بلهجة الواثق من نفسه ومعلوماته،زعم الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان،أن هناك مليون ليبي من أصول تركية يستحقون دعمه والتدخل لنجدتهم والوقوف إلى جانبهم.
هو بذلك يحاول إقناع شعبه بأن حوالي 18 % من الشعب الليبي ينحدرون من القومية الطورانية،وبتلك المغالطات يضع أردوغان ،الذي رفض إرجاع مبلغ مليون دولار استلمها على حساب المواطن الليبي المغلوب على أمره عندما قبل استلام جائزة القذافي لحقوق الإنسان في ديسمبر من العام 2010 عندما زار طرابلس، نفسه محل سخرية.
وظهر التحول في موقف أردوغان ضد النظام الليبي بعد شهرين من اندلاع الأحداث الدامية، عندما زاره في مكتب القيادي الإخواني علي الصلابي.
وطلب منه التدخل لدعم المسلحين،وما إن تم الإعلان عن سيطرة ميليشيات الإسلام السياسي على طرابلس، حتى اتجه أردوغان إلى طرابلس ثم إلى مصراتة للتأكيد على أنه جاهز لتقديم الدعم للسكان المحليين من أصول تركية، ما جعل الكثير من الأصوات ترتفع محذرة من إمكانية أن تتحول تلك الأقلية إلى حصان طروادة الذي يستعمله الأتراك في العودة إلى ليبيا، كما حدث سابقاً في العراق وسوريا.
جنود عثمانيون
تشير الإحصائيات إلى أن عدد الليبيين من أصول تركية لا يتجاوز 300 ألف نسمة، منهم حوالي 160 ألفاً في مصراتة التي يبلغ تعدادها السكاني 550 ألف نسمة، ويتوزع البقية بين مدن أخرى كالعاصمة طرابلس وزليتن والزاوية والخمس وتاجوراء ومسلاتة وغريان ( وجميعها في غرب البلاد ) والمرج ودرنة ( في الشرق )، ويطلق عليهم إسم الكراغلة أو الكراغلية والكول أوغلية.
وتعود جذورهم إلى الجنود الإنكشاريين الذين دخلوا البلاد مع بداية الغزو العثماني في العام 1551، والذين تم تزويجهم من نساء ليبيات.
كما حدث في دول أخرى مثل تونس والجزائر، وهم ليسوا أتراكاً بالمجمل وإنما ينتمون إلى قوميات مختلفة من وسط آسيا وشرق أوروبا، كانوا قد تعرضوا للإختطاف من أسرهم وهم أطفال لتتم تربيتهم وتدريبهم في معسكرات السلطان العثماني وتحويلهم إلى قوة عسكرية ضاربة، وقد تربى الكراغلة في مجتمعات حضرية، وعرفوا كيف ينسجموا مع أغلب الظروف التي مرت البلاد،عكس القبائل البدوية التي تمثل أغلبية السكان.
والتي دخلت في حروب لا حصر لها سواء مع الاحتلال العثماني أو مع الاحتلال الإيطالي، ما جعل نسبة كبيرة من أفرادها تهاجر البلاد في موجات متتالية إلى دول الجوار كمصر وتونس والجزائر والنيجر ومالي وتشاد والسودان ونيجيريا وغيرها، حتى أنه يمكن الحديث عن حوالي 50 مليوناً من أصول ليبية موزعين في تلك الدول منها 20 مليوناً في مصر لوحدها، بينما لا يتجاوز عدد الليبيين داخل بلادهم سبعة ملايين نسمة.
الإسلام السياسي
كانت مدينة مصراتة الأكثر حظاً بين المدن الليبية في عهد القذافي الذي كان يعطف عليها بسبب إيوائها إياه في العام 1962 وهو طالب مطرود من مدينة سبها في الجنوب، بسبب مواقفه الداعمة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر على إثر إلغاء الوحدة بين مصر وسوريا.
وكذلك نتيجة انطلاقه منها في تموين خلايا المعارضة لنظام الملك إدريس السنوسي، إضافة إلى ولائها المعلن لنظامه، ما جعلها تحتل المرتبة الأولى بين المدن الصناعية في البلاد،ويحظى رجال الأعمال فيها بثقة الحكومة بما منحهم فرصة الحصول على قروض ضخمة.
وفي العام 2011، كان المستفيدون من النظام وخاصة من رجال الأعمال من أول المتمردين عليه، وصادف أغلبهم من الكراغلة، كما أن أغلب قادة الإسلام السياسي ينحدرون من الأصول التركية، ومن بينهم علي الصلابي وشقيقاه أسامة وإسماعيل، ومحمد صوان رئيس حزب العدالة والبناء الإخواني.
وعبد الرحمان السويلحي رئيس المؤتمر الوطني العام السابق، ووسيم بن حميد مؤسس مجالس شورى المجاهدين في شرق البلاد، وفتحي باشاغا وزير الداخلية الحالي في حكومة السراج والذي كان من قادة الميليشيات في 2011، وصلاح بادي الذي قاد منظومة فجر ليبيا في 2014، وغيرهم.
وما إن انطلقت أحداث فبراير 2011 حتى شهدت مصراتة تأسيس أول كتيبة من المتشددين والمتطرفين، وهي كتيبة الفاروق التي ضمت أكبر عدد من منتسبي تنظيم القاعدة في المدينة، ثم تعددت الميليشيات التي سّلمت إمرتها لعناصر إرهابية، بينما اكتفى الإخوان بالتخطيط وبتوفير التمويلات والأسلحة والغطاء الإعلامي
الهوية القبلية
وعند الإطاحة بنظام القذافي، عملت قوى الإسلام السياسي وبعض الأفراد من الأقلية ذات الأصول التركية إلى تحويل صراعها من الحرب ضد النظام، إلى الحرب ضد الهوية القبلية البدوية التي سعى القذافي إلى تكريسها في ظل حكمه.
وهو ما يمكن أن نفسّر به استمرار ولاء القبائل للنظام السابق ثم دعمها للجيش الوطني الذي يقوده المشير خليفة حفتر إبن قبيلة الفرجان الشهيرة، في مواجهة ميليشيات الإخوان ومن يقف وراءها من أتباع تركيا عرقياً وثقافياً ممن يرون أن زمن قبائل ليبيا قد انتهى، وأنهم أولى بالحكم والسيطرة على السلطة والثروة والسلاح وهو ذات الموقف الذي وجد صداه لدى أردوغان.