لعبت القبائل في اليمن عبر التاريخ دوراً حاسماً في العملية السياسية وظلّت في كثير من الأوقات آخر الأشكال الاجتماعية التي تقوم مقام الدولة، سواء أثناء غيابها وعجزها عن التواجد في كل مناطق البلاد أو في حال انهيارها، كما أنها شكلت عامل توازن في مواجهة طغيان بعض المناطق والجماعات مع استمرار غياب دولة جامعة طوال عقود من الزمن باستثناء فترات متقطعة من تاريخ اليمن.

وفي الصراعات الداخلية استخدمت القبائل كقوة غير نظامية، سواء من قبل السلطات أو من قبل الجماعات المعارضة لها، خاصة وأن القبائل تنظر لتركيبة الجيش في اليمن على أنها لا تعكس تركيبة وطنية بل غلبة لقبيلة أو منطقة على حساب بقية المناطق وتتعامل معه في كثير من الأوقات على هذا الأساس.

الرئيس عبدربه منصور هادي وعند وصوله إلى السلطة في بداية العام 2012 اضطر إلى الاستعانة بالقبائل في محافظة أبين لتطهير المحافظة من سيطرة تنظيم القاعدة، لأن الجيش لا يأتمر بأمره بل كان موزع الولاء بين الرئيس السابق علي عبدالله صالح وقائد الفرقة الأولى مدرع اللواء على محسن الأحمر.. فيما نجحت فكرة تشكيل اللجان الشعبية التي تمكنت من تحرير أبين من تنظيم القاعدة وتولت حفظ الأمن فيها، وكانت هذه اللجان نواة للمقاومة التي تواجه التمدد الحوثي في عدن وأبين وشبوة والضالع.

وهذه اللجان هي التي تمكنت من صد هجوم الحوثيين وقوات الرئيس السابق في لودر وزنجبار وتحاصرهم الآن في مدينة شفرة الساحلية، إلى جانب أنها تقاتل في مدينة عدن إلى جوار المقاومة التي شكلها سكان المدينة وحالوا دون سيطرة الحوثيين عليها منذ ما يزيد على أسبوعين.

قبائل الصبيحة وقبائل ردفان

تعد قبائل الصبيحة في محافظة لحج من أشرس القبائل المقاتلة في جنوب اليمن، إلا أنها دخلت المواجهة متأخرة على إثر الصدمة التي تلقتها باجتياح الحوثيين لقاعدة العند العسكرية الكبيرة وأسر وزير الدفاع محمود الصبيحي وقائد المحور العسكري العميد فيصل رجب.

هذه القبائل التي عرف عنها القدرة القتالية الصلبة أعلنت قبل أيام تشكيل قيادة عسكرية للاشتراك في جبهة المقاومة في عدن ضد المليشيات الحوثية وقوات الرئيس السابق المتمردة على الشرعية.

هذه القبيلة التي تمتد من محافظة تعز إلى أطراف مدينة عدن انتشرت في الشريط الساحلي الذي يربط مضيق باب المندب بمحافظة عدن، وأقامت نقاط تفتيش وسيطرة على معسكر للجيش يضم أكثر من 50 دبابة، ومنعت الحوثيين وحلفاءهم من السيطرة على المنطقة الساحلية من محافظة لحج، لكن الطبيعة القاسية والفقر الشديد وغياب الدعم يجعل هذه القبيلة عرضة للانكسار.

قبائل بني هلال شبوة

وفي ظل احتفاظ معظم وحدات الجيش بالولاء للرئيس المخلوع علي صالح، فإن تداعيات تسليم صنعاء وبقية المدن للمسلحين الحوثيين دفعت برجال القبائل بتحمل عبء المواجهات مع الحوثيين وقوات الرئيس السابق.

وأعلنت قبائل بني هلال في محافظة شبوة تشكيل جيش شعبي قوامه خمسة آلاف مقاتل يخوضون مواجهات عنيفة مع الحوثيين وقوات الرئيس السابق في أكثر من مكان في المحافظة بعد أن قامت قوات الجيش التابعة للرئيس السابق بتسليم مدينة عتق عاصمة المحافظة للحوثيين.

وفي ظل مشاركة قوات الجيش التابعة للرئيس السابق في المعارك وتسخير الأسلحة الحديثة والثقيلة للتوسع الحوثي يظهر رجال القبائل قدرات قتالية عالية، خاصة بعد أن بدأت قوات عاصفة الحزم بإمدادهم بالأسلحة القادرة على مواجهة المدرعات وقيام طائرات عاصفة الحزم باستهداف معسكرات وأسلحة تلك القوات، ما أوجد نوعاً من التوازن لصالح رجال القبائل.

