خليط من التناقضات هي دمشق، إنّها أكبر من أن تختزل في سبعة أبواب عتيقة، أو أن تختصر في أحياء وأزقة قديمة، ليست الغنية ولا الفقيرة، السعيدة أو الحزينة، فهي في منزلة بين المنزلتين.

لن تتردّد المدينة العتيقة في القرن الواحد والعشرين في كشف وجهها، ولن تستحي من أبرز معالم أخذتها عن محتلها الفرنسي، بل سترفل في شموخ واعتزاز وهي تنبىء عن هويتها الأموية التي منحتها صفة أهم عواصم العالم حينما كانت حاضرة الأمويين، فيما ستخبرك شوارعها الجديدة عن وجه عصري آخر لا يوازي ربما ما ابتكره معماريو العالم المعاصر، إلّا أنّه لا يمت بصلة بلا شك لعمارتها القديمة وبيوتها العربية المغلقة على نفسها.

ينطلق تجوالنا في المدينة العتيقة من سوقها الأشهر «الحميدية»، والذي مازال يحتفظ باسمه العثماني وآثار إسلامية مهمة ترجع لحقب تاريخية مختلفة. وبمجرد أن تجتاز قدماك باب السوق العريق ستجد نفسك في عالم آخر مختلف عن ذاك الموجود في الخارج، إذ لا مكان لضجيج السيارات هنا فالتنقل على الأقدام أو الدراجات الهوائية من دون التعرض لعوامل الطبيعة من برد قارس أو حر غائظ فالسوق بأكمله مسقوف، فيما تنقلك تعرجاته من تخصص لآخر، ففي سوق الحميدية وما يتبعه من أسواق فرعية يمكنك شراء كل شيء، كما درج المثل الشامي «من البابوج للطربوش»، وربما أكثر من ذلك، فللمائدة مكانها بين هذه المحلات، وتحديداً بالبزورية التي اشتهرت بروائح بهاراتها وألوانها المميزة.

يمكنك الوصول من سوق الحميدية إلى الجامع الأموي، وهو المسجد الذي أمر الوليد بن عبد الملك بتشييده. ورغم أن أبرز ما كان يميز الجامع العتيق صحنه الواسع ورخامه الناصع، إلّا أنّه مغلق في وجه الزوار منذ اندلاع الأحداث، إذ تقتصر الزيارة على الدخول لمكان الصلاة والممرات المسقوفة المحيطة بالصحن، فيما يمكنك من وراء سياج حديدي صغير رؤية خزانة قبة صحن الجامع الأموي، والتي تعتبر إحدى خزائن كتب التاريخ التي أنشئت في دمشق، أنشأها خالد بن يزيد الأموي، وكانت تحوي العلوم التي نقلها من القبطية واليونانية والسريانية في الكيمياء والطب والنجوم والجغرافيا وغير ذلك، والذي تناقلت كتب التاريخ حولها الكثير من القصص بعضها حقيقي وآخر من نسج الخيال. ويقول القائمون على المسجد، إنّ القبة كانت تضم المستندات والحجج الوقفية والأموال الخاصة، وصممت في العصر العباسي بسبعة أبواب وعليها سبعة أقفال وسبعة مفاتيح، لا يمكن أن تفتح الخزنة إلا بوجود المفاتيح السبعة، ولا يمكن الصعود إليها إلا بسلم وعليها حراس وهي حالياً فارغة، في فترة الترميم 1991 و1996 فتحت وتمّ ترميمها.