تمر اليوم الثلاثاء الذكرى الأربعين لرحيل الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، والذي توفي في الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1970، بعد ان استمر في مقعد الحكم الأول نحو 16 عاما، إثر اقصاء الرئيس الراحل محمد نجيب عام 1954.
ورغم مرور هذه السنوات الأربعين، الا ان وفاة عبد الناصر لا تزال لغزا محيرا، خاصة مع غياب الوثائق الرسمية التي تحدد سبب الوفاة على نحو قاطع، الامر الذي فتح المجال للشائعات التي تثار من آن لآخر، وتوزيع الاتهامات في كافة الاتجاهات، لدرجة وصلت إلى أقرب المقربين من الرئيس الراحل.
وأعادت التلميحات التي أطلقها «كاتب الرئيس» و«صديقه الصدوق» الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل على قناة «الجزيرة» عشية الذكرى الاربعين لرحيل عبد الناصر، والتي أشار فيها الى تورط خلفه الرئيس الراحل محمد أنور السادات في وفاته، الموضوع، ليس الى واجهة الاحداث فقط ، بل الى اروقة وساحات التحقيق .
هنا يفرض« اللغز» نفسه على المناسبة، ويجعل تناول الوفاة وخلفياتها ورواياتها المتعددة، العنوان الابرز للذكرى الاربعين لرحيل رئيس، كانت له بصماته الواضحة على وجه تاريخ مصر الحديث.
مذكرات طبيب
الطبيب الخاص لعبدالناصر د. الصاوي حبيب، أصدر قبل ثلاث سنوات كتاباً بعنوان «مذكرات طبيب عبدالناصر»، ورد فيه على الشائعات التي انتشرت في العالم العربي حول وفاة عبدالناصر، خاصة شائعة وفاته متأثراً بالسم في المياه المعدنية لمنتجع «تسخابولطو» الروسي.
حيث فند الكثير من الاستنتاجات والتسريبات والادعاءات حول وفاة عبدالناصر، منها تعرضه للتسمم في مياه منتجع «تسخالطوبو» الروسي التي شاعت بعد وفاته، كونه استحم شخصياً مع الرئيس في نفس المياه طيلة فترة علاجه، وهو الأمر الذي يدفعه لتقديم عرض مقنع لحالة عبدالناصر الصحية، شارحاً تعبه وإرهاقه في عمله اليومي الذي يتراوح بين 15 و16 ساعة يومياً.
ورفضه نصائح أطبائه بالإخلاد إلى الراحة، وهي النصيحة الأهم التي تكررت على لسان كل الأطباء الذين زاروا عبدالناصر واطلعوا على حياته الصحية، خاصة مع إصابته بأمراض السكري وقصور وتصلب الشرايين، والجلطة في الشريان التاجي التي أصابته قبل عام من وفاته.
ويشير الصاوي إلى اليوم الأخير في حياة عبدالناصر، موضحا: «في ذلك اليوم ودع أمير الكويت في المطار، وأصيب بنوبة تعب، فتم استدعائي على الفور، لكنني لم ألحق به في المطار لأنه نقل إلى منزله، وعندما وصلت قالت لي زوجته تحية إنها أعطته كوب عصير برتقال ثم دخل حجرته ليستريح..
فدخلت فوجدته ممدداً على فراشه وأطرافه باردة وغارقا في العرق، لكنه منتبه تماما، وبرودة الأطراف علامة من علامات الصدمة القلبية». ويرى الدكتور الصاوي «أن العامل الجيني الوراثي إلى جانب العوامل البيئية المحيطة بعبدالناصر كانت السبب في الوفاة المبكرة».
تداعيات الهزيمة
ننتقل إلى محطة أخرى، بطلها هذه المرة مراد غالب، وزير الخارجية المصرية الأسبق، حينما كان سفيرا لمصر في موسكو، والذي أورد في كتابه «مع عبدالناصر والسادات: سنوات الانتصار وأيام المحن» الصادر عن مركز الأهرام للترجمة والنشر، تفاصيل الأيام الأخيرة في حياة عبدالناصر، متطرقا إلى واقعة وصفها بالغريبة جدا.
فيقول: «أثرت هزيمة1967تأثيرا شديدا في الرئيس جمال عبدالناصر، واعتلت صحته، خصوصا الآلام المبرحة التي كان يشكو منها في ساقيه، والضعف الشديد في الدورة الدموية في الأطراف والتهاب الأعصاب، وفي أواخر يونيو 1967 وصلت إلى القاهرة قادما من موسكو.
وتم استدعائي لمقابلة الرئيس، جلست أنتظره في الصالون الخاص بالزوار، وما إن دخل الغرفة حتى شعرت بأنني أرى شخصا آخر، ليس هذا هو عبدالناصر، كان منهكا واجما تظهر عليه بكل وضوح آثار الهزيمة الساحقة، ومن الطبيعي أن يكون في غاية الحزن والألم».
أنا تعبان!
وراح د. مراد غالب يروي ما دار بينه وبين الرئيس، إلى أن قال له: «يا مراد.. أنا تعبان ولا أستطيع أن أستمر معك في هذا اللقاء أكثر من هذا، وأحب أن أراك غدا».. ويقول د. مراد غالب: «وللأسف فإنه كان متعبا في اليوم التالي فلم أتمكن من مقابلته».
