للخيول العربية تاريخ عريق، يعرفه المتبحر في شؤون الخيول الأصيلة، وقد دخلت هذه الخيول ميادين الشعر العربي، لما لها من تأثير في ذاكرة الشعوب.

ولعل المستشرق الألماني كارل رضوان، كان من أوائل المستشرقين الذين بحثوا في أصول الخيول العربية، فقسم سلالاتها إلى ثلاثة أنواع رئيسة: الكحيلان، الصقلاوي، المعنكي. وتدخل ضمنها 20 فصيلة رئيسة، تتفرع بدورها إلى 240 فصيلة. أما فصائل الحصان العربي من جهة الأم، فقد أرجعها الباحثون إلى 23 فصيلة. لكن أزمات العالم العربي، ألقت بظلالها على كل مناحي الحياة، وطالت حتى الخيول، التي تعيش أسوأ مراحلها، بسبب عدم وجود البيئة الآمنة لها، فضلاً عن المتاجرة بهذه الخيول وتشريدها.

واليوم، يعاني قسم كبير من الخيول العربية من خطر الانقراض، بسبب الحروب في بعض الدول العربية، ولعل سوريا من أكثر الدول التي تعاني من هذا الخطر، علماً بأن سوريا تأتي في مصاف الدول التي تمتلك أرساناً نادرة من الخيول العربية. «البيان» سلطت الضوء على خطر انقراض الخيول الأصيلة، وتحدثت إلى أمير الدندل، أحد مربي هذه الخيول في سوريا، الذي قال إن انقراض هذه الأرسان في سوريا، نتيجة الحرب، يعتبر خسارة كبيرة للتراث الإنساني، حيث تعتبر هذه المخلوقات النبيلة، بنك دماء يستخدم في تحسين سلالات أخرى، وأغلب المهتمين في تهجين السلالات، يدركون أهمية الحصان العربي في عملية التهجين، لما يمتلكه من دماء نقيه.

تشويه النسل

وأضاف الدندل، صحيح أن الحرب عاثت بالخيول الأصيلة، إلا أن أصل المشكلة له جذور، فمنذ دخول منظمة «الواهو» إلى سوريا في تسعينيات القرن العشرين، وقعت هذه الخيول تحت رحمة التجار، ورواد سباقات المسافات القصيرة، وقلبت الأمر في عمليات التهجين، بدلاً من استخدام الفحول السورية في تحسين السلالات الأخرى، استوردت خيولاً من سلالات أخرى، واستخدمها رواد السباقات والتجار في عملية الإنتاج على الخيول الجزيرية الأصيلة، محاولة منهم لإنتاج سلالة أكثر سرعة في المسافات القصيرة، وتم التفريط بالميزة الأنبل في هذه الخيول، وهي نقاء الدم والسلالة.

ويوضح في الوقت ذاته، أنه على الرغم من هذا الاستثمار في الخيول العربية الأصيلة، إلا أن هناك مربين حافظوا على الدماء الأصيلة، واستمروا في الوفاء لمدرسة القدماء بحفظ الخيول العربية من أي دماء دخيلة، إلى أن جاءت الحرب، وعمّت الفوضى والدمار، ونالت الخيول نصيبها من الدمار، حيث سرقت أهم إسطبلات الخيول العربية في سوريا، ومنها مزرعة الجابري واليكن والعنبرجي في حلب، ومزرعة هشام غريب وإسطبلات وزارة الزراعة في دمشق، وغيرها الكثير، ما أدى إلى فقدان القسم الأكبر من خيل سوريا، وهناك سلالات لم يبقَ منها إلا رأس أو رأسان.

إعادة الإنتاج

المهتمون بالخيول العربية قاموا بالدور المنوط بهم بالحدود الدنيا، وحسب الإمكانات المتوفرة. وهنا يضيف الدندل: نتيجة هذه الظروف التي تحيط بالخيول الأصيلة، قمنا بتجميع تلك السلالات المهددة بالانقراض في مكان آمن، وإعادة الإنتاج، للمحافظة على هذا الإرث النبيل، ولكننا نعاني من نقص الخدمات البيطرية لتلك الخيول.

ويختتم بالقول: فقدنا قسماً منها لضعف الخدمات الطبية لها، ونوجه نداء بتقديم المساعدة لهذه المخلوقات اللطيفة، داعياً إلى وجود منظمات تعنى بالخيول العربية، من أجل الحفاظ على هذا التراث الأصيل، وكيلا يقع بيد المتاجرين بالتاريخ العربي الأصيل. ونتيجة للوضع المتأزم لواقع الخيول، اتجه مربو الخيول في سوريا، إلى تأسيس جمعية العزة في ريف حلب الشمال، من أجل تأمين الأدوية للخيول، وتسجيل كل الخيول الأصيلة، على أمل أن تكون هذه الجمعية، المكان الأخير لحماية هذه الخيول من الانقراض.