منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي وما بين مدينة قم في إيران وجبال صعدة شمال اليمن، ولدت حركة التمرد الحوثية، التي تسمي نفسها «أنصار الله»، وزاد من فاعليتها سياسية الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح في استخدام الجماعات الدينية والسياسية لضربها ببعضها، قبل أن يتحالف مع الحركة أخيراً للانقلاب على الحكم الذي أجبر على مغادرته بفعل ثورة شعبية لم يسبق للبلاد أن شهدتها.
عقب سنوات قليلة على قيام الثورة الإيرانية، أي مطلع الثمانينيات، توجهت أنظار الطامحين لإعادة حكم الأئمة في اليمن نحو طهران، والنظام الجديد هناك، بحثاً عن الدعم، وما إن حل العام 1985 حتى حط بدر الدين الحوثي الرحال في مدينة قم، المركز الديني الأبرز والأهم في إيران، ليتخذها مركزاً لإعداد خطته، ولإرسال واستقبال الشباب من محافظة صعدة، بعد تدريبهم وتأهيلهم فكرياً وعسكرياً واستخباراتياً.
وبفاعلية كبيرة، وصل العشرات من شبان هذه المحافظة، التي تركتها السلطة المركزية في صنعاء أسيرة نفوذ الفكر الإمامي، منذ إطاحة هذا النظام الذي كان يحكم شمال اليمن حتى العام 1962، حيث احتفظ قادة هذا الفكر بالنفوذ الاجتماعي والديني والسياسي طوال 50 عاماً.
وفي تحول مهم في مسار التنظيم السري لهذه الجماعة، استقبلت طهران في العام 1988 اثنين من أبرز الشباب المتحمسين لهذا الفكر، توليا بعد ذلك مهمة تأسيس أول كيان منظم لهذا التيار، وكان الجسم الذي قاد عليه حسين بدر الدين الحوثي تمرده، ومن بعده أخيه عبد الملك الحوثي، بتواطؤ واضح من نظام حكم المخلوع وتحالف لاحق مع هذه الجماعة، للانتقام من اليمنيين الذين ثاروا على حكمه، وهذان الشابان هما محمد عزان أمين عام منتدى الشباب المؤمن، ونائبه عبد الكريم جدبان، اللذان التقيا الخميني وعلي خامنئي وهاشمي رافسنجاني، وفق ما أقر بذلك عزان عقب خلافه مع عائلة الحوثي وانشقاقه عنهم.
وبعد العام 1990 عاد الرجلان لزيارة إيران مرة أخرى، وكان معهما محمد مفتاح والمرتضى المحطوري، وهما اثنان من أبرز دعاة الفكر الإمامي، إيذاناً ببدء النشاط العلني للتنظيم، ومع هذا النشاط عاد بدر الدين الحوثي من قم إلى صعدة، وتولى افتتاح الحوزات العلمية، لنشر الفكر الأمامي وتجنيد الاتباع.
وبالتوازي مع ذلك وخلال فترة بسيطة، تم تأسيس حزب الحق كونه واجهة سياسية للتنظيم ودخل نجله، حسين بدر الدين الحوثي مجلس النواب ومعه رفيقه في قيادة التنظيم السري عبد الله الرزامي كونهما ممثلين لهذا الحزب عن محافظة صعدة.
عمل تنظيم الشباب المؤمن على إقامة المنتديات والمعسكرات الصيفية في أكثر من منطقة، إلى جانب الحوزات العلمية، وكان بدر الدين الحوثي يضفي عليها الشرعية المذهبية، ويبارك جهودها، ويحض القبائل على تسجيل أبنائهم فيها.
وكان الشباب، وأغلبهم من صغار السن، يتلقون في هذه المنتديات والحوزات تعليماً مذهبياً متطرفاً قائماً على النقاء السلالي، والأحقية في الحكم، كما كانوا يجبرون على مشاهدة أفلام عن سقوط نظام الشاه في إيران، وكيف قامت ثورة الخميني، ويتولى قادة في التنظيم شرح مضامين تلك الأفلام وحض المتلقين على تمثلها، والاستعداد للتضحية والثورة المماثلة.