قبائل مأرب

بعد سقوط أو «تسليم» صنعاء وذمار والحديدة وإب انضمت قوات الجيش في محافظة البيضاء إلى المسلحين الحوثيين في مهمة إسقاط المحافظة بيد الحوثيين، تصدى رجال القبائل لهذه القوات وخاضوا ولا يزالون يخوضون حرب استنزاف رغم سيطرتهم على أجزاء واسعة من المحافظة، ولأن عين الحوثيين كانت منذ ما بعد سقوط صنعاء على محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز تداعت قبائل محافظة مأرب لمنع سقوط المحافظة بيد الحوثيين وقوات الرئيس السابق.

قبائل مأرب التي عرفت بقوتها عبر تاريخ اليمن أقامت ثلاثة معسكرات على مداخل المحافظة وحشدت المقاتلين والأسلحة وسارعت إلى إسقاط معسكرات الجيش التابعة للرئيس السابق المتواجدة في المحافظة حتى لا تقوم هذه القوات بتسهيل دخول الحوثيين إلى مأرب.

وفي جولات قتال متفرقة مني الحوثيون بهزائم متعددة عند محاولاتهم التقدم إلى مأرب عبر محافظة البيضاء، أو عند الالتفاف من محافظة شبوة، ولا تزال هذه القبائل تشكل حائط الصد في محاولات الحوثيين السيطرة على نصف إنتاج اليمن من النفط وكل صادراته من الغاز الطبيعي.

قبائل إب تدخل المواجهة

أما في وسط البلاد والذي ظل لشهور بعيداً عن المواجهة مع الحوثيين، فإن قبائل هذه المنطقة وتحديدا في محافظة إب دخلت على خط المواجهة، وفتحت عدة جبهات مع الحوثيين إحداها في مديرية القفر غرب إب، والثانية في مديرية السدة شرق المحافظة وأخرى في مديرية القاعدة جنوبها، ومع اتساع رقعة المواجهات بين القبائل والحوثيين فإن هذه الجبهة تقطع خطوط الإمداد إلى محافظة تعز ومنها إلى الجنوب، وتنضم بذلك إلى جبهة الضالع التي حرمت الحوثيين وقوات صالح من استخدام الطريق هناك لإيصال الإمدادات إلى لحج عدن.

المواجهات التي اتسعت من منطقة الصوفة إلى نجد صهفر إلى سحبان اقتربت من مديرية المخادر الواقعة على الطريق الرئيسي الذي يربط صنعاء بتعز، وهو طريق الإمدادات الرئيسية، ما جعل وزير داخلية الحوثيين يرسل تعزيزات إلى محيط مدينة إب عاصمة المحافظة بعد إفصاح القبائل عن نيتهم طرد الحوثيين منها.

وأشارت المصادر إلى أن تعزيزات قبلية كبيرة تتجه إلى منطقة المواجهات الواقعة في مديرية المخادر، لتعزيز صفوف أبناء القبائل الذين أعلنوا اعتزامهم التصدي للحوثيين وطردهم من جميع المناطق التي يتمركزون فيها في مديريتهم. لتشمل مديرية حبيش وأطراف مديرية ريف إب.

قبائل حلف حضرموت

وتشكل حلف قبائل حضرموت قبل ما يزيد على عام على خلفية مقتل زعيم قبائل الحموم سعيد بن حبريش وتولى الحلف الدفاع عن المطالب الحقوقية لأبناء المحافظة لدى السلطات، لكنه اليوم وفي ظل التطورات أصبح قوة فاعلة في حضرموت بما يمتلكه من مقاتلين وإمكانات.

وعقب فرار قوات الجيش والأمن من المكلا وتسليمها لعناصر تنظيم القاعدة تصدى الحلف لهذه الخطوة، وأرسل المئات من المقاتلين إلى المدينة لاستعادتها بعد أن سيطر على المديريات والمناطق الواقعة في ضواحيها.

مقاتلو حلف القبائل أجبروا مسلحي القاعدة على الانسحاب من مدينة المكلا بموجب وساطة قادها علماء الدين لتجنيب المدينة المواجهات.

وأعلن مسلحو حلف قبائل حضرموت جاهزيتهم لصد أي هجوم من قبل قوات الحوثيين والرئيس السابق على المحافظة بعد أن دخلت تلك القوات إلى مناطق في محافظة شبوة المجاورة.

قبائل الضالع

رغم تمكن الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح من اختراق جبهة الجنوب عبر محافظة تعز وصولاً إلى محافظة لحج ثم عدن، إلا أن جبهة الضالع لا تزال عصية أمام هذه القوات وحالت دون تقدمها، حيث شكل مقاتلو القبائل في الضالع وردفان قوة فعلية موازية لقوات الرئيس السابق والمسلحين الحوثيين التي يزيد عددها على ثلاثة آلاف مقاتل في هذه الجبهة لوحدها.

وبمساندة طائرات عاصفة الحزم التي قصفت معسكرات الحوثيين وقوات صالح وأمدت اللجان الشعبية بالأسلحة والذخائر تمكنت هذه القبائل من تكبيد الحوثيين خسائر كبيرة، وأحبطت خطط التقدم إلى عدن عبر هذه الجبهة.