الحرب السورية تفتك بالحياة العائلية وتصنع «مجتمع الأيتام»

مزقت الحرب السورية المجتمع السوري نتيجة الظروف القاسية وطبيعة الصراع المكلفة على المستوى الاجتماعي أو على المستوى فقدان الأطفال، سواء بالقتل أو الاستغلال أو التشريد. ويمكن القول إن الأطفال في سوريا، الدولة الثالثة على المستوى العالمي في انتشار «سن الطفولة» على الفئات العمرية، هم الخاسر الأكبر في هذه الحرب.

وأوضح بحث أجرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) ونشرت نتائجه مطلع الشهر الجاري، أن نحو مليون طفل سوري فقدوا أحد والديهم أو كليهما. والرقم ارتفع نحو 200 ألف يتيم مقارنة بإحصائية أجريت عام 2015. وبحسب البحوث العلمية والدراسات الحديثة فإن هذه الكارثة تعد أكبر من الأزمة السورية ذاتها.

ذلك أن مقياس تطور ونمو البلدان من طريقة تعلم الأطفال وطبيعة حياتهم. وحولت الأوضاع المتردية في سوريا، مع مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، عدداً كبيراً من الأطفال إلى أيتام، بعد فقد من يعيلهم، واضطرت الكثير من الأجساد الصغيرة إلى تحمل مشاق العمل في عمر مبكر، ما يعيق إسهامهم المنتظر في بناء مستقبل مشرق لبلادهم بعد الدمار الكبير.

جمعيات للرعاية

ورغم نشوء بعض الجمعيات لرعاية الأيتام في تركيا، إلا أنها لم تتمكن من تغطية الكارثة، وعلى سبيل المثال دعم «الملتقى الأول لاتحاد رعاية الأيتام»، في اسطنبول الأيتام وضحايا الحرب تحت شعار: «نحن لهم»؛ في سبيل دعم الأيتام السوريين وكفالتهم، إضافة إلى بحث سبل توسيع مشاريع الجمعيات الإغاثية المنفذة.

وقال الأمين العام لاتحاد رعاية الأيتام، صلاح الجار الله، إن 90 في المئة من الأيتام السوريين غير مكفولين، بينما تجاوز عدد الأيتام السوريين حاجز المليون يتيم.

ورغم أن المؤتمر خرج بكفالة عشرة آلاف يتيم، وعدد من المشاريع الخيرية، بعد عرضها على الجهات الراعية والداعمة، إلا أنها لا تمثل شيئاً قياساً بالأعداد المهولة التي أعلنها الاتحاد، التي تخطت حاجز الـ800 ألف يتيم، داخل وخارج البلاد.

انهيار الأسر

بدوره، قال الرئيس التنفيذي لمؤسسة سنكري الخيرية، عبدالرحمن ددم، في تصريح لـ«البيان»، إنه في العامين 2015 و2016 تكفلت الجمعية برعاية 15 ألف يتيم تضرروا من الحرب.

وأضاف أن الحرب أثرت بشكل كبير في الأسرة السورية، فهناك الكثير من الأمهات اللواتي فقدن أزواجهن لم يعد بإمكانهن إعالة الأبناء ما أدى إلى ترك أولادهن والزواج في بعض الأحيان أو الذهاب إلى بيت أهلها، وبالتالي نحن أمام أسرة مشردة مفككة غير متماسكة.

وأضاف أن العديد من الأسر تقاسمت الأولاد، ومنها هجرت أولادها بسبب ظروف الحرب والمعيشة، وهذا من أحد أكبر الأسباب الذي شكل ظاهرة التشرد وانهيار الأسرة. وأشار إلى أن الطفل السوري أمام هذه المعطيات الاجتماعية الصعبة، فمن السهل استغلالهم سواء جنسياً أو تجنيدهم في صفوف القتال، ذلك أنه ما من أحد يحمي هذا الطفل.

اللافت أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان ذكرت في تقارير سابقة، بمناسبة اليوم العالمي للطفل، أن السنوات الثلاث الأولى من الحرب في البلاد، واستهداف نظام الأسد للمدنيين، أسفرا عن مقتل 17 ألفاً و723 طفلاً في سوريا، وإصابة ما لا يقل عن 280 ألف طفل.

فيما بلغ عدد الأطفال المعتقلين في سجون النظام أكثر من 9500 طفل، وأكثر من 1600 طفل مختفٍ قسراً، بينما بلغ أعداد النازحين من الأطفال في الداخل أكثر من 4.7 ملايين طفل، إضافة إلى 2.9 مليون طفل لاجئ خارج البلاد، حرم أكثر من 1.3 مليون منهم من التعليم.

عمالة واستغلال

أما مسألة الاستغلال الجنسي وعمالة الأطفال، فيعتبر الجانب الأكثر فتكاً بالأطفال، ذلك أنه لا يحرم سوريا من هؤلاء الأطفال، بل يعمل على تخريب المجتمع من خلال تشويه سلوكيات الأطفال.

وبين تقرير لمنظمتي «اليونيسيف» و«إنقاذ الطفولة» أن المزيد من الأطفال بين اللاجئين السوريين في الأردن وتركيا يضطرون للعمل في المقالع والمخابز وصناعة الأحذية لإعالة أسرهم، ما يعرضهم لمخاطر كبيرة ويجعلهم عرضة للاستغلال الجنسي.

وبحسب التقرير فإن أطفالاً سوريين بعمر ست سنوات في لبنان يضطرون للعمل من أجل مساعدة عائلاتهم اللاجئة هناك.

وفي الأردن حيث يوجد أكثر من 440 ألف لاجئ سوري منذ خمس سنوات، تركوا بلادهم هرباً من الحرب، فإن في نصف العائلات التي شملتها الدراسة، يُعد الطفل معيلاً مهماً وفي بعض الحالات المعيل الوحيد لها في ظل فقدات أحد الأبوين.

إعادة بناء المجتمع

ويرى الطبيب النفسي وعضو الائتلاف الوطني السوري، الدكتور محمد الدندل، في تصريح لـ«البيان»، أن مضاعفات تشريد الأطفال والاستغلال الجنسي لهم لا تقل خطورة عن الصراع السياسي والعسكري الدائر في البلاد.

وأضاف أن المجتمع السوري بعد هذه الحرب، يحتاج إلى إعادة بناء قبل إعادة الإعمار الاقتصادي، خصوصاً على مستوى رعاية الأطفال، لافتاً إلى أن الجيل الذي سيبني سوريا هم الأطفال، وبالتالي لا بد من حماية هذه الطفولة.

ودعا إلى تكثيف الجهود الدولية لحماية الأطفال، وإنشاء العديد من رعاية الأطفال الأيتام، لحماية المجتمع السوري من التفكك والخراب. وأكد أنه من خلال عمله كطبيب نفسي، لاحظ أن النسبة الأكبر من المتضررين من هذه الحرب هم النساء والأطفال، مشيرا إلى أن السلوكيات العدوانية بدت واضحة على شريحة واسعة من الأطفال السوريين.

تجنيد وانتحار

وقد تجاوزت مأساة الأطفال السوريين هذه الحدود، وذهبت العديد من الفصائل المسلحة وعلى رأسها تنظيم داعش والنصرة إلى تجنيد الأطفال، واستخدامهم في العمليات الانتحارية، وغالبيتهم من الأطفال الأيتام.

وقال ناشط سوري من دير الزور، فضل عدم الكشف عن اسمه لـ«اللبيان» إنه من بين عشرة انتحاريين يجندهم التنظيم لتنفيذ عمليات، يوجد أربعة أطفال.

وأضاف أن مستوى استخدام الأطفال في العمليات الانتحارية ازداد في الآونة الأخيرة، بعد انخفاض عدد مقاتلي التنظيم، لافتاً إلى أن هناك معسكرات خاصة بتدريب الأطفال، ويعمد التنظيم إلى إخراجهم من المدارس وإنشاء معسكرات خاصة بهم.

وأشار إلى أن تنظيم داعش، من أكثر التنظيمات استخداماً للأطفال في الحرب السورية، وأن بعض العائلات ونتيجة الحاجة المالية وصعوبة الحياة، يرسلون أولادهم إلى معسكرات داعش، باعتبار أن كل طفل تقدمه عائلته يحصل ما بين 100 إلى 200 دولار شهرياً.

النجاة بالهجرة

وبينما يولي العالم المتحضر تربية الأطفال وعنايتهم أولوية اجتماعية وسياسية وحتى اقتصادية، فإن الأطفال في دول الحروب في الشرق الأوسط الأطفال بين قتيل ومشرد ومتسرب من مقاعد الدراسة، ليتحول الطفل الذي تُبنى عليه الأوطان مستقبلاً إلى ضحية الصراع ووقود لها في بعض الأحيان.

وفي سوريا التي تشهد أسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث، تتصدر مأساة الطفل المشهد إلا أنها تأتي في أسفل الأولويات على المستوى السوري أو على المستوى العالمي. وهذا ما دفع العائلات السورية إلى ركوب الأمواج والاتجاه نحو الغرب للنجاة على الأقل بأطفالهم، وتارة تنجح العائلة السورية بالفرار وتارة تتحول إلى مائدة لأسماك البحر.

هذا الطفل ذاته في سوريا، الذي يموت وربما يتحول إلى إرهابي تستغله الجماعات المتطرفة ويخضع لغسيل دماغ، هو ذاته الطفل الذي وصل إلى أوروبا وتلقى تعليما جيدا، ولفت أنظار الأوروبيين بتعلمه السريع.

ولعل قصة الطفل السوري نجيب ذي العشرة أعوام، الذي أتقن اللغة الألمانية في ثلاثة أشهر، وبات يتحدث بلسان ألماني بحت تحدى الألمان بلغتهم، قصة من قصص الأطفال السوريين الذين يحظون ببيئة تعليمية حسنة.

جيل كامل من أطفال سوريا ذهب إلى المجهول، خسر وطنه، فيما فقد كذلك الوطن في المستقبل، ذلك أن الطفل الذي ينمو في المدارس الأوروبية من الصعب تصور أنه سيعود إلى بلد مزقته الحرب، ورأى البراميل المتفجرة أمام عينيه.

وهز مشهد الطفل آلان الكردي على الشواطئ التركية غريقاً، بعد أن لفظته أمواج البحر، وكذلك صورة عمران الذي لفه الوجوم والصدمة الذاكرة الإنسانية في مختلف أنحاء العالم.

103

تكفلت هيئة الهلال الأحمر الإماراتي بـ103 آلاف يتيم موزعين على 27 دولة، وتبلغ القيمة الإجمالية لكفالة الأيتام بالهلال الأحمر 1.2 مليار درهم.

34

سلمت هيئة الهلال الأحمر الإماراتي مبلغاً بقيمة 34 مليون درهم للهلال الأحمر السوداني لكفالة 7692 يتيماً في مختلف ولايات السودان.

3900

تكفلت هيئة الهلال بـ3900 يتيم في الضفة وغزة بقيمة 3,5 ملايين دولار في عام 2016، معظمهم من الأيتام الذين فقدوا عائلاتهم جراء العدوان الإسرائيلي.

10

يشهد كل يوم تحول نحو 10 آلاف طفل في العالم إلى أيتام، بسبب الحروب، والنزاعات والجفاف، والأوبئة، والمجاعات، وعدد من الأسباب المشابهة بحسب تقرير دولي كشف أيضاً عن الكلفة الباهظة لعدم معالجة تداعيات الحرب ببرامج مدروسة.

100

تعد القرية العالمية للأيتام والقصر في دبي، أول قرية نموذجية من نوعها على مستوى العالم وتتسع لنحو 100 طفل من فاقدي الأبوين، وتأتي ضمن مبادرات دولة الامارات العربية المتحدة في المجال الإنساني.

2.2

وجدت دراسة لباحثين أن أطفال الجنود القتلى والجرحى في الحرب العالمية الأولى عاشوا أقل من أقرانهم بـ 2.2 سنة.

 

الأكثر مشاركة