عندما اندلعت الثورة السورية في العام 2011 في أعقاب الثورات في تونس ومصر وليبيا، اعتقد الكثيرون أن الأمر لن يطول وأن نظام الأسد مآله مثل الثلاثة الآخرين، لكن الأمور في سوريا تطورت وأخذت منحى آخر تماماً، حيث انفتحت الأبواب للتداخلات من كافة الجهات الإقليمية والدولية، وتحولت الثورة إلى حرب أهلية مدمرة..

ووجدت التنظيمات الإرهابية مكاناً مناسباً لنشاطها في سوريا، وبمرور السنوات الأربع تغير الحال من حرب أهلية إلى حرب ميدانية بدخول تنظيم داعش الميدان، ثم جاء التدخل العسكري الروسي في سبتمبر الماضي ليقلب موازين القوى على الساحتين السياسية والقتالية، ورغم تصريحات موسكو بأنها ذهبت إلى سوريا، بدعوة من النظام السوري، للقضاء على إرهاب داعش، إلا أن الفصائل المناهضة للنظام السوري والقوى الإقليمية والدولية اتهمت روسيا بأنها جاءت لحماية نظام الأسد والقضاء على المعارضة، وكذلك اتهامها بقصف المدنيين، ورفضت موسكو كل هذه الاتهامات.

التدخل الروسي، الذي لم يكن يتوقعه أحد، قلب كافة الموازين، وكشف أشياء لم تكن واضحة على الساحة، وكان لهذا التدخل تأثير كبير على القوى الأخرى التي كانت تتحرك في الميدان، سواء الإقليمية منها، مثل تركيا وإيران، أو الدولية، مثل الولايات المتحدة، فقد تنحى الجميع جانباً تاركاً الميدان للعسكرية الروسية التي ملأت سماء سوريا بطائراتها ولم تدع مجالاً لتدخل القوى الأخرى التي آثرت تفادي الصدام مع روسيا.

ولم تترك موسكو الفرصة لخصومها ليكيلوا لها المزيد من الاتهامات، فذهبت لتدعم مفاوضات جنيف وحضت القوى والفصائل السورية على المشاركة فيها، ولم تجد الولايات المتحدة أمامها خياراً آخر سوى دعم التحركات الروسية وتأييد المفاوضات، واعترف القادة العسكريون في واشنطن بأن روسيا تحارب إرهاب تنظيم داعش في سوريا، وأقر بذلك وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وأكثر من ذلك ذهبت واشنطن تحذر تركيا من أي تدخلات من جانبها في مناطق الأكراد في سوريا.

هكذا بدت الأمور أكثر ضبابية، حيث تؤيد واشنطن الكثير من تحركات روسيا في سوريا من جانب، وتتهمها في نفس الوقت بتجاوزات في القصف الجوي وتعمد قصف المعارضة السورية من جانب آخر، كل هذا وروسيا مستمرة في عملياتها الجوية وبكثافة لا تسمح لأحد بمشاركتها الأجواء السورية. هذه المشاهد مجتمعة تكشف بوضوح عن تغييرات جذرية في النظام العالمي وفي موازين القوى الدولية التي تتشكل من جديد على الساحة السورية.