يكتنف تشكيلات الحشد الشعبي الكثير من الغموض، خاصة بشأن النشوء، وفيما إذا تشكلت بموجب فتوى المرجعية الشيعية أم أنها كانت موجودة، أو على الأقل بعضها، تحت ستار أحزاب سياسية في السلطة وبشكل مخالف للدستور، كما تدور تساؤلات بشأن مصادر تسليحها، وقسم منها يفوق ما لدى الجيش كماً ونوعاً.
ويطرح مراقبون كذلك تساؤلات عن مصير شحنة الأسلحة التشيكية المهربة التي تم ضبطها في ديسمبر الماضي في مطار بغداد على متن طائرة روسية، وقيل إن وراء الشحنة التي تزن 500 طن بكلفة 160 مليون دولار تاجر عراقي يحمل الجنسية البلغارية، إلا أن الطائرة سرعان ما غادرت بغداد، ولم يتم الإعلان عن الجهة صاحبة العلاقة في العراق، فيما تسرب أن الصفقة تحمل تواقيع ضباط عراقيين، ثم وضعت القضية في طي الكتمان.
وعلى الرغم مما يقال إن القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي هو المسؤول عن الحشد الشعبي، فإن من الصعب تصديق ذلك، لأن الفصائل المعلنة العاملة في الساحة العراقية تبلغ زهاء 30، عدا الفصائل المحلية فيما يفترض أن تكون هناك قيادة واحدة توزع المهام على المنتسبين.
وما يلفت النظر، أن هناك قيادات معروفة في «الحشد» تعلن صراحة ولاءها لإيران، ما يعني أنها لا علاقة لها بفتوى المرجعية، وأنها قبل ذلك تؤمن بمبدأ «تصدير الثورة» وفق النموذج الإيراني، أي أنها كانت بالأساس ضد العملية السياسية في العراق، التي هي جزء منها.
عراقة وفصائل
ويلاحظ المراقبون أن تشكيلات الحشد أثبتت «عراقتها» وليس نشوءها بوقف تمدد تنظيم داعش ووقف زحفه نحو بغداد، كما تمكنت من تحقيق انتصارات عدة في صلاح الدين وشمال بابل إلا أن هذه النجاحات، أعادت من جديد الانقسام الموجود بين هذه الفصائل، وهو انقسام يعود إلى خلافات كبيرة بين الأحزاب الشيعية الرئيسة التي تحكم العراق منذ 2003.
ويؤكد المراقبون أن حزب الدعوة الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، نائب الرئيس حالياً، و«المجلس الأعلى الإسلامي» بزعامة عمار الحكيم، والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، ومنظمة «بدر» بزعامة هادي العامري، فضلاً عن حزب «الفضيلة» بزعامة رجل الدين محمد اليعقوبي، هي من أبرز الأحزاب الشيعية، وهذه الأحزاب تمتلك فصائل مسلحة تقاتل «داعش» تحت مسميات مختلفة.
3 أصناف
وتفيد المعطيات بوجود ثلاثة أصناف من الفصائل الشيعية التي تقاتل «داعش» عبر جبهات عديدة ممتدة من ديالى شرق بغداد إلى صلاح الدين شمالها والأنبار غربها وكربلاء وبابل جنوبها، وتختلف في ما بينها من حيث قوة السلاح والقدرة على اتخاذ القرارات الأمنية.
فالقسم الأول من هذه الفصائل هي تلك المقربة من إيران وترتبط دينياً بالمرشد علي خامنئي وأبرزها «بدر» و«عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«سرايا الخراساني» و«النجباء»، وهي الفصائل الأقوى والأكثر تسليحاً من بقية الفصائل ولا تحترم قرارات الحكومة كثيراً بل وتنتقدها أحياناً.
والقسم الثاني من الفصائل الشيعية هي تلك التي أسسها المرجع علي السيستاني وأبرزها «لواء علي الأكبر»، و«سرايا العتبة العباسية»، و«سرايا العتبة العلوية»، و«سرايا العتبة الحسينية». وهذه الفصائل لا تمتلك أية طموحات سياسية ووضعت مقاتليها تحت تصرف الحكومة، ومهمتها مساعدة القوات الأمنية في مواجهة «داعش» ومسك الأرض التي يتم تحريرها ومنع المتشددين من العودة إليها وهم يمتلكون أسلحة خفيفة ومتوسطة فقط. وتمتاز الفصائل التابعة إلى السيستاني بكثرة أعداد مقاتليها وقلة أسلحتهم، فهم يمتلكون أسلحة خفيفة ومتوسطة ومركبات مدنية ذات دفع رباعي تستخدم في التنقل وترافق وحدات الجيش.
أما القسم الثالث من الفصائل الشيعية فهي تلك المرتبطة بالحزبين الشيعيين الكبيرين المتحالفين معاً «المجلس الأعلى الإسلامي» والتيار الصدري، وكلاهما يمتلكان نواباً ووزراء في الحكومة والبرلمان، فـ«سرايا الجهاد والبناء» و«سرايا عاشوراء» و«سرايا أنصار العقيدة» تابعة إلى «المجلس الأعلى» وتعتمد على الحكومة في تمويلها وتسليحها، وهي تلتزم بقرارات الحكومة وترافق وحدات الجيش وتستخدم بعض آلياته العسكرية.
و«سرايا السلام» تتبع التيار الصدري وتعتمد في تمويلها على التبرعات التي يحصل عليها مقتدى الصدر من الآلاف من أنصاره، فيما ترفض الحكومة العراقية تمويل «سرايا السلام» بشكل جيد لأسباب سياسية متعلقة بصراع يمتد لأعوام مضت بين حزب «الدعوة»، الذي ينتمي إليه العبادي والتيار الصدري.
خلافات الفصائل
ويقول عميد في غرفة عمليات وزارة الدفاع إن «بعض الفصائل الشيعية، خصوصاً تلك المرتبطة بإيران ترفض التعاون مع الجيش في وضع الخطط والانتشار، فهي تختار أهدافها وخططها، حيث فضلت تحرير مدينة الفلوجة في الأنبار من داعش، بينما كانت خطة الحكومة تحرير مدينة الرمادي».
ولم تعد الخلافات بين الفصائل الشيعية خافية على أحد، كما أن تباينها من حيث القوة والسلاح واختلاف الأهداف يزيد من احتمالات التصارع في ما بينها، وهو أمر بدأ يثير مشكلات حقيقية في المحافظات الجنوبية، منها قيام «كتائب حزب الله» باقتحام مقر تابع إلى «المجلس الأعلى الإسلامي» في البصرة، فضلاً عن انتقال الخلافات إلى مرحلة تبادل الاتهامات عبر وسائل الإعلام.
وتمثل هذه الأحداث انعكاساً لبوادر خلاف أعمق وأكبر سيظهر في المستقبل خصوصاً مع اقتراب انتخابات مجالس المحافظات مطلع 2017، حيث يؤكد مراقبون أن الصراع سيكون أشد هذه المرة، لأن الأحزاب الشيعية باتت تمتلك مقاتلين قد يتحولون من قتال «داعش» إلى التقاتل الداخلي في ما بينهم.
ظاهرة
شهدت المحافظات الجنوبية في العراق، بالتزامن مع بداية العطلة الصيفية، انتشار ظاهرة تأسيس الفصائل المسلحة المؤلفة من الطلبة، وتتقاضى تمويلها من ميليشيات الحشد الشعبي. وتؤكد مصادر من داخل الميليشيا أن أغلب هذه الفصائل المؤلفة حديثاً ليست لها قاعدة حقيقية أو قيادات معروفة، وإنما يتم تأسيسها من أشخاص راغبين بالانتفاع المادي.