في مثل هذا التوقيت من كل عام، يستعد المزارع علي حسن عليلي لحصاد أرضه، وجمع ما تجود به من محصول بعد أشهر من العمل الدؤوب والمضني، لكنه هذا العام لن يجني إلا ربع مساحة مزارعه الخصيبة، أما الثلاثة الأرباع الباقية.
فقد تحولت بفضل ميليشيا الحوثي الإيرانية من حقول ذرة وسمسم وبقوليات، إلى حقول ألغام وموت، لا يتوقف عن حصد أرواح الأبرياء من سكان منطقتي العليلي والدنين شرقي مدينة الخوخة، ما اضطر أغلبهم إلى النزوح، ومنهم علي حسن (60 عاماً)، الذي تحدث لـ «البيان» عن معاناته ورفاقه المزارعين عن جرائم جماعة الحوثي الإيرانية، وقف متأملاً المساحات الممتدة باتجاه الشرق، وكانت تبدو شبه مجدبة وقاحلة، أشار إليها وقال بحرقة وأسف: «هذه أرضي، لم تكن هكذا قبل وصول الحوثيين، كانت جنة خضراء، وأصبحت الآن مخيفة، لا تطأها قدم ولا تقبل الحياة، فكل متر مربع فيه لغم حوثي، يتوعد من يمر فوقه بالموت».
كانت عيناه توشكان أن تذرفا الدمع، وهو يشاهد مرتع صباه وقد غدا بذلك الحال، لكنه تحامل على نفسه، وأخذني إلى قطعة أرض صغيرة بقيت سليمة، لم تمسها يد الحوثي العابثة، وقال: «هذا كل ما بقي لي».
خسائر
بعد تحرير مديرية الخوخة بأيام كانت الميليشيا، تجهز للمزارعون في القرى الشرقية من المديرية هدية، هي عبارة عن ترسانة من صواريخ الكاتيوشا وقذائف الهاون والهورزر، استمرت في القصف اليومي المكثف، واستهدفت معظم محاصيلهم، وتسببت بحرقها وإتلافها، يواصل علي حسن عليلي روايته لـ «البيان»، بالقول: «خسرت ما قيمته أربعة ملايين ريال من محصول السمسم وقصب الذرة والأعلاف، وعشرين رأساً من المواشي، ذهبت كلها نتيجة قذائف حوثية أصابتها مباشرة، فاحترقت مخازن المحصول بالكامل، ونفقت الأغنام، ولم أستطع تعويض خسارتي حتى الآن، لأن عشرين «معاد» من أرضي (ما يعادل 17 فداناً) مزروعة بالألغام».
أما المزارع سعد ذياب (50 عاماً) فقد خسر هو الآخر نصف أرضه في منطقة الدنين، بعد تلغيمها من قبل مليشيا الحوثي الإيرانية، وأشار إلى أنه يعتمد على الأثوار في الحراثة، لأن مالكي الجرارات يرفضون العمل في هذه المناطق الزراعية، بعد وقوع حوادث انفجار ألغام عدة، أودت بحياة العاملين وإعطاب آلياتهم.
تجويع ممنهج
يعتمد سكان القرى والأرياف التهامية في اليمن على الزراعة، كمصدر وحيد للدخل، ويعيش أغلبهم في عزلة عن المدينة، حيث يفضل الاكتفاء بحياته البسيطة بين حقوله ومواشيه، التي تكفيه هي الأخرى عن بؤس الحاجة والافتقار، وفجأة، وجد الآلاف من هؤلاء المزارعين أنفسهم وقد أضحو معدمين تماماً، يتربص بهم الجوع والتشرد، بعد أن سرق الحوثيون لقمة عيشهم، وطوقوهم بالموت من كل مكان، وسلبوا منهم مساحات زراعية واسعة في معظم مديريات الحديدة المحررة، لم تكن تطعم ملاكها وحسب، بل كانت أحد أهم مصادر الغذاء للشعب اليمني ككل.
فمنها تأتي أجود أنواع الذرة والتمور والفواكه والسمسم والحبوب الأخرى، وقديماً قال المثل اليمني «لو زرع الناس تهامة، لكفتهم إلى يوم القيامة»، ويبدو أن جماعة الحوثي سمعت المثل، وذهبت تطبقه بطريقتها، حيث غرست تحت كل شجرة لغماً.