أثارت فضيحة الفساد القطرية بشأن استضافتها مونديال 2022 غضباً رسمياً وشعبياً واسعاً في العالم، وبريطانيا على وجه الخصوص، حيث ظهرت مطالبات في مجلس العموم البريطاني بإجراء الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) تحقيقا مستقلا حول العمليات السوداء التي قامت بها الدوحة ضد ملفات الدول الأخرى، كما طالبت صحف وفعاليات شعبية بسحب «مونديال العار» من قطر، واستضافة بريطانيا للحدث الرياضي الكبير، في وقت أكد المعارض القطري الشيخ سلطان بن سحيم آل ثاني أن الفساد جزء أساسي من عقيدة تنظيم الحمدين، فيما ادعى الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، جوزيف بلاتر، أن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي تدخل سياسياً من أجل فوز قطر بحق استضافة كأس العالم 2022.
وفي أحدث تداعيات الفضيحة القطرية التي كشفت عنها صحيفة «صنداي تايمز»، طالب رئيس لجنة الثقافة والرياضة في مجلس العموم البريطاني ،الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بإجراء تحقيق مستقل في مخالفة قطر القوانين في حملتها لتنظيم نهائيات كأس عالم 2022. وقال داميان كولينز إن «المزاعم الخطرة»، التي نشرتها «صنداي تايمز» تتطلب تحقيقاً مستقلاً من قبل الفيفا من أجل إظهار الحقيقة. وأضاف في حديث لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): «إذا خالف القطريون القانون فلابد من معاقبتهم».
ضغوط لفتح تحقيق
في السياق، ذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» أن "الفيفا" يواجه ضغوطاً لفتح تحقيق جديد في عملية تقديم عطاءات تنظيم كأس العالم 2022، بعد أن أفرج أحد المبلغين عن وثائق تشير إلى أن أحد مستشاري الدولة في قطر خرق القواعد بهذا الخصوص.
وأظهرت الصحيفة البريطانية نقلاً عن «صنداي تايمز» رسائل البريد الإلكتروني التي حصلت عليها من أحد المخبرين، والتي تثبت أن المستشارين القطريين حاولوا التدخل في عروض منافسة استضافة نهائيات كأس العالم 2022 لنزعه من المنافسين الولايات المتحدة وأستراليا بشكل غير قانوني.
وقد أثيرت هذه الفضيحة الجديدة بعد عام من نشر تقرير حول العرض القطري لتنظيم كأس العالم، كشف أن قطر قد انخرطت في معاملات مشكوك فيها مع مسؤولي الفيفا. وتم إعداد هذا التقرير في عام 2014 من قبل مايكل غارسيا، المحقق الرئيسي في الأخلاقيات في ذلك الوقت، والذي أعرب عن قلقه بشأن السلوك وتضارب المصالح المحتمل من قبل بعض مسؤولي الفيفا الذين لديهم روابط مع عرض قطر. وقال كولينز إن غارسيا قال: «لقد كان من خيبات الأمل في التحقيق، حيث إنه لم يكن قادراً على التحدث مع المستشارين الذين عملوا على إعداد العرض».
ولم ترد رسائل البريد الإلكتروني لغارسيا كجزء من تحقيقه السابق، فيما قال الفيفا إن «تحقيقاً شاملاً» قد أجراه غارسيا بالفعل. ووفقاً لمتحدث فإنه «بشكل عام، يمكن تقديم الشكاوى المتعلقة بالانتهاكات المحتملة لمدونة الفيفا للأخلاقيات من خلال آلية الإبلاغ السرية الخاصة بالفيفا».
مونديال العار
في الأثناء، تفاعلت وسائل الإعلام البريطانية مع تقرير صحيفة «صنداي تايمز»، الذي تضمن فصلاً جديداً من فصول فساد مونديال قطر 2022، عبر قيام الأخيرة باستخدام عدد من الحيل غير النظيفة والعمليات السوداء، عبر عدد من شركات العلاقات العامة وعملاء سابقين في وكالة «سي آي أيه» الأميركية، وصولاً إلى الأكاديميين الجامعيين والإعلاميين، لضخ دعاية مزيفة حول منافسيها الرئيسين خاصة الولايات المتحدة وأستراليا، لخلق انطباع بأنه لا يوجد دعم محلي في هذه الدول لاستضافة المونديال.
وعنونت صحيفة «ديلي ستار» على صدر صفحتها الأولى: «إنجلترا ستستضيف كأس العالم 2022». وقالت الصحيفة إنه بعد الكشف عن مخالفة قطر للوائح وأنظمة الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، والتي تنصّ على قيام الدول التي تتقدم لاستضافة العرس العالمي الكبير بحظر أي تصريح شفهي أو كتابي من أي نوع سواء كان معادياً أم عكس ذلك حول الملفات المتقدمة أو الترشيحات. وأضافت الصحيفة أنه يجب سحب تنظيم مونديال قطر 2022، وأن بريطانيا قادرة على استضافة الحدث الكبير.
وقالت الصحيفة إن الرئيس السابق للاتحاد الإنجليزي لكرة القدم رئيس الملف الإنجليزي 2018، اللورد ديفيد تريزمان، أكد أن على الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» اتخاذ القرار بسحب المونديال من قطر. وشدد: «نحن في بريطانيا جاهزون للاستضافة ويجب عليهم أن يأخذوا هذا بعين الاعتبار».
غضب جماهيري
كما عبرت الجماهير الإنجليزية عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن غضبها الشديد من هذه الوثائق، التي تؤكد أن قطر قامت بأدوار قذرة لضرب خصومها من أجل استضافة كأس العالم. وقال أحد الجماهير: «سيكون من المناسب أن يتم سحب تنظيم كأس العالم من قطر، نحن من سننظم كأس العالم في إنجلترا».
وقال آخر: «ليس من حق قطر أن تستضيف كأس العالم، بريطانيا جاهزة للاستضافة»، بينما أكد آخر: «إنجلترا بإمكانها استضافة مونديال 2022 أفضل من قطر».
عقيدة الفساد
في السياق، قال الشيخ سلطان بن سحيم آل ثاني إن الفساد جزء أساسي من عقيدة النظام القطري، مشيراً إلى أن «فساد النظام في استضافة كأس العالم ليس إلا حلقة من حلقات الفساد الأعظم الذي يمارسه ويسيء لسمعة بلاده دولياً».
وأضاف الشيخ سلطان بن سحيم آل ثاني في تغريدات له على تويتر: «إذا كانت هذه المرة كشفت الأدلة والبراهين عن فساد جديد للنظام القطري في استضافة كأس العالم، فإن القضايا التي لم يتم كشفها أضعاف مضاعفة، والقادم أعظم لهذا النظام».
وتساءل: «هل توقعوا أن ينجوا من فسادهم في شراء الذمم؟!»، معرباً عن استغرابه قائلاً: «من يصدق 500 مليون دولار أسبوعياً كلفة استضافة كأس العالم 2022؟!».
وقال: «من يصدق: 200 مليار دولار الكلفة الإجمالية للاستضافة؟! ومن يصدق: هذه أغلى استضافة في التاريخ لكأس عالم؟!». واستطرد: «كل هذا الإنفاق المهول فقط من أجل نزوات النظام وليس لحاجة فعلية لبلادنا».
عودة المنبوذ
من جانب آخر، ادعى جوزيف بلاتر، الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، أن الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي تدخل سياسياً من أجل فوز قطر بحق استضافة كأس العالم 2022، وذلك مع تجدد الاتهامات ضد قطر بعد تقرير صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية عن لجوء الدوحة إلى «عمليات سوداء» لتشويه منافسيها.
وقال بلاتر عبر حسابه على «تويتر» إن «قطر متهمة بتشويه سمعة المنافسين الآخرين! الحقيقة هي أن قطر فازت بعد التدخل السياسي من قبل الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي لنائب رئيس الفيفا، (ميشيل) بلاتيني»، مضيفاً أن المعلومات المتصلة بالموضوع موجودة في كتابه «حقيقتي».
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يشير فيها الثمانيني السويسري إلى تدخلات سياسية حولت مسار التصويت لمصلحة قطر في ديسمبر 2010، بل إنه تحدث إلى القناة الرابعة البريطانية خلال كأس العالم الماضية قائلاً: عندما يموت عامل في أحد الاستادات يقولون: بلاتر هو المسؤول، أنا ليست لي علاقة، العامل حضر إلى تلك البلد بحثاً عن فرصة أفضل، وهذا شأن يتعلق بالدولة ذاتها وليس الاتحاد الدولي لكرة القدم. لماذا ذهب كأس العالم 2022 إلى قطر؟! هذا حصل بسبب التدخلات السياسية التي حولت مسار التصويت.
وفي يونيو من العام الماضي، فجّر جوزيف مفاجأة كبيرة عندما اتهم ساركوزي وبلاتيني بتغيير صوت فرنسا لمصلحة قطر، وقال في لقاء مع الصحافي الإنجليزي ديفيد كون: بلاتيني هو المُلام على ما حدث بعدما سحب الأصوات من الولايات المتحدة ومنحها إلى قطر، كان يتمتع بعلاقة جيدة مع ساركوزي، واستطاع قلب الطاولة لصالح قطر، ولم أكن مقتنعاً بأحقية قطر بالتنظيم، لكنني وثقت ببلاتيني، الذي أكد لي أكثر من مرة أنه سيحدد تصويته بناءً على ما يراه مناسباً.
وزاد: «أعرف أن هناك بعض المخالفات في بيع حقوق النقل التلفزيوني وخلافه، لكن لم أتصور أن يصل الأمر إلى شراء أصوات من أجل تنظيم المونديال، ساركوزي غيّر كل شيء، لقد طلب من بلاتيني البحث عن مصالح فرنسا والتصويت مع زملائه لمصلحة الملف القطري».
وكان بلاتر أشار في مقابلة له مع هيئة «راديو تلفزيون سويس» السويسرية العامة، في مايو الماضي، إلى أن «التدخل السياسي والمباشر لفرنسا» هو ما غيّر نتائج حق استضافة كرة القدم. وأوضح أن قطر «غيّرت وجه النتائج المتوقعة عندما طلب ساركوزي من بلاتيني وأتباعه التصويت لقطر»، مضيفاً أن «الصفقة حملت طابعاً صناعياً واقتصادياً وتجارياً».