى مع انهيار الاتحاد السوفييتي فإن الواقع يقدم لنا صورا لمقدمات تاريخية تسبق هذا الحدث بكثير وذلك من خلال اليهود المتواجدين في المنطقة منذ العهد السوفييتي ونقرأ ذلك في الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفييتي الى الكيان الصهيوني، ففي اوزبكستان التي تعتبر الدولة الثانية تقدما بين دول آسيا الوسطى استطاعت مكاتب الهجرة التي فتحت علنا ان تحمل من يهودها البالغ عددهم 120 الفا 70 الفا الى فلسطين وخلال فترة زمنية قياسية، اما ما بقي منهم فلاسباب عسكرية استخباراتية او لنشاط اقتصادي يساعد على التغلغل بشكل اوسع واكبر في المنطقة الغنية اولا بالنفط والمعادن وثانيا بمركزيتها الجغرافية بالنسبة الى دول الجوار كما تعتبرها تل ابيب الجدار الامني الممتد حتى باكستان حسب الرؤية الاسرائيلية. لذلك فقد استطاع الكيان الصهيوني ان يدخل مباشرة وبشتى الوسائل الى عمق آسيا الوسطى ومن خلال عدة حسابات خدمت تغلغله هذا، واول هذه الحسابات بلا شك هو الادارة الامريكية وهذا ما توضح بشكل مبدئي اثناء رئاسة مادلين اوليبرايت لوزارة الخارجية حينما قدمت اشكالا متعددة من المساعدات الى اسرائيل للدخول الى عمق اسيا الوسطى وبحر قزوين، واتت الوسيلة الثانية من خلال العلاقات التركية الاسرائيلية المتعددة الجوانب وهذه العلاقات افادت كثيرا في فتح الطريق الى العمق الآسيوي كون تركيا تمتلك علاقات قوية مع اوزبكستان مما شكل التمهيد الاولي الواضح والصريح لاسرائيل في تلك المنطقة وخاصة في كازاخستان التي تمتلك ما يقارب ربع احتياطي العالم من اليورانيوم الخام مما دفع الكيان الصهيوني الى النظر لهذه الثروة على انها من الثروات المهددة نوويا في ظل وجود دول وتيارات اسلامية في تلك المنطقة فسعت اسرائيل مباشرة الى شراء مجمع لمعالجة اليورانيوم في كازاخستان والذي يعتبر من اكبر مجمعات اليورانيوم في العالم واثناء تلك الصفقة اثير الكثير من التساؤل حول مدى مصداقيتها لان الارقام التي ذكرت ثمنا لها هي ارقام قليلة جدا بالنظر لاهمية هذا المجمع، وفي متابعة لهذا السعي فان الكيان الصهيوني ما لبث ان عقد مؤتمرا اقتصاديا مشتركا في طشقند وبدأ استثماراته خاصة في مجال الاتصالات والزراعة والصناعات الكيماوية والنفطية وقد اوكل معظم مهام هذه الاستثمارات الى رؤوس الأموال اليهودية المتواجدة على الساحة الاقتصادية في آسيا الوسطى. ان الثروات الهائلة التي تمتلكها الدول الخمس في وسط (اوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وقيرغيزستان وكازاخستان) لهي بحد ذاتها فاتحة للشهية الاسرائيلية قبل اية حسابات استراتيجية فبالاضافة الى المخزون الهائل من اليورانيوم والذهب والفضة وباقي المعادن الاستراتيجية فان حجم احتياطي النفط في تقديراته الاولية يشكل بحد ذاته المقبلات المبدئية للتغلغل الاسرائيلي فقد بلغ هذا الاحتياطي حوالي 200 مليار برميل من النفط اضافة الى الكميات الهائلة من الغاز الطبيعي الذي شكل مع النفط سببا رئيسيا في ارتفاع معدلات النمو في كازاخستان على سبيل المثال اضافة الى خط الانابيب النفطي الجديد وزيادة انتاج في الالمنيوم ولكن معدلات النمو التي توقع لها ان ترتفع في العام الماضي 2001، والحالي لم تستطع الوصول الى المستوى المطلوب بل انها كادت ان تقع في كارثة حقيقية بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة وفي هذا المجال يرى البنك الآسيوي ان انعكاسات الحادي عشر من سبتمبر على الاقتصاد ستكون ملحوظة خاصة في كازاخستان مما جعل الولايات المتحدة واسرائيل تسارعان في التدخل وتقديم المساعدات الاقتصادية التي لابد من ان تسترد عاجلا ام آجلا وبطرق مختلفة تخدم في النهاية التطلع الاسرائيلي في آسيا الوسطى وهذا ما جعل الامر طبيعيا رغم اختلاف معدلات النمو الواضحة بين دولة واخرى ورغم ان بعض الدول تعاني من ارتفاع في نسبة التضخم كأوزبكستان التي يتوقع لها البنك الآسيوي ان تكون نسبة التضخم فيها لعام 2002 حوالي 10 بالمئة وكل ذلك بسبب حماية الحدود وتعزيز الامن، والواقع ان اوزبكستان ذاتها هي الدولة الاولى من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق التي تستقبل قوات امريكية على ارضها ولكن ثمن هذا الاستقبال ليس بالرخيص بل هو استقبال للقوات الامريكية والاسرائيلية معا وهذا ما كشفت عنه بعض الصحف العالمية. التفكير في الدخول الاسرائيلي الى آسيا الوسطى هل هو واقع ام مازال في مجال الاقاويل؟ لقد بات واضحا انه منذ استقلال تلك الدول عن الاتحاد السوفييتي وقبل ذلك بزمن طويل وحتى في المرحلة الحالية فاننا لا يمكن لنا ان نتجاهل الدور الذي لعبته اسرائيل حتى في حرب افغانستان هذا الدور الذي حاولت الولايات المتحدة واسرائيل اخفاءه رغم كل التسريبات والحقائق التي ذكرتها وسائل الاعلام، ولكن اخفاء هذا الدور والتستر عليه لم يكن فقط من اجل مراعاة شعور المسلمين كما يظن البعض بل لان الدورالصهيوني المقبل في آسيا الوسطى هو في حقيقة الامر دور مستقبلي له الكثير من الابعاد الاستراتيجية التي ترى اسرائيل من خلالها الكثير من المحددات الامنية ولكنها في الواقع تعيش في هذا الاطار لتشكل شبكة من التوسع الصهيوني الذي يؤسس لتركيبة عالمية هدفها السيطرة على كل مكامن القوة في العالم والوصول الى التدخل المباشر عند اية لحظة تراها اسرائيل او الولايات المتحدة . البحث عن الأمن هل يتخيل المرء ان اسرائيل يمكن ان تبحث عن امنها في آسيا الوسطى؟؟ الرؤية العامة للكيان الصهيوني انه يحاول دائما ان يبحث عن امنه حتى خارج الكرة الارضية!! فكونه كيانا دخيلا ومصطنعا ويعترف في قرارة نفسه بذلك فهو يحاول ان يلعب دورا دوليا مهما في اركان الارض قاطبة ودوره في آسيا الوسطى ليس الا لعبة من هذه الالعاب ولكنها في هذا المكان بالذات تأخذ خصوصية لعل اولها ان اللعب سيكون هذه المرة بين دول معظم سكانها ينتمون الى الديانة الاسلامية وبالمقابل فان آسيا الوسطى لا تنحصر بذاتها في هذه الرقعة الجغرافية بل تتشعب الجغرافيا فيها كما تتشعب السياسة والاقتصاد، ولعل الحرب الافغانية الاخيرة قد اوجدت لاسرائيل الدافع القوي للدخول بشكل امني الى المنطقة امام غياب شبه تام للدول العربية التي اقتنعت من الولايات المتحدة ان اسرائيل بعيدة عن اللعبة وهنا باتت الافكار الاسرائيلية تطبق بشكل اكثر اتساعا مما كانت تفعله في السابق في تدخلها الاقتصادي. اللعبة الآن تأخذ ابعادها العسكرية لكي تهدد الامن ليس في المنطقة فحسب بل لتمتد الى ابعد من ذلك فهذا المحيط الذي تسعى اسرائيل لان تكون متواجدة فيه ستضع يدها على المناطق الحساسة الاخرى التي تصفها بأنها غير آمنة ويمكن ان تؤثر عليها وهي البعيدة نسبيا، ولعل اول ما تنظراليه اسرائيل هو التواجد النووي خاصة في باكستان وبالطبع تواجد القوة العسكرية الكبيرة لايران، ويمكن ان يمتد ذلك التخوف المخادع حتى الصين التي تشكل خطرا ليس عليها بل على الولايات المتحدة ورغم ان هذا التفكير، اقصد خطر الصين مازال يكمن تحت السطح، ولكن كيف يمكن لاسرائيل ان تحقق معادلة التهديد في تلك المنطقة بالذات؟؟ ان الولايات المتحدة قد اعطت الضوء الاخضر لاسرائيل بشكل شبه علني خاصة بعد احداث افغانستان، حيث بات من الممكن ان تلعب الدور الاستخباراتي في آسيا الوسطى وتقيم لها قواعد خاصة بهذا الشأن رغم انها فعلت ذلك منذ امد بعيد ولكن الصورة الآن باتت اوضح من ذي قبل فالدور الان موجه بشكل رئيسي نحو باكستان وايران وحتى روسيا التي مازالت رغم كل ضعفها الحالي مقارنة بالعهد السوفييتي تشكل رعبا على الولايات المتحدة وبالطبع فاسرائيل مقتنعة بهذا الرعب وان كان ليس هو الهم الاكبر بالنسبة لها. وفي هذا الاطار العام فان الكيان الصهيوني في حقيقة الامر لا يسعى لتأسيس جدار امني له بل يناور لكي يجعل من المنطقة بركانا قابلا للانفجار في اية لحظة وهو بذلك يهدد امن المنطقة عموما وهذا التهديد يمكن ان يطال الدول العربية وضمن هذه الأطر المتنوعة في التغلغل الاسرائيلي في اسيا الوسطى يبقى السؤال عن مدى استمرار اللعبة الاسرائيلية؟ الواقع ان ذلك ومع الاسف مستمر فقد استطاعت ان تؤسس علاقات مميزة مع معظم دول آسيا الوسطى في ظل غيابات متعددة منها غياب روسيا التي فقدت الكثير من تأثيرها في جمهورياتها السابقة خاصة بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلتها من تطورات على الساحة الافغانية ومحيطها بشكل خاص والعالم عموما ولا ننسى ايضا الغياب العربي والاسلامي الذي مازال يفكر في تشكيل العلاقات مع دول آسيا منذ استقلالها عن الاتحاد السوفييتي السابق. بقلم: محمد احمد يوسف _ كاتب فلسطيني