وينتقل مراد غالب إلى نقطة أخرى قائلا: «وفي سبتمبر 1969 أصيب عبدالناصر بأزمة قلبية، وكان صائب سلام، رئيس وزراء لبنان في القاهرة، ينتظر مقابلته، ولم تكن حالته تسمح بذلك، فتعللت له رئاسة الجمهورية بأسباب أخرى يتعذر بها إتمام المقابلة، والحقيقة أنه كان يعاني في تلك الأيام من جلطة في القلب، علاوة على مرض السكر الخبيث الذي اشتد عليه أيضا.
ومن المعروف أن هذا المرض يدمر الأنسجة، وقد تفاقمت حالته، ومع أنه استطاع الخروج من نوبة المرض، إلا أن الآلام ظلت تلازمه، ولم تتوقف شكواه منها، وأخذ يتردد على الاتحاد السوفييتي للاستشفاء في (سخالطوبا بالقوقاز)».
وتابع: «وضمن رحلة علاجه، أدخله السوفييت - في آخر زيارة له عام 1970- المصحة وأدخلوه غرفة مخصصة لرواد الفضاء بها أوكسجين تحت ضغط عال، وأجروا كشفا شاملا خصوصا على القلب، ثم جاءني البروفيسور (شازوف) وهو الطبيب الخاص بالكرملين، ووزير الصحة فيما بعد، - وأسرّ لي بصفتي زميلا طبيبا بأنه سوف يطلعني شخصيا على حقيقة الحالة الصحية للرئيس، مشترطا ألا أردد هذا الكلام لأي شخص، وقال: كنا نأمل أن تتسع الدورة الدموية الفرعية في القلب لكي تعوض انسداد الشرايين، لكن للأسف لم يحدث هذا».
قالوا عن عبدالناصر
«فقدت الجمهورية العربية المتحدة، وفقدت الأمة العربية، وفقدت الإنسانية كلها، رجلاً من أغلى الرجال، وأشجع الرجال، وأخلص الرجال، هو الرئيس جمال عبد الناصر».
من نعي الرئيس أنور السادات لعبدالناصر
إن العالم قد خسر زعيماً بارزاً خدم بإخلاص وبلا كلل كل قضايا بلاده والعالم العربى.
ريتشارد نيكسون
الرئيس الأميركي
إن وفاه جمال عبدالناصر هى خسارة أليمة للشعب العربى ولكل الشعوب التقدميه، لأنها جاءت فى وقت حرج يواجهه النضال ضد الاستعمار والعدوان الصهيونى من أجل الحقوق الشرعيه وإقرار السلام فى الشرق الأوسط.
لودفيج سفوبودا
رئيس تشيكوسلوفاكيا
التاريخ سيسجل لجمال عبدالناصر مساهمته الفريدة فى بعث الشعب العربى.. إن الرئيس جمال عبدالناصر سيظل ذكره خالداً فى الهند وفي كل مكان فى العالم حارب فيه الناس من أجل حريتهم.
أنديرا غاندي
رئيسة وزراء الهند
إن حظك يا فلسطين عاثر.. فلقد فقدت مناضلاً من أبرز المناضلين ورجلاً من أعز الرجال، فى وقت أنت بحاجة إلى المناضلين، وبحاجة
إلى الرجال.
حركة «فتح» الفلسطينية
إن جمال عبدالناصر لم يعش من أجل نفسه، بل من أجل كل نفس.. ولم يعش فى داخل مصر، بل عاش فى داخل قلب كل واحد منا.. ولم يعمل لمصر وحدها، بل عمل لأمتنا العربية كلها.
معمر القذافى
الزعيم الليبي
إن وفاة عبدالناصر كارثة عظيمة حلت بالوطن العربي. لقد كان من أبرز زعماء الأمة العربية، ومن أشرف زعمائها الخالدين.
الشيخ صباح السالم الصباح
أمير دولة الكويت الراحل
كنا أيام الرئيس جمال عبدالناصر كالأطفال نتشاجر، ونتغاضب، ونتقاتل، ثم نذهب إليه ليصلح بيننا، فقد كان هو الأمان دائماً.
حافظ الأسد
الرئيس السوري الراحل
لقد أعطى الرئيس عبدالناصر لوطنه ولأمته العربية عمره كله، ولولاه ما تحررت الجزائر، لقد كان تحرير الجزائر حلماً بعيد المنال قبل عبدالناصر، ومعه وبفضله أصبح واقعاً نعيشه الآن.
هواري بومدين
الرئيس الجزائري الراحل
إن عبد الناصر كان شخصية عالمية كاملة.. وكان تأثيره قادراً على اقتحام حدود وحواجز بعيدة يصل وراءها إلى أكثر مما تصل إليه سلطة الدولة التي كان يحكم فيها.
محمد حسنين هيكل
الكاتب والمفكر المصري
إننا فى عصر ما بعد عبدالناصر نتكلم أكثر ونصرخ أكثر، وهو لا يتكلم، ونخاف أكثر، فقد كان عبدالناصر هو الأمان، فاللهم ارحم عبدالناصر، اللهم ارحم عبدالناصر، وارحمنا من بعده من أنفسنا.
أنيس منصور
الكاتب الصحافي المصري