تتعرض عاصمة سوريا الاقتصادية حلب إلى ضائقة اقتصادية خانقة ربما لم تشهد مثيلتها منذ 50 عاماً، على إثر احتدام المعارك العسكرية بين مقاتلي المعارضة وقوات النظام. فالأحياء الساخنة الممتدة من الشريط الجنوبي الغربي وصولاً إلى الشمال الشرقي تكاد تخلو من القاطنين بفعل عامل النزوح وقصف الطيران الحربي، وعليه، لا ينطبق عليها قاعدة الحياة الطبيعة لانعدام حركة البيع والشراء فيها، في حين ترزح الأحياء التي كانت توصف بأنها «شبه آمنة» والتي تقل فيها مستوى القصف وإطلاق النار تحت حصار اقتصادي غير مسبوق.
ويقول السكان إن من يعمل حالياً في الأحياء التي لا تتعرض إلى قصف مكثف هم أصحاب محلات الأطعمة والمواد الغذائية وما شابه، وتقع تلك المحلات في أسواق عامة محدودة داخل المدينة كأسواق الخالدية وحلب الجديدة والأشرفية وغيرها، لكن مشاعر سكانها مضطربة خشية أن تتحول تلك الأحياء إلى الركام والأنقاض كما الحال نظرائها في الأحياء الساخنة.
غلاء فاحش
وتشهد أسواق تلك الأحياء ارتفاع أسعار حاداً في المواد الغذائية وندرتها، حيث تعصف بأسواق: السليمانية والعزيزية وحلب الجديدة والأشرفية والشيخ مقصود ارتفاعاً كبيراً في الأسعار التي لا تتناسب مع مداخيل السكان، فيسرد أبوسامر، صاحب متجر في حي السليمانية، في مستهل حديث عن أسعار المواد الغذائية أن «سعر كيلوغرام البندورة وصل إلى 150 ليرة إن توفر بشكل يومي، في حين أن المواد مثل اللبن والحليب وصل سعر الكيلوغرام الواحد منها إلى 200 ليرة». ويردف «أن سعر سندويشة الفلافل تجاوزت 75 ليرة، وإذا كانت العائلة مؤلفة من ثمانية أشخاص فتصل تكلفة الوجبة الواحدة إلى حدود 600 ليرة».
ويضيف أبوسامر الذي يعاني متجره من ندرة المواد الغذائية انه «في ظل هذه الأسعار الجنونية، تواجه أفراد الطبقات الشعبية بطالة حادة ونقصا شديدا في امتلاك مدخرات هامة تسد رمق مجاعتهم، أنهم شريحة أكثر ضرراً من الضغط الاقتصادي الهائل».
سوق فوضوي
وفي ظل هكذا أوضاع أنشئ بشكل عفوي ما يشبه سوق فوضوي للخضار والفواكه في شارع الحرم الجامعي الملاصق للمدينة الجامعية في حي الفرقان، حيث يتواجد ما يزيد على 10 آلاف نازح، وقد سبب هذا الأمر كما يقول الأهالي في ظل الفوضى المرورية العارمة وعدم التنظيم وترك بقايا الخضار في أماكنها استياء شديدا من سكان تلك المناطق والنازحين معاً .
ويعلق رفعت (28 عاماً) المقيم في حي الفرقان على الوضع بالقول إنه «لا يمكن تحمل الرائحة النتنة التي تخرج من بقايا الخضار المنتشرة في أرقى أماكن حلب، هؤلاء يستغلون الناس بأسعار جنونية ويسببون في انتشار الأمراض بين الأطفال النازحين والمقيمين في جوارهم على الأرصفة والحدائق الملاصقة بالجامعة». ويضيف بلهجة شديدة: «كأنه لا يكفينا القصف بالطيران حتى يأتي هؤلاء المدعومون من قبل النظام لتنصيب خيامهم هنا».
فرار التجار
وفي سياق متصل، شهد سوق العمل في المناطق شبه الهادئة إغلاقا كليا للمعامل بسبب فرار أصحابه مع رؤوس أموالهم إلى الخارج، وترك عمالهم الذي ينحدر غالبيتهم من المناطق التي تتعرض إلى القصف بدون دخل، كما نقل النشطاء أن أسواق المدينة (تحت القلعة) وهي عصب الحياة التجارية في المدينة أغلقت أبوابها منذ ما يزيد على الشهر ونصف الشهر مما حدّ من دخل التجار الكبار والصغار على سواء .
بيد أن الأمر تطور إلى شل حركة أصحاب المهن الحرة كما يقول جمال، محام يعمل في مكتب الخاص في حي العزيزية ذات الغالبية المسيحية: «توقف عمل أصحاب المهن الحرة كالمحامين والأطباء والمهندسين تماماً في ظل إغلاق المحاكم وكافة الدوائر الحكومية من سجل عقاري ومالية والكاتب العدل وغيرها».
ويضيف جمال أن «الأطباء لا يستطيعون الدوام في عياداتهم الخاصة الواقعة في المناطق الساخنة الشعبية، في حين يشهد الأطباء المعروفون والمشهورون من كافة الاختصاصات هجرة كثيفة الى خارج القطر، وتزامن ذلك مع وقوف حركة البناء وإغلاق الدوائر البلدية والرخص بالنسبة للمهندسين».
وأكثر ما جلب الضرر للقاطنين في هذه الأحياء «شبه الآمنة» على حد سواء هو الارتفاع الصاروخي في سعر الديزل، ويبلغ سعر ليتر البنزين في السوق السوداء 150 ليرة وكان وصل الى 350 في بعض الأوقات رغم أن سعره الرسمي 50 ليرة. وفي هذا الصدد، يقول أبولطفي الذي يعمل على مكروباص داخلي إنه «لا وجود للمازوت إطلاقاً بالنسبة للمواطنين والسائقين، وكل ما هو متوفر يذهب لأفران معينة فقط وفق مخصصاتها اليومية، الناس تريد أن تهرب من حلب لكنهم يمكثون تحت القصف بسبب ندرة الديزل في كل المحطات الرئيسية».