تعود قصة الناشط منصور الزيلعي، الذي كان يترأس مؤسسة حقوقية في تعز، إلى يوم اختطافه على يد ميليشيا الحوثي من منزله في مدينة الراهدة، التابعة لمحافظة تعز، وبدأت أعوامه العجاف في سجون لا ضوء أو رحمة فيها، في أول معتقل أدخل إليه وهو سجن مدينة الصالح شرقي تعز، وهي مدينة سكنية تحت الإنشاء، حولها الحوثيون إلى أحد أكبر المعتقلات التي تضم مئات من المعتقلين من تعز والمناطق المجاورة.
وفي معتقل مدينة الصالح، بدأت فصول المعاناة، فلا تهمة حقيقية يعتد بها وجّهت إلى منصور، على غرار الكثيرين سوى مخالفتهم الرأي، ليتعرّض لأبشع صنوف التعذيب.
نال منصور لقب «عميد الأسرى والمعتقلين»، إذ تنقّل خلال ثلاثة أعوام قضاها رهين الاعتقال، بين أربعة سجون مختلفة، تعرّض فيها للتعذيب النفسي والجسدي لفترات طويلة، لينتهي به المطاف كواحد من أقدم المعتقلين في سجون ميليشيا الحوثي.
ضحية
يعتبر الزيلعي واحد من آلاف الضحايا في سجون ميليشيا الحوثي، التي أقدمت على سجنه دون مراعاة لوازع من ضمير، وفي خرق بيّن للمواثيق والقوانين الإنسانية المحلية والدولية. يسرد منصور فصول مأساته لـ «البيان» وعلامات الأسى تغطي وجهه:
«لقد أحضروا جثة ابني الأكبر إلى معتقل كلية المجتمع في ذمار، بعد أن توفي في أحد مستشفيات صنعاء، بسبب معاناته مع مرض تجلط الدم، لقد منعني السجن من توفير الأدوية اللازمة له، ولم تسمح لي الميليشيا الحوثية بتوديعه بعد وفاته».
نظرة وداع
ويشير منصور إلى أنّ السجن الذي يقبع فيه من أسوأ السجون لاكتظاظه بالمعتقلين المدنيين وجرحى الحرب وجرحى التعذيب، ممن حرموا الاهتمام والرعاية الصحية. ويضيف منصور والألم بادٍ على محياه: «لم يسمحوا لي طوال فترة سجني برؤية ابني المريض، لم أتمكن سوى إجراء اتصال معه ولم يمر سوى يوم واحد حتى أتاني خبر وفاته».
لم تسمح الميليشيا الإيرانية للأب السجين برؤية ابنه، على الرغم من قيام الأسرة بحمل جثمان الففيد إلى بوابة سجن كلية المجتمع في ذمار. ظّن المشيّعون أنّ الميليشيا تستمح لأب مكلوم بإلقاء نظرة الوداع على فلذة كبده، إلا أنهم عادوا خائبين نحو منطقة الراهدة، ليواروه الثرى.
تنقّل منصور بين سجون الميليشيا فمن سجن الصالح إلى سجن الجند ثم سجن دار الرئاسة، ومن سجن إلى آخر عاش منصور الموت مرات ومرات.
قضى منصور ثلاثة أعوام قاسية في سجون الحوثي، قبل أن يتم الإفراج عنه في حالة يرثى لها، فقد ترك فيه التعذيب النفسي والجسدي آثاراً عميقة، ليبدأ رحلة أخرى يحاول فيها التعافي من الأضرار النفسية والجسدية التي تعرض لها، متعهداً أن يكرس وقته للبحث عن الحقوق المنزوعة للمعتقلين في سجون الميليشيا.