بعد عشرة أشهر من التلكؤ، يتحرك أخيراً ملف إعادة الانتشار في الحديدة، وبدأ تطبيقه خطوة إثر أخرى، رغم ألغام مماطلة ميليشيا الحوثي، وسعيها المستمر لعرقلته، ويفتح تحرك الملف آفاقاً جديدة للسلام في اليمن، من خلال الذهاب إلى المحادثات الشاملة، والتي ستناقش الحل السياسي للصراع وإنهاء الانقلاب.

ومع تثبيت نقاط الرقابة الميدانية على وقف إطلاق النار في خطوط التماس وسط مدينة الحديدة، استناداً إلى اتفاق استوكهولم، فإن الباب فتح لاستكمال تنفيذ بقية بنود الاتفاق، التي تبدأ بالتهدئة، ثم الانسحاب من الموانئ ومدينة الحديدة، وصولاً إلى تمركز قوات الطرفين خارج المدينة.

وفي ظل تمسك الشرعية بعدم الانتقال إلى المحادثات الشاملة مع ميليشيا الحوثي، إلا بعد استكمال تنفيذ بنود اتفاق استوكهولم بشأن انسحاب الميليشيا من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، ومن ثم الانسحاب من مدينة الحديدة ذاتها، وفتح المعابر، وعودة النازحين، فإن الأمم المتحدة تسعى لتحريك المياه الراكدة، بعد تعثر اجتماع فرق الرقابة الميدانية بسبب العوائق التي تضعها الميليشيا الحوثية.

ولأن جوهر اتفاق استوكهولم، هو خروج الميليشيا من الحديدة والموانئ الثلاثة، باعتبار ذلك أساساً للذهاب نحو عقد جولة مشاورات جديدة، فإن ميليشيا الحوثي التي تعمل بدأب من أجل إعاقة أي جهد للسلام، وتستثمر معاناة الملايين الواقعين تحت سيطرتها، لكن الاختراق الذي حققه فريق المراقبين الدوليين في هذا الجانب، أعاد آمال إحياء السلام.

الأمم المتحدة ترى أن إنشاء مركز العمليات المشتركة من ممثلي الطرفين، أدى بالفعل إلى انخفاض ملموس في انتهاكات وقف إطلاق النار، وأبدت ثقتها من أن العملية ستستمر، مع تأكيدها على أن إعادة نشر القوات، هي أساس اتفاقية الحديدة، وأنها ستظل محور التركيز الأساسي، وهو أمر أكد عليه المبعوث الدولي، مارتن غريفيث، في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن.

حيث شدد على أن الأطراف في تلك اللجنة، ستضمن تقدماً ثابتاً نحو أهداف الاتفاق الذي تم التوصل إليه في السويد، وهو أمر أساسي لنجاح واستدامة البرنامج الإنساني في اليمن.

ولم تقتصر العوائق التي تضعها الميليشيا على استكمال عملية إعادة الانتشار، لكنها استمرت في منع الفريق الأممي من فحص خزان النفط العائم «صافر» في ميناء رأس عيسى، والذي يحوي نحو مليون برميل من النفط الخام منذ 2015 بلا صيانة، وأصبح الخزان العائم، تهديداً خطيراً للبيئة.

وفشلت كل المشاورات التي أجرتها الأمم المتحدة مع الميليشيا بهذا الشأن، وهو أمر أقر به الأمين العام المساعد للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، وتمنى أن تفتح المناقشات الأخيرة مع الحوثيين، الطريق أخيراً لتجري الأمم المتحدة تقييماً لخزّان النفط «صافر»، الذي يشهد وضعه تدهوراً.

الميليشيا، ورغم التحذيرات المتتالية منذ تسعة شهور من وقوع كارثة بيئية وإنسانية كبرى في البحر الأحمر، تتجاهل طلبات الأمم المتحدة، التي تنتظر بفارغ الصبر إمكانية تقديم المساعدة للخزان العائم.

وفي موازاة ذلك، اتجهت الأمم المتحدة نحو تحريك ملف الأسرى والمعتقلين، بالتوازي مع الجهود التي يبذلها كبير المراقبين الدوليين لاستكمال تنفيذ اتفاق إعادة الانتشار في مدينة وموانئ الحديدة.

وإذ أكدت مصادر سياسية أن زيارة رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بيتر مورير، إلى اليمن الأسبوع الفائت، كانت بهدف تحريك ملف الأسرى والمعتقلين، في ضوء إفراج الميليشيا الحوثية عن 290 من المختطفين لديها.

فإن الرجل يجري اتصالات مع الشرعية والميليشيا، بهدف عقد اجتماع آخر للفريق المعني بملف الأسرى والمعتقلين، على أمل أن يتمكن من تحقيق أي تقدم في هذا الجانب، من شأنه أن يؤدي إلى بناء الثقة، والتمهيد للمشاورات التي تخطط لها المنظمة الدولية.

ووسط تحركات دولية وإقليمية للدفع باتجاه إجراء جولة مشاورات شاملة للحل السياسي في اليمن، تبين إفادة المبعوث الدولي، أنه، وخلال هذا الشهر، أبدت الأطراف التزامها القوي بإيجاد بعض التفاهم بشأن التدابير التي من شأنها تخفيف معاناة الشعب اليمني، ما يشير إلى أن هناك علامات أمل يمكن رؤيتها بوضوح، وفرصاً يمكن اغتنامها، لكن غريفيث أقر في الوقت ذاته، بالتحديات والصعوبات المقبلة.