ومع نهاية حرب صيف 1994، قرر بدر الدين الحوثي العودة إلى قم، بسبب الخلافات حول أداء الحزب ومضايقة نظام حكم المخلوع له، بعد اتهامه بالتحالف مع خصومه، وما إن جرت الانتخابات النيابية في العام 1997 حتى خسر الرزامي وحسين الحوثي مقعديهما في البرلمان، وزادت الانشقاقات داخل الحزب، واتجه معظم المؤثرين في التيار الإمامي نحو منتدى الشباب المؤمن، الإطار السري للعمل، واستمروا في استقطاب صغار السن إلى الحوزات، التي يشرف عليها بدر الدين الحوثي حتى وصل مرتادوها إلى 15 ألف شاب في العام 2000.
وحظي المنتدى بدعم من نظام علي صالح، الذي كان ينتهج سياسية ضرب الجماعات الدينية والتيارات السياسية ببعضها، ورصدت موازنة سنوية من عائدات الأوقاف لصالح المنتدى الذي كان يتلقى رعاية شخصية من يحيى المتوكل، أبرز مساعدي الرئيس المخلوع ومستشاريه.
تدريبات
وخلال هذه الفترة أرسل المئات من الشباب إلى إيران ولبنان، لتلقي تدريبات عسكرية واستخباراتية وفنية في مجال الإعلام وإنشاء شبكات الاتصالات الخاصة، وصناعة المتفجرات.
ووفق الاعترافات، التي دونت في جلسات محاكمة أطقم سفينتي تهريب أسلحة إيرانية ونشطاء في الجماعة، كان هؤلاء يصلون إلى دمشق، ومنها ينقلون إلى إيران من دون ختم جوازات سفرهم حتى لا تعلم السلطات بدخولهم إلى إيران. كما كان آخرون يدخلون إلى بيروت، لتلقي تدريبات مختلفة في مناطق سيطرة حزب الله في الجنوب والضاحية الجنوبية، على يد خبراء من الحزب، وبمشاركة ضباط من المخابرات الإيرانية.
ومع زيادة الخلافات واكتمال الاستعدادات، استولى حسين بدر الدين الحوثي في العام 2000 على قيادة المنتدى، وخرج إلى العلن رافعاً شعار الثورة الخمينية الشهير، فيما انتقده آخرون باعتبار أن الوقت لم يحن بعد للعمل العلني، لأن من شأن ذلك أن يضرب الفكرة في مهدها، وهو ما تم في الحرب الأولى منتصف العام 2004 حين أعلن التمرد على السلطة المركزية، قبل أن تتمكن قوات الجيش من قتل حسين بدر الدين الحوثي وتسيطر على معقل التمرد والحوزات العملية.
ثورة
ومع توقف جولات الحرب في صعدة العام 2010 كان الحوثيون يسيطرون فعلياً، على ستة من معسكرات الجيش بكامل عتادها، كما حصلوا من مخازن وزارة الدفاع على كميات كبيرة من الأسلحة توازي ثلث ما لدى بقية الوحدات، وما إن تفجرت الثورة الشعبية ضد نظام صالح ومغادرته السلطة، حتى شرعت الأبواب أمام الحوثيين، للاستيلاء على معسكرات إضافية واستقطاب قادة عسكريين وأفراد وضباط إلى صفوف الجماعة، وانتقالهم إلى صعدة، للمشاركة في تدريب مليشيات الجماعة، بعد أن تلقوا تدريباتهم في إيران ولبنان.
وفيما كانت القوى السياسية منشغلة في مؤتمر الحوار الوطني، وتبادل الرؤى حول شكل الدولة، وإعادة المظالم ومعالجة آثار حروب الرئيس المخلوع في الجنوب وصعدة، كان الحوثيون يواصلون بناء معامل المتفجرات وتجميع الزكاة والأموال من سكان صعدة والمناطق المجاورة، ويتوسعون بهدوء في عمران وحجة، تحت مبرر صراعات قبلية بين مؤيديهم وآخرين يؤيدون حزب الإصلاح، حتى وصلوا مشارف مدينة عمران مطلع العام 2014 بعد أن طردوا الجماعات السلفية من صعدة.
ومع فتح قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، التي احتفظت بولائها الجهوي للرئيس المخلوع، الأبواب أمام اقتحام الحوثيين للعاصمة في 21 سبتمبر 2014، حتى استولت هذه المليشيات على كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة بينها الصواريخ الباليستية، وباتت تعمل بكل ما تملك من أجل استنساخ تجربة حزب الله وجيشه في اليمن.
1985
بدر الدين الحوثي يحط في قم الإيرانية
2000
الحوثيون يستولون على قيادة «منتدى الشباب»
2010
الحوثي يسيطر على 6 من معسكرات الجيش
2014
الحوثيون يطردون السلفيين من صعدة