«الزئبق الأحمر» و«لعنة الفراعنة».. خرافتان في خدمة النصب والاحتيال

دائما ما يقع الإنسان أسيرا لعالم الأسرار ويظل مرتبطا وشغوفا بها لأبعد الحدود، وبخاصة إذا ارتبطت في نفسه بأن هذه الأسرار، إذا فك طلاسمها ستمنحه قوة خارقة تحقق أحلامه قبل أن يرتد إليه طرفه، وهو ما ينطبق تماما على ما يشاع بين الكثيرين حول البحث عن مادة «الزئبق الأحمر»، التي تثير هوس الناس بحثا عنها، ويظلون في سباق محموم بحثا عن هذه المادة حتى يكتشفوا في النهاية أنهم ضحايا الوهم وجرائم النصب.

ورغم أن الكثير من حالات الوفاة تزامنت مع الكشف عن أسرار الموت والخلود في الحضارة الفرعونية، حتى ساد الاعتقاد بوجود ما يسمى «لعنة الفراعنة»، التي ارتبطت مع أسطورة «الزئبق الأحمر» بكلمة سر مكونة من كلمتين على طرفي نقيض هما: الحياة والموت في عالم الفراعنة الملئ بالأساطير والأسرار الغامضة.

وقد استغلت عصابات «المافيا» كل هذه الأسرار لتحقيق أرباح طائلة غير مشروعة، فباعت ـ كما يقال ـ الشمس في زجاجات عندما أوهموا ضحاياهم أن اليورانيوم المشع هو نفسه الزئبق الأحمر.يؤكد باحثون أن مادة الزئبق عبارة عن مادة سامة جدا لم يستطع أحد حتى الآن فحصها أو تحليلها إلا داخل المعامل النووية فقط، وأن هذا الزئبق السام له طريقة خاصة في حفظه وهي وضعه داخل حافظة كريستال، وينقل بالحافظة داخل حافظة أخرى من الرصاص ويشترط أن تكون ثلاثية الأبعاد، إلى جانب أن هذا المركب محرم استخدامه دوليا.

وعن ارتباط اسم الزئبق المشع بالزئبق الأحمر، أكد خبراء عودة الأمر إلى العلماء الروس وألمانيا الروسية خاصة بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي، فقد قامت ألمانيا بتهريب كميات كبيرة من اليورانيوم الخام «الزئبق المشع»، وأطلقت هذه العصابات على لفائف اليورانيوم اسم الزئبق الأحمر، ومن هنا كانت الخدعة الكبرى وارتفاع سعر مادة اليورانيوم المهربة، والتي تصل ثمن الغرامات القليلة منها إلى آلاف وملايين الدولارات.

ومن كل هذا تعددت عمليات النصب بما يسمى «الزئبق الأحمر»، حيث يقوم الكثير من الدجالين باستخدام مادة شبيهة بالبودرة حمراء اللون، وهذه المادة تتفاعل مع نوع من أنواع البخور فيتصاعد منها أعمدة دخان تحمل نفس اللون، وهنا يوحي للفريسة أن هذه الأدخنة المتصاعدة هي أدخنة الزئبق الأحمر وأن الجان حضر إلى القاعة المنعقدة بها هذه الجلسة، وهو على استعداد تام لتنفيذ كل ما يؤمر به.

الأمر المؤكد في معظم الدراسات العلمية، التي قام بها عدد من الباحثين والمختصين في هذا المجال أن الزئبق الأحمر، ما هو إلا وهم شاع صيته فاستغلته بعض الفئات في النصب على المواطنين، وأن هذه المادة الخرافية ليس لها أصل بل أن مثل هذه الظاهرة انتشرت على يد السحرة القدامى من بعض الدول الأفريقية وبلاد المغرب العربي، وأغرب القصص والقضايا التي حدثت في الآونة الأخيرة لا يستطيع عقل أن يصدقها.

حيث قامت أجهزة الأمن بضبط أحد الدجالين وبحوزته كميات كبيرة من سائل أحمر يقوم ببيعه، واستطاع أن يجمع ثروة ضخمة من بيع هذا السائل، والذي باع منه الغرام الواحد مقابل مليون جنيه مصري ،وعقب تحليل هذه المادة تبين أنها ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بالزئبق الأحمر، وتوالت الجهود وتم ضبط عصابة مكونة من أربعة أشخاص قاموا بجمع 700 ألف جنيه من رجل أعمال عقب إيهامه بقدرتهم على تحويل النقود المصرية إلى دولارات أميركية عن طريق استخدام الزئبق الأحمر في تسخير الجان، ولم يكتف محترفو النصب بهذا بل أذاعوا أن لديهم كيلو غراما من الزئبق الأحمر المشع يستطيعون استخراج 3 غرامات زئبق أحمر، وهو ابتكار جديد لعدد من النصابين في محاولة لاستدراج فريسة جديدة تكون ضحية النصب والاحتيال.

المقدم وليد العشري من مباحث النصب في القاهرة يقول: إن كل ما يتردد عن الزئبق الأحمر والذي ملأ أسماع المواطنين في الآونة الأخيرة ليس له أساس من الصحة ولا توجد على الإطلاق هذه المادة الساحرة، والتي تعرف بالزئبق الأحمر فكل هذا ما هو إلا وهم.

وأكد أن الموضوع كله يتعلق باستغلال أصحاب الحاجات في شكل جديد من أشكال النصب، وقد تعرض الكثير من المواطنين لعمليات نصب بما يسمى الزئبق الأحمر الأمر الذي دفعني إلى التأكد من حقيقة مادة الزئبق الأحمر وطبيعتها، وتقابلت مع الكثير من العلماء الذين بحثوا الموضوع وأكدوا جميعا على رأي واحد هو أن الزئبق الأحمر سراب.

هناك سر غامض آخر يكشف لنا أبعاده د. هشام حامد عضو المجلس الأعلى المصري للآثار بقوله: ارتبطت في أذهان الكثير من الناس فكرة «لعنة الفراعنة»، وهذه الفكرة مرتبطة بالزئبق الأحمر، ولأن هذا الزئبق وهم فإن هذه الفكرة ما هي إلا سراب وليس لها أساس من الصحة، حيث ترددت شائعة بين الناس أن كل مومياء يوجد بها في قاع العين قطعة صغيرة من هذا الزئبق، وهذا الكلام خاطئ فإن جميع الأبحاث قررت أن هذه المنطقة بها مادة تعرف ب«أكسيد الزئبق»، وهذه المادة سامة جدا، وكان الفراعنة يستخدمونها في حماية آثارهم من الزواحف والسرقة، وهذه المادة تتفاعل مع أنسجة الجسم، ولهذا فإن أول مكتشفي المقابر الفرعونية توفي منهم عدد كبير.

ويؤكد أن مسألة «الزئبق الأحمر» و«لعنة الفراعنة»، غير صحيحة على الإطلاق وأن الفراعنة كانوا يستخدمون الأعشاب الطبية في التحنيط وليس الزئبق الأحمر، كما يقول ويتوهم الناس.

ويضيف: لقد أثبتت جميع الأبحاث التي قام بها علماء الكيمياء أنه لا يوجد مركب علمي يسمى باسم الزئبق الأحمر، وأن كل ما يشاع بين الناس خاطئ وما هو إلا خدعة استغلها النصابون للايقاع بضحاياهم، والموجود بالفعل هو مادة اليورانيوم المشع، التي تستخدم في صناعة القنابل الذرية.

الأكثر مشاركة