«ارحل».. هتافٌ هزّ أرجاء مصر في 30 من يونيو 2013، حينما خرج المصريون كإعصار جامح ضد محاولات جماعة الإخوان اختطاف بلادهم وطمس هويتها...
وفي الأفق كانت هناك القوات المسلحة التي تُراقب الأوضاع عن كثب، لتنحاز إلى الإرادة الشعبية المصرية ويرى النور بيان خريطة الطريق 3 يوليو 2013 الذي رسم خطة عملية لمرحلة انتقالية بدأت بإسقاط حكم الإخوان من خلال الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا –آنذاك- عدلي منصور رئيساً مؤقتاً لحين تعديل الدستور وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة يليها انتخابات تشريعية.
ثلاثة أعوام مرّت على الثورة المصرية شهدت خلالها مصر جُملة من التطورات الفاصلة والحاسمة، وخاضت فيها معارك ضارية وسط تحديات جمَّة، وأنجزت خطوات خريطة الطريق كاملة، ودشنت مشروعات قومية عملاقة أطلقت معها العنان لطموحات وآمال المصريين في تحقق المزيد من النجاحات والانتصارات عقب أن تمت الإطاحة بحكم تنظيم الإخوان الإرهابي الذي حاول اختطاف البلد.
ظَلَّ تنظيم الإخوان يمثل صداعاً في رأس المصريين، لاسيما خلال السنوات التالية لثورة 25 من يناير 2011 مع بزوغ نجم التنظيم بصورة واضحة ومساعيه للوصول إلى سدة المشهد السياسي حتى تَحقق له ذلك بالوصول إلى الحكم؛ حتى أسقطه المصريون في ثورة 30 من يونيو 2013 التي أبى التنظيم بعدها أن ينصاع إلى الإرادة الشعبية المصرية وواصل حملاته لتشويه صورة مصر في المحافل الدولية.
أنفق تنظيم الإخوان الكثير عقب ثورة 30 يونيو في خضم محاولات تشويه صورة السلطات المصرية واستدعاء الخارج والاستقواء به؛ لتبذل الدبلوماسية المصرية جهوداً متصلة في سبيل مواجهة هذه الشائعات الإخوانية وتأكيد الإرادة الشعبية في ثورة 30 يونيو.
فيما مثلت الفترة التي تلت الثورة مروراً بعملية فض اعتصام رابعة وما تلاها من ردود أفعال، قمة المحاولات الإخوانية لاستهداف مصر بمختلف الطرق، سواء بتحريض عناصر الجماعة من الشباب على القيام بأعمال إرهابية أو تحريض الغرب للتدخل في الشؤون المصرية، وغير ذلك من المحاولات التي مثلت صداعاً في رأس المصريين. فهل تجاوزت مصر صُداع الإخوان عقب ثورة 30 يونيو ..
وبعد استكمال خطوات خريطة الطريق وتولي وزير الدفاع السابق عبدالفتاح السيسي رئاسة الجمهورية؟ سؤال يجيب عنه وزير خارجية مصر الأسبق محمد العرابي الذي يترأس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري، موضحاً أن الجماعة انتهت وأضحت بلا أدنى وزن في الوقت الجاري وأنه لا يتم إعطاؤها أي اعتناء من جانب السلطات المصرية..
مشيراً إلى أن الوضع قد تغيّر وتجاوزت مصر كل الأمور وبات العالم كله يدرك حقيقة الأوضاع ويدرك صحة الموقف المصري رغم مساعي الإخوان المتكررة من أجل تشويه صورة مصر.
ورغم انتهاء دور الجماعة على النحو الذي فشلت فيه كل دعواتها لحشد أنصارها عقب فقدانها القدرة على الحشد والحضور في الشارع -إما بسبب العمليات الأمنية التي قزّمت دور الجماعة بعد القبض على قياداتها أو لانشقاق عناصر شبابية أدركت أنه تم خداعها بشكل أو بآخر، وكذلك بسبب الصراعات الداخلية لدى التنظيم..
- فإن الجماعة قد حاولت طوال الشهور الماضية بث سمومها لإشعال الأوضاع الداخلية؛ من خلال دعمها لأي انتقادات توجه إلى السلطات المصرية وأي أزمات يومية عادية، بل ونشر الشائعات؛ وهي محاولات باءت بالفشل.
حالة جنون
وفيما يقول الباحث في شؤون الحركات المتشددة سامح عيد، إن جماعة الإخوان وصلت بعد 30 يونيو إلى حالة من الجنون، أكد أن الجماعة في الوقت الجاري باتت لا تمانع من فكرة الاندماج مع حركات أخرى معارضة، وباتت تتخلى عن شعاراتها (شعارات رابعة ومطالب عودة الرئيس المعزول محمد مرسي) وتشارك في أي فعاليات احتجاجية أو اعتراضات على ملفات اجتماعية أو خلافه.
في محاولة لإشعال الموقف واستغلاله فيما بعد لخدمة أغراض الجماعة. وتعتمد الجماعة خلال الفترة الحالية على هذه المحاولات لـ«الاندماج» داخل المجتمع؛ في محاولات لإعادة إنتاج نفسها من جديد واستقطاب عناصر جديدة، غير أن الرهان يكمن في وعي وإدراك الشعب المصري الذي تنامى بصورة لافتة خلال الأعوام الأخيرة.
وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في تصريحات له قبل أسابيع، إن العامين الماضيين على وجه التحديد شهدا محاولات كثيرة لـتأليب الشعب المصري، وهناك محاولات كثيرة تمت لتحريك المصريين في هذا الاتجاه، غير أن الوعي الشعبي حال دون ذلك، لاسيما وأن الكتلة المصرية لديها قدر كبير من الفهم ولم تستجب أو تتحرك.
وشدد على أنه مادام المصريون متماسكين وعلى قلب رجل واحد فلا داعي للخوف أو القلق على المستقبل؛ لأنه ليس بوسع أحد أن يغلب دولة أو شعباً، مؤكداً أن مصر دفعت ثمناً كبيراً خلال الأعوام الماضية لكن المصريين تحملوا.
نجاحات دبلوماسية
وتحمَّلتْ الدبلوماسية المصرية منذ 30 يونيو مهام ثقيلة في ضوء مواجهة عددٍ من التحديات، يأتي في مقدمتها الشائعات التي تحاول جماعة الإخوان ترويجها في الغرب واستقواء عناصرها بالخارج، وكذلك مواقف بعض الدول الرافضة للتغيّرات السياسية التي شهدتها القاهرة.
واجهت الخارجية المصرية هذه التحديات برباطة جأش؛ لتعمل على أكثر من محور، مُحققة نجاحات هائلة حتى استأنفت سياستها الخارجية من جديد ونجحت في استعادة دورها. وفي هذا الإطار يرصد عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية رخا أحمد في تصريحات لـ«البيان»، أهم محطات نجاح الخارجية المصرية منذ 30 يونيو وحتى الآن، مؤكداً أن الدبلوماسية المصرية تحركت على عددٍ من المحاور الرئيسة لمواجهة ظروف صعبة؛ انطلاقاً من المواقف التي اتخذتها بعض الدول إزاء الثورة المصرية.
ويشدد على أن المحور العربي كان داعماً لمصر بعد بيان خريطة الطريق (3 يوليو 2013)، وبدأت عملية تنشيط واسعة للعلاقات المصرية العربية، لاسيما العلاقات مع الخليج الذي اتخذ مواقف داعمة للقاهرة، فضلاً عن تعزيز التعاون السياسي والاستراتيجي والعسكري كذلك من خلال المناورات العسكرية التي تمت بين مصر والدول الخليجية.
أما المحور الإفريقي فتحدث عنه رخا أحمد مؤكداً أن دولاً إفريقية كثيرة كانت لديها تحفظات على التطورات السياسية التي شهدتها مصر وتم إيقاف عضوية القاهرة في الاتحاد الإفريقي حتى نجحت الدبلوماسية المصرية في استعادة العلاقات وعودة مصر إلى الاتحاد عقب انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي..
كما شهدت الأعوام الأخيرة تبادل زيارات بين مصر ودول إفريقــــية ومـــشاركة مصر في العديد من الفعاليات الخاصة بإفريقيا من خلال المنظمات الإفريقية، وتم انتخاب مصر في مجلس السلم والأمن الإفريقي لمدة 3 سنوات؛ وجميعها شواهد تؤكد نجاحات الدبلوماسية المصرية في هذا المحور.
وأوروبياً، يؤكد عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أنه عقب اكتمال خريطة الطريق، توجهت مصر إلى أوروبا بزيارات ولقاءات عدة تم خلالها شرح أبعاد الموقف المصري وتوضيح الحقائق..
كما زار السيسي الكثير من الدول الأوروبية وتم تكوين تعاون ثلاثي بين مصر واليونان وقبرص في ترجمة لمصالح الدول الثلاث في البحر المتوسط، كما حرص قادة ومسؤولون أوروبيون على زيارة مصر ولقاء المسؤولين المصريين؛ ما يؤكد تدارك الدبلوماسية المصرية للأزمة.
ويرى أن القاهرة أبرمت صفقات سلاح واستثمارات مختلفة في مجال الطاقة مع دول أوروبية واستطاعت خلال السنوات الأخيرة تجاوز كل الأزمات.
وحول المحور الأميركي، يعتبر رخا أحمد أنه عقب اكتمال خريطة الطريق في مصر لم تجد واشنطن بداً من إعادة العلاقات إلى طبيعتها العادية مع مصر، خصوصاً في ضوء التعاون المشترك بين البلدين في شتى النواحي والمجالات؛ خصوصاً الاستثمارات والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب.