فيما يلملم الفلسطينيون في قطاع غزة جراحهم جراء العدوان الهمجي للاحتلال الإسرائيلي، شهدت القاهرة أمس تحركات ماراثونية في مفاوضات التهدئة غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بمشاركة دولية وسط أنباء عن أنه في حال فشل المحادثات بإصرار الاحتلال على نزع سلاح الفصائل، فإن صاعق تفجر المواجهات سيتم تعطيله بتمديد الهدنة إلى حين الوصول إلى اتفاق بحسب تسريبات لـ»البيان«.
ويخوض المفاوضون الفلسطينيون الذين تساندهم الدبلوماسية المصرية معركة لتثبيت الحد الأعلى من المطالب، فيما تدور ترجيحات عن إمكانية تقسيم الاتفاق إلى مراحل بحيث يتم أولاً تثبيت التهدئة وإدارة المعابر ثم القضايا الشائكة ذات الطابع الاستراتيجي وأولاها فتح الميناء البحري للقطاع، والسماح بفتح مطار غزة المدمَّر، وفتح طريق يربط الضفة بالقطاع ، وهي مطالب تواجه برفض قاطع من الاحتلال الذي يشترط أيضاً أن يكون الاسمنت الذي سيتم استخدامه في إعادة إعمار غزة رهينة لديه. ومثل هذه المطبّات الكبيرة تدفع بالطرفين إلى إبقاء أيديهم على الزناد خلال التفاوض.
في تفاصيل محادثات القاهرة التي أصبحت »خلية نحل دبلوماسية«، التقى رئيس المخابرات المصرية محمد فريد التهامي، الوفد الفلسطيني للتشاور حول الردود الإسرائيلية بالنسبة لمطالبهم.
وذكر مصدر مطلع لـ»البيان«، من داخل أروقة المفاوضات، أن الوفد الإسرائيلي الذي يتواجد في القاهرة منذ قرابة ثلاثة أيام، يتفاوض مع الجانب الفلسطيني عبر الوسيط المصري الذي قام بعرض ورقة المطالب الفلسطينية الموحدة. وأوضح أن الوفد الإسرائيلي، غادر القاهرة للمرة الثالثة خلال فترة المفاوضات عبر طائرة خاصة إلى مطار بن غوريون، وذلك للتشاور مع القيادة السياسية الإسرائيلية. ولم يتلق الجانب الفلسطيني رداً على مطالبه حتى مساء أمس.
ومن اللافت أن الموفد الأميركي للمفاوضات لم يلتق ولا مرة وفدي حماس أو الجهاد.
نشاط محموم
وذكر مصدر مصري مطلع لـ»البيان« أن الذي يتولى التشاور والاجتماع مع الأطراف الدولية هو القيادي البارز في حركة فتح، عزام الأحمد ، وذلك سواء مع الموفد الأميركي، أو رئيس اللجنة الرباعية للسلام توني بلير ، والمنسق الخاص للأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط، روبرت سيري، اللذين قدما من تل أبيب وعمّان، للتشاور مع شخصيات مصرية وأميركية وفلسطينية رسمية والجامعة العربية، حول وقف إطلاق النار وترتيبات ما بعد ذلك وإعمار قطاع غزة.
وأكد المصدر أنه في حال عدم التمكن من الخروج بصيغة اتفاق لتمديد الهدنة وفق اتفاق محدد، سيتم العمل على تمديد الهدنة المؤقتة لاستكمال المفاوضات، أما في حال الخروج بتوافق فإنه سيتم الإعلان عنه في صيغة بيان دون عقد أي مؤتمر صحافي.
وكشفت مصادر في القاهرة لـ»البيان« عن ان الوفد الإسرائيلي حضر إلى مصر ولديه علم مسبق بالعناوين العريضة التي تم الاتفاق عليها بين الوفد الفلسطيني والقيادة المصرية طيلة الأيام القليلة الماضية، وأضافت أن الجانب المصري كان يضع واشنطن في صورة ما يجري الاتفاق عليه - بالتنسيق مع الوفد الفلسطيني - من مطالب، وبدورها كانت واشنطن تنقل تفاصيل ما يطلبه الفلسطينيون للموافقة على وقف هذه الحرب لإسرائيل.
وبموازاة ذلك تحافظ اسرائيل على السرية الكاملة حول وفدها المفاوض وما يعرضه على طاولة المفاوضات وتحدثت وسائل الاعلام كافة أن وفداً يضم ثلاثة من »كبار المسؤولين الإسرائيليين«، وصل إلى القاهرة مساء أول من أمس، على متن طائرة خاصة قادمة من تل أبيب.
ويرأس الوفد الإسرائيلي رئيس الشعبة السياسية بوزارة الجيش عاموس جلعاد ونائب مبعوث رئيس الحكومة المحامي اسحاق مولخو، فيما اكدت المصادر توجه وفد أميركي إلى القاهرة لدفع الجانبين نحو التوصل إلى اتفاق ، وحرصا على تقدم المفاوضات نحو التهدئة وعدم تراجعها والعودة للتصعيد رغم أن مؤشرات العدوان ما زالت عالية، حيث ذكرت الإذاعة الإسرائيلية أن الجيش قرر نشر مجموعات خاصة للتدخل السريع على امتداد حدود غزة إلى حين التوصل إلى اتفاق ليتسنى لها التحرك سريعاً في حال اقتضت الظروف التوغل الميداني.
مفاوضات مطولة
وأوضحت مصادر مطلعة من غزة لـ»البيان« أن إسرائيل تزعم موافقتها على كل ما يتعلق بإعادة الإعمار وإدخال المساعدات وغيرها، فضلاً عن التفاهم الفلسطيني المصري حول فتح معبر رفح ومسؤولية إدارته، إلا ان التفاوض الفعلي يتم حول إطلاق سراح أسرى محرري صفقة »وفاء الأحرار« 2011، وإطلاق سراح نواب »حماس«، والدفعة الرابعة من قدامى الأسرى، وهو ما ستوافق عليه اسرائيل امام الاصرار الفلسطيني، إلا أن الخلاف الحقيقي الذي يتم التفاوض حوله بشكل أساسي يتعلق بالمطالبة الفلسطينية بفتح الميناء البحري للقطاع المحاصر، والسماح بفتح مطار غزة المدمَّر، وفتح طريق يربض الضفة بالقطاع وهو ما ترفضه اسرائيل بشكل قاطع.
القضايا الخلافية
وتشير الانباء إلى احتمال تاجيل التباحث في هذا المحور وترحيل التفاوض حوله من ساحة »اتفاق التهدئة« إلى ميدان »مفاوضات مطولة« حول القضية الفلسطينية ككل، وسبل دعم استقرار واستقلال دولة فلسطين، بمشاركة الفصائل مجتمعة بموافقة حماس والجهاد الإسلامي، وهو ما يتم تداوله أيضا في القاهرة الآن على ان تنطلق المفاوضات المطولة- بعد فترة قصيرة من دخول اتفاق التهدئة حيز التنفيذ.
وتم التوافق على منح تركيا وقطر دورا مهما فيما يتعلق بإعادة اعمار قطاع غزة، فيما تتولى مصر والفصائل الفلسطينية مجتمعة بضمان أميركي ودولي سعيها لتطوير »اتفاق التهدئة« إلى »اتفاق سلام« عبر فتح مسار سياسي جديد في المنطقة.
بدوره، قال الناطق باسم الحكومة الاسرائيلية لتلفزيون »رويترز« مارك ريجيف: »بالنسبة لإسرائيل أهم قضية هي نزع السلاح. يجب أن نمنع حماس من اعادة التسلح. يجب أن ننزع سلاح قطاع غزة«.
وقال مسؤول إسرائيلي طلب عدم نشر اسمه إن إسرائيل تريد أن تصل المساعدات الانسانية إلى قطاع غزة الذي يبلغ عدد سكانه 1.8 مليون نسمة بأسرع وقت ممكن. ولكنه أضاف أن توريد الاسمنت وهو أمر حيوي لاعمال اعادة البناء سيعتمد على تقديم ضمانات بألا يستخدمه النشطاء لبناء المزيد من الأنفاق التي يتسللون عبرها إلى إسرائيل وتحصينات أخرى.
وقال مسؤولون فلسطينيون إن مؤتمرا للمانحين لجمع أموال لإعادة إعمار غزة سيعقد في أوسلو الشهر المقبل.
وفد الجامعة
في الأثناء، يتوجه وفد من وزراء خارجية اربع دول اعضاء في الجامعة العربية على الاقل الى غزة »قريبا« كما اعلن الامين العام للجامعة نبيل العربي.
وهذا الوفد بقيادة العربي سيقيم الاحتياجات من اجل اعادة الاعمار بعد شهر من العدوان الإجرامي للاحتلال. والوفد الذي قد يوسع يضم حتى الآن وزراء خارجية مصر والكويت والاردن والمغرب الى جانب العربي.
دولياً، تقدم الأردن نيابة عن المجموعة العربية بمشروع قرار الى مجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في غزة يهدف الى وقف مستدام لإطلاق النار والاحترام الكامل للقانون الدولي الانساني بما في ذلك حماية المدنيين والاستعجال في إعادة الإعمار بجانب توفير المساعدات الانسانية للفلسطينيين في قطاع غزة وتلبية احتياجات الانتعاش الاقتصادي للشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
نكبة اقتصادية
ذكرت تقارير إخبارية أن العدوان الإسرائيلي الوحشي ألحق نكبة اقتصادية بقطاع غزة، حيث تم تدمير 50 مصنعاً على الأقل كان يعيل آلاف العائلات، فضلاً عن تعرض الانتاج الصناعي إلى حالة شلل تام.
وخلفت الغارات الإسرائيلية تدمير مصانع عدة في المنطقة الصناعية ببيت حانون والورش الصناعية المنتشرة في شرق مدينة غزة، مما أدى الى اشتعال الحرائق بداخلها والتوقف التام عن العمل فيها.
عبور 3900
أكد مصدر مصري مسؤول أنه في إطار الجهود المبذولة لتخفيف المعاناة على الأشقاء الفلسطينيين، فإن معبر رفح يعمل بشكل مستمر منذ بداية الإجرام الصهيوني على قطاع غزة. وقال المصدر إن عدد الذين عبروا منذ فتح المعبر وحتى الثالث من أغسطس تجاوز 3900 فلسطيني في حين بلغ عدد الذين عبروا من مصر إلى غزة حوالي 2150 شخصاً خلال نفس الفترة.
توتر شديد في القدس بسبب حصار "الأقصى"
سادت حالة من التوتر الشديد طيلة أمس على مدينة القدس بسبب فرض الاحتلال حصاراً على المسجد الأقصى. وقالت »مؤسسة الاقصى للوقف والتراث« ان حالة التوتر الشديد جاءت جراء فرض شرطة الاحتلال حصارا منعت خلاله المصلين من الدخول إلى الأقصى.
واضافت المؤسسة في بيان انه في ظل انتشار واسع للمصلين وطلاب حلقات العلم في باحات المسجد قام مستوطنون بجولات مشبوهة في الباحات مترافقة مع محاولات لأداء صلوات تلمودية فيها.
واشار البيان الى وجود مرابطين ومعتكفين في الاقصى منذ ساعات الصباح من اهل الداخل والقدس من بينهم قيادات في الحركة الاسلامية في الداخل الفلسطيني وفي مقدمتهم نائب رئيس الحركة الشيخ كمال خطيب. كما اعتصم المئات من الرجال والنساء من اهل القدس والداخل خارج المسجد وداخله منذ صلاة الفجر للتصدي للمستوطنين.
وذكرت محطات اذاعة محلية ان الشرطة الاسرائيلية منعت دخول معظم دخول موظفي الاوقاف للاقصى، بالاضافة الى مرتاديه من النساء والرجال كما واصلت تمركزها امام بوابات المسجد ومنعت جميع المصلين المسلمين من الاعمار كافة من دخوله في وقت سمحت فيه لمجموعات عدة من المستوطنين باقتحامه.
ويأتي الحصار الاسرائيلي في اعقاب اعتداء عناصر من الوحدات الخاصة في الشرطة الاسرائيلية على اربعة من حراس المسجد الاقصى لتأمين عمليات اقتحام المستوطنين لساحاته والتي تتزامن مع منع المصلين من دخوله.
وكانت الحركة الاسلامية وجهت دعوة للقيادات الوطنية والاسلامية في القدس والداخل لـ»يوم النفير« بمناسبة ما يطلق عليه ذكرى »خراب الهيكل« المزعوم والتي تزيد فيها الدعوات اليهودية لاقتحام المسجد الاقصى.
400 ألف طفل روّعهم العدوان
أعلنت رئيسة المكتب الميداني الذي تديره منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في غزة بيرنيل ايرنسايد أن أكثر من 400 طفل قتلوا في عدوان اسرائيل على قطاع غزة وأن نحو 400 ألف آخرين أصيبوا بصدمة ويواجهون مستقبلا قاتما للغاية.
وأوضحت ايرنسايد التي ترأس مكتبا ميدانيا تديره »اليونيسيف« في غزة أن إعادة بناء حياة الأطفال ستكون جزءا من جهد أكبر بكثير لإعادة بناء القطاع بمجرد أن يتوقف القتال بصفة دائمة.
وقالت: »كيف نتوقع أن يهتم الآباء بأبنائهم ومن يرعى الأطفال ومن يقوم بتربيتهم بطريقة ايجابية وتنشئتهم عندما يكونون هم أنفسهم غير قادرين على الحياة كبشر.. هناك أناس فقدوا كل أفراد العائلة في ضربة واحدة«.
وأضافت في مكالمة هاتفية وهي تتحدث في مؤتمر صحافي للأمم المتحدة في جنيف: »كيف يمكن لمجتمع أن يتعامل مع هذا. إذا كنت في السابعة فإنك تكون عشت حربين سابقتين وأحدث تصعيد كان أسوأ من حرب 2008-2009 و2012 .. شيء غير عادي أن تعيش في هذه الأوضاع وأن تبقى على قيد الحياة وأن تشهد استخدام أسلحة مدمرة بطريقة غير معقولة تقوم بتقطيع أوصال الناس بعمليات بتر وتشويه مروعة وتمزق الناس إربا أمام عيون الأطفال وأمام الوالدين أيضا«.
وتشير تقديرات »اليونيسيف« الى أن نحو 373 ألف طفل أصيبوا بنوع من التجربة الصادمة المباشرة ويحتاجون الى دعم نفسي واجتماعي.
وأكدت أن هذا جهد لا يعقل القيام به ومهمة ضخمة للغاية بالنسبة للفرق التي وصلت بالفعل على الارض. وأردفت: »لكن بالطبع نحن ملتزمون بالسعي للقيام بهذا العمل على مدار الأشهر والسنين التي يحتاجها إنجاز ذلك«.