تطور

معاصر الزيتون التقليدية ضحية التقنية الحديثة في الجزائر

ت + ت - الحجم الطبيعي

اكتسحت معاصر الزيتون الحديثة الساحة في الجزائر ولم تعد التقليدية منها قادرة على المقاومة بفعل نسق العمل الذي فرضته التكنولوجيا ودفعها مئات من المعاصر الحجرية القديمة إلى التعطل والاندثار.

وتنتشر في مختلف المناطق خاصة في القبائل والاوراس وأقصى الغرب، المئات من المعاصر القديمة التي تحولت إلى حطام وأطلال يلعب عليها الأطفال بعدما كانت قبل سنين تطفح زيتا رقراقا لا تستغني عنه أية عائلة في الجزائر. واختلفت المواقف بشأن هذا التغير الكبير فمنهم من رحب بالتكنولوجيا، ومنهم من اعتبرها جسما دخيلا مضاره أكبر من منافعه.

فريد لماط أحد العارفين بشأن زيت الزيتون وتاريخه في الجزائر عبر عن رأيه قائلا إن اكتساح الآلات الجديدة ذات التقنية المتطورة للساحة مؤشر على اهتمام كبير بهذه الزراعة، وسيدفع حتما الى زيادة المساحات المزروعة بالزيتون، وسيحول الجزائر إلى أكبر منتج في العالم لما تملكه من مؤهلات لذلك. وأكد أن المشكلة التي كانت تواجه المنتجين منذ القديم هي محدودية طاقة المعاصر القديمة، رغم كثرتها وكذا نقص وسائل التخزين.

أما والأمر اليوم يسير في طريق الحل بفعل مضاعفة قدرة المعاصر مرات ومرات، فإن المشكلة وجدت الحل، والمزارعون سوف يتشجعون في منح الزيتون الأولوية كزراعة استراتيجية ذات ربحية عالية.

وإذا كان المبرر الاقتصادي يمنح أراء المناصرين للتكنولوجيا الأفضلية لكونها تزيد الإنتاج وتسرع عمليات العصر خمس مرات بالقياس الى التقليدية، فإن موضوعا آخر دخل الجدل وهو يتعلق بجودة الزيت. ويرى عبد القادر آيت شعبان من قرية كريمة بولاية سطيف أن زيت المعاصر القديمة ألذ بكثير ومثله بالطعام الذي يطهى على نار هادئة من الحطب، فيما الزيت الذي تنتجه معاصر «السحق السريع» كما سماها يشبه الطعام الذي يطهى على عجل فوق نار قوية من الغاز.

وقال «بالطبع لا يمكن المقارنة بين الطعامين فالأول ألذ بكثير». وعبد القادر الذي تجاوز الخامسة والسبعين من العمر كان ينقل كل شتاء أطنانا من الزيتون إلى معصرتين ببلديته لعصره، وينتظر أسبوعين لجمع الزيت، بينما اليوم ينقله الى معصرة جديدة ويستخرج الزيت في ظرف يومين.

وهو يعترف بكون التكنولوجيا سهلت الامر لكنه متعلق بذوق «زيت أيام زمان» حتى أنه طلب من أولاده وأحفاده تخصيص كمية من الزيتون لعصرها في معصرة قديمة ظلت وحدها تقاوم التكنولوجيا بعد اندثار أكثر من عشر من مثيلاتها في المنطقة. وكان القرويون الجزائريون يستفيدون أيضا من البقايا الصلبة بعد استخراج الزيت من الزيتون لاستخدامها كوقود للتدفئة خاصة وأن موسم عصر الزيتون يتزامن وفصل الشتاء القارس لكن هذه المواد لم يعد معظم الناس بحاجة إليها لانتشار استعمال الغاز الطبيعي والغازوال في التدفئة المنزلية..

ويعتبر الكثيرون خاصة الشباب رأيه مجرد حنين إلى الماضي، والكبار بطبعهم يحنون الى كل ما يذكرهم بزمن شبابهم وقوتهم، وموقفه يستند الى العاطفة بدل الجدوى الاقتصادية. وإلا كيف يمكن للمرء أن يفضل معصرة يدوّرها حصان أو ثور وأحيانا بغل حمار على أخرى يسيرها الكمبيوتر ونتائجها كلها محسوبة بدقة؟.

مراد الطرابلسي

Email