اشتراك الناس في المصاب خلق بينهم وحدة من نوع ما، وطبيعة فيروس كورونا سريع العدوى لعبت دوراً في جعل الفرد يرى أنه جزء من مجموعة عليه أن يحافظ على سلامتها، إن لم يكن ذلك لأسباب عاطفية إنسانية فإنه واقع مفروض بأنك سوف تصاب إن أصيب من حولك.
محمد المشرة، شاب يمني كان يحلم كأي شاب بأن يقيم حفل زفافه ويحضره جميع أهله وأصدقائه ليشاركوه فرحة العمر، وبعد أن قام بالترتيب لأشهر من أجل هذا اليوم المنشود جاءت الأقدار مخالفة لما أراد محمد بسبب الجائحة التي اجتاحت العالم.
فيروس كورونا أجبر السكان على الدخول في حالة من الحجر المنزلي كإجراء احترازي من هذا الوباء، وأقرت السلطات في اليمن إيقاف جميع الحفلات والتجمعات وصالات الأعراس خوفاً من تفشيه في البلد الذي يعيش ويلات الحرب منذ 4 أعوام.
تبددت أحلام وطموحات محمد بفرحة العمر في هذا التوقيت والعالم يعيش أسوأ أزمة صحية منذ عقود طويلة، حيث تجاوز عدد المصابين بفيروس كورونا 600 ألف حالة فيما تخطت الوفيات 30 ألفاً حتى اليوم، وهذا ما أجبره على إيقاف مراسم عرسه.
وقف العريس أمام خيارات صعبة من بينها المخاطرة بدعوة أصدقائه ومحبيه إلى حفل عرسه وتجاهل التحذيرات من خطر التجمعات، لكنه اختار التضحية بفرحة عمره من أجل سلامة مجتمعه واختار القرار الصعب وهو إقامة الزفاف وحيداً بعيداً عن التفاف أصدقائه وأهله ومحبيه واكتفى بأن يستقبل تهانيهم عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك».
وبهذا ابتكر محمد طريقة فريدة ليعيش الفرح بتفاصيله مع أصدقائه ومحبيه وأوسع من ذلك بعمل عرