ارتبط اسم منطقة الجاح التابعة لمديرية بيت الفقيه بمحافظة الحديدة، بالتمر ذي الجودة العالية وغابات النخيل والمزارع الخصبة، قبل أن يتحوّل اسمها إلى التعبير عن مدلولات مغايرة عنوانها المآسي والجراح التي بات مئات اليمنيين من أهالي المنطقة يعيشونها بعد تهجيرهم بقوة السلاح وفقدان الكثيرين منهم لأسرهم بسبب الألغام الأرضية والقذائف وعمليات الاختطاف والقتل المباشر الذي تنفذه الميليشيا.
يروي حسن عمر كشنه «60 عاماً» لـ«البيان» قصته التي تمثّل نموذجاً بسيطاً لمأساة بلدته الجاح التي لم يكن لها من ذنب سوى خضرتها الدائمة ونبضها بالحياة، ما أغرى ميليشيا الموت على اقتحامها دون سابق إنذار واتخاذها ثكنة عسكرية.
لقد أمضى حسن عمر على غرار سكان المنطقة جل سني عمره في قريته مذ كان طفلاً يافعاً يتنقل بين بساتينها الوارفة، ويحضر مواسم جني التمور وبيعها مع جده ثم مع والده الذي أورثه بستاناً كبيراً يحوي ألفي نخلة كانت مصدر دخله الوحيد.
تهجير
انقضت ميليشيا الحوثي قبل نحو عام على المنطقة وبدأت بطرد سكانها والتمترس في بيوتهم ومزارعهم.
كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحاً عندما كان حسن عمر يتأهّب للذهاب إلى نخيله وكله لهفة انتظاراً لموعد جني الثمار الذي اقترب كثيراً، قبل أن يسمع أصوات الرصاص الكثيف وصراخ نساء وأطفال من ناحية القرية، ليهرع مسرعاً إلى منزله ويرى ما لم يكن يخطر على باله، قيادي من ميليشيا الحوثي يقف هناك ويتابع عن كثب سير معركة عناصره مع النساء والأطفال، المسلّحون بملابسهم الرثة وبنادقهم الجاهزة للقتل بدم بارد، يلاحقون سكان القرية ويصرخون بهم ليغادروا البيوت فوراً، ومن حين لآخر يطلقون زخات من الرصاص بين أقدام السكان الهاربين ومن فوق رؤوسهم.
حمل حسن وزوجته أطفالهما ورحلوا مكرهين، قاطعين عدة كيلو مترات سيراً على الأقدام حتى شعروا أنّ المسافة تطاولت بهم وأبعدتهم عن مكان أنسهم وراحتهم وحياتهم الأثيرة، ليوقفوا ويقرروا المكوث هناك، في منطقة الطور، على مقربة من بيتهم، إذ كان الأمل يحدوهم في عودة قريبة.
قذيفة حوثية
نصب حسن عمر لأسرته بيتاً من القش، وبدأوا حياتهم الجديدة مترقبين انتهاء خطر الميليشيا، إلّا أنّ الخطر لاحقهم إلى مكان فرارهم، إذ اخترقت قذيفة حوثية سقف خيمة القش وانفجرت بجوارهم بينما كانوا يجلسون على مائدة الغداء.
يقول حسن: «بعد دوي الانفجار، سمعت زوجتي تصرخ لنجدتها، كان ابنيّ وأختهم قد غادروا الخيمة ولم يصابوا، وكانت طفلتيّ جودة وفاطمة بجواري على المائدة وزوجتي تجلس قبالتي، فجأة حدث ما يشبه الصاعقة الرعدية واختفت زوجتي وطفلتي في غبار كثيف، كنت أسمع الصراخ ولا أقوى على النهوض من الأرض، بقيت ممدداً على ظهري وبعدها سرحت في غيبوبة عميقة ظننتها الموت، أفقت بعد يومين في مستشفى «أطباء بلا حدود» في عدن.
لم يكن بجواري من أحد في المستشفى حتى ظنّنت أنني الناجي الوحيد، بدأت بالبكاء والصراخ فجاءني أحد أقاربي بفاطمة وجودة مصابتين في أنحاء متفرقة من جسديهما وجودة تعاني من ضعف في نظرها بفعل الانفجار ما زال يلازمها حتى الآن، كانت فرحتي برؤيتهما لا توصف، لكن عندما سألت عن أمهما عمّ الصمت كل من حولي ثم طلبوا مني الدعاء لروحها التي اختطفتها قذيفة الحوثي.