يدرك الباحثون المتخصصون في شؤون الإرهاب أن المأساة التي شهدتها الجزائر خلال فترة «العشرية السوداء» لم تكن لتحدث لولا طاقة العنف التي تفجّرت على أيدى الإرهابيين الجزائريين الذين عادوا من أفغانستان. فهذا يمثل الجيل الأول من المتطرفين الذين عادوا إلى بلدانهم فيما بعد وأسسوا للجيل الثاني من الإرهابيين الذين زرعوا الخراب في عدد من الدول العربية مروراً إلى الجيل الثالث من الإرهابيين الذي تعتبر «داعش» الحضن الجديد له.
سافر الشبان الجزائريون المتأثرون بالمنهج السلفي إلى أفغانستان، ليقاتلوا الاتحاد السوفياتي، بعدما أقنعتهم الدعاية الدينية آنذاك حيث تلقوا تدريباً عسكرياً جيداً في المعسكرات وتكويناً فكرياً مقنعاً على ضرورة تغيير الأنظمة الحاكمة وهذا ما سعوا له حين عودتهم إلى بلدهم الجزائروكانت الأجواء عام 1992 مهيأة جداً لتبني العنف، فقد ألغى الجيش الانتخابات التشريعية التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ بأغلبية المقاعد، ودفع بالرئيس الشاذلي لتقديم استقالته، وتم تكوين ما سمي بالجيش الإسلامي للإنقاذ، الجناح العسكري للجبهة بقيادة مدني مزراق، بالتنسيق مع بقايا ما يسمى الحركة الإسلامية المسلحة، وهي الحركة التي تشكلت نواتها بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وبالتالي يؤدي تتبعها إلى تجلية جذور العنف في الجزائر وأسبابه.
وكانت المخابرات الجزائرية تمتلك قوائم مفصلة للجزائريين الأفغان منذ أن بدأت تتبعها لتحركاتهم في بداية الثمانينات، إلا أن امتلاكها لهذه القوائم، لم يُمكنها من إلقاء القبض عليهم، لسبب رئيسي وهو أن حركة المتشددين الجزائرية بكل اتجاهاتها، أرسلت مقاتلين إلى أفغانستان، بدءاً بمحفوظ النحناح، قائد حركة مجتمع السلم الراحل وعبد الله جاب الله، قائد حركة الإصلاح، فهذا الخليط عقد من مهمة مصالح الأمن الجزائري لإلقاء القبض على الجميع بسبب ضغوط التحالفات السياسية.
أول عمل إرهابي
وكانت أول عملية إرهابية للجماعات المسلحة في الجزائر (هجوم على موقع لحرس الحدود في قمار في الجنوب الشرقي للبلاد) في 1991. بعد عودة المسلحين الجزائريين من أفغانستان، وتشير معلومات أمنية إلى أن أول من أدخل تنظيم «الهجرة والتكفير» إلى الجزائر كان أصامير جبرين الملقب بـ«كمال» وهو أحد أبرز المتطرفين العائدين من الحرب الأفغانية. وحيث كان مسؤول تنظيم «الهجرة والتكفير»، وتولى في ما بعد إدارة ما اصطلح على تسميته «الجناح العسكري» للجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة.
ومن أهم العمليات التي نسبت إلى «أمير جماعة التكفير» منذ عودته من أفغانستان هجومه على منجم في ولاية جيجل تمت خلاله سرقة متفجرات. وتكررت العملية مرة أخرى في منطقة زرالدة، غرب العاصمة، حيث سرق متفجرات برفقة أول مجموعة مسلحة شكّلها، وكانت تضم كلاً من عريبي مراد، حطاب عبدالقادر، ومع تزايد الملاحقات الأمنية ضده، قرر «كمال» مغادرة الجزائر. واستقر في مدينة بيشاور الباكستانية إلى أن تمت تصفيته من قبل الجيش الباكستاني سنة 1995.
أمراء «المذابح»
في نهاية عام 1994 تولى إمارة الجماعة الإسلامية المسلحة جمال زيتوني أو «الأمير» المكنى بـ«أبو عبدالرحمن أمين» حيث قاد الجماعة إلى طرق- غير مسبوقة- في الإرهاب والإجرام الدموي العنيف، حيث أصدر العديد من الفتاوى التي تبيح قتل نساء وأطفال العاملين في الدولة، واستهدف بشكل خاص رموز الصحافيين والمثقفين الجزائريين. وكانت نهايته في 1996 على يد أتباعه، ليخلفه «عنتر الزوابري»، الذي كان أكثر وحشية منه ونفذت بقيادته الجماعة عمليات إبادة لأحياء أو قرى بأكملها، من بن طلحة إلى رايس إلى تفجيرات العاصمة، وطوال أكثر من ست سنوات عملت قوات الأمن الجزائرية على ملاحقته إلى أن تم القضاء عليه في 2002 ما مثل نهاية لأمير الإرهاب الدموي وبداية تحقيق المصالحة التي أثمرت بميثاق المصالحة الوطنية أسفر عن تسليم 200 مسلح أنفسهم للسلطات مقابل تدابير تسمح بدمجهم اجتماعياً.
وتلازمت مُطاردة السلطات الجزائرية لعدد من الأفغان الجزائريين مع الدعوة إلى تأسيس جبهة عالمية لمكافحة الإرهاب، وهو ما فشلت الجزائر في تحقيقه، حتى برزت معالمه بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن 2001، لذلك كان من المنطقي أن تُعلن السلطات الجزائرية دعمها الكامل للولايات المتحدة من أجل مكافحة الإرهاب.