طوى رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري ثلاث سنوات من الغياب عن بيروت وعاد امس بشكل مفاجئ محمّلاً بملف الدعم السعودي للجيش اللبناني بمليار دولار في ظل استفحال الملفات المتأزمة، وعلى رأسها تهديد تمدد المتطرفين الذين يقاتلون في سوريا إلى الأراضي اللبنانية والتي كانت آخر فصولها في عرسال حيث ما زال أسرى قوى الأمن والجيش قضية بحاجة إلى متابعة لإطلاقهم.

ومن دون اعلان مسبق وصل سعد الحريري، قادماً من مدينة جدّة السعودية، إلى السراي الكبير مقر الحكومة اللبنانية في بيروت في سيارة مرسيدس وعلت وجهه ابتسامة كبيرة لدى دخوله السراي. والتقى برئيس الوزراء تمام سلام.

وكان الحريري أعلن أن السعودية ستقدم مساعدات عسكرية بقيمة مليار دولار لمساعدة الجيش اللبناني في قتال متشددين.

وقال الحريري عبر حسابه على موقع تويتر: «عودتي أتت بعد الهبة السعودية التي يجب أن نرى كيف ننفذها ونترجمها دعما للجيش والقوى الأمنية والعسكرية». وأضاف الحساب أن الحريري استهل نشاطه بزيارة ضريح والده رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري الذي اغتيل عام 2005 مما دفع الابن إلى دخول عالم السياسة.

ويلقي الحريري باللوم على سوريا في التفجير الذي هز بيروت وقتل فيه والده. وتحاكم محكمة خاصة في هولندا أربعة من أعضاء حزب الله غيابيا في القضية.

وتأتي عودة الحريري في ظل تراجع ملفّ الشغور الرئاسي الى الخلف، وغاب خلف غبار معركة عرسال التي خاضها الجيش اللبناني في مواجهة المتشددين لمدة ستة أيام، ليتقدّم الإهتمامات تحدّي الإرهاب الذي يقفز فوق الرئاسة ليطال كل الجمهورية، بشعبها ومؤسّساتها.

آلية الصرف

وأشار بيان مشترك بعد اللقاء الى أن سلام تبلّغ من الحريري قرار العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز تقديم مليار دولار الى لبنان، مخصّصة لتلبية الحاجات الملحّة للجيش وجميع القوى والأجهزة الأمنية اللبنانية. كما تباحثا في «آلية صرف هذه الهبة»، والتي وضعها الملك السعودي في عهدة الحريري، واتفقا على استكمال البحث في الإجراءات التنفيذية ضمن الأطر القانونية اللازمة. علماً أن مبادرة الملك عبدالله بن عبد العزيز، التي أعلنها الرئيس الحريري بتقديم مليار دولار للقوى المسلحة، تزامنت مع إقرار مجلس الوزراء تعزيز القوى الأمنية بأكثر من عشرة آلاف عنصر لحماية الأمن.

ونقِل عن أمين عام تيّار المستقبل أحمد الحريري قوله إن وصول الحريري إلى لبنان هو «نتيجة قناعة تامّة بضرورة حماية لبنان من الإرهاب، وتثبيت الإعتدال، على الرغم من الوضع الأمني الصعب»، وإن عودته «أتت بعد الهبة السعودية، التي يجب أن نرى كيف ننفّذها ونترجمها دعماً للجيش».

تصويب الأمور

من جهته، قال القيادي في تيار المستقبل مصطفى علوش ان «الحدث القائم في عرسال وتداعياته وخطورته على العيش المشترك دفع بالرئيس الحريري للعودة لادارة الامور».

واضاف ان «جزءا من الطائفة السنية اندفع الى التطرف كرد فعل على تطرف حزب الله»، مشيرا الى ان الحريري «يعود من اجل تصويب الامور».

وعبر علوش عن اعتقاده بأن «الاذى الاكبر» لما يحدث في سوريا هو «دخول التطرف في هذه الحرب، ما يشكل اكبر خدمة (للرئيس السوري) بشار الاسد».

بدوره، قال النائب من تيار المستقبل ، أحمد فتفت، ان الحريري «اختار الوقت المناسب وعودته ستعطي دفعا ايجابيا في جو مظلم في لبنان». واضاف ان «الحريري سيبحث ملفين: الاول هو الملف الامني والافراج عن الجنود وعناصر قوى الامن المخطوفين واعادة اعمار عرسال والملف الثاني رئاسة الجمهورية»، مشيرا الى ان «اقامته ستكون طويلة وسيشارك في انتخابات مفتي جديد للجمهورية».

تجدر الإشارة الى أن الرئيس الحريري كان غادر لبنان عام 2011، لأسباب أمنيّة، بعدما سقطت الحكومة التي كان يترأسها، وكان يتواجد ما بين العاصمة الفرنسية باريس والمملكة العربية السعودية. ومؤخراً كثرت الدعوات التي طالبته بالعودة الى لبنان، من فريقه السياسي كما من بعض قوى 8 آذار.

 وإذ أشارت مصادر مقرّبة من تيار المستقبل لـ«البيان» الى أن «لا صلة بين عودة الحريري والأحداث في عرسال»، ووضعت عودته في خانة «الأهمية الكبرى في هذه المرحلة الدقيقة التي يمرّ بها لبنان والمنطقة»، فإن مصادر مراقبة أجمعت على أن عودة الحريري هي جزء من خطوات بدأت بقلق الإعتدال السنّي من التطرّف، مشيرة الى أن هذه العودة قد تخلط الكثير من الأوراق وتقلب الكثير من المعطيات السياسية.

ملف عرسال

تجدر الإشارة الى أن المواجهة العنيفة التي خاضها الجيش مع مسلّحي جبهة النصرة و«داعش»، منذ يوم السبت الماضي وحتى يومها السادس أول من أمس، كانت انتهت بإخلاء المسلّحين بلدة عرسال، ولكن مع نشوء أزمة أسرى لا يزال مصيرهم مهدّداً بفعل احتجازهم على أيدي التنظيمين في الأماكن التي انسحبوا اليها خارج عرسال. علماً أن عدد الأسرى فاق ما كان متداولاً، ذلك أن 22 عسكرياً و17 من أفراد قوى الأمن الداخلي هم في عداد الأسرى لدى المسلّحين، الذين انسحبوا الى منطقة تبعد أقل من كيلومترين عن الحدود اللبنانية- السورية.

وعلمت «البيان» من مصادر رسمية أن المنسحبين باتجاه الأراضي السورية، والذين يقدّرون بألفي مسلّح، هم في غالبيتهم سوريون من معضمية الشام، ويشترطون ضمان عدم محاكمة القيادي في «داعش» عماد أحمد جمعة وإطلاق بعض موقوفي سجن رومية في مقابل إطلاق باقي العسكريين من الجيش اللبناني المخطوفين، وهو ما ترفضه الحكومة وقيادة الجيش رفضاً قاطعاً.

اتصال بخادم الحرمين

تلقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز اتصالا هاتفيا أمس من رئيس وزراء لبنان تمام سلام. و تم خلال الاتصال بحث العلاقات الثنائية بين البلدين والأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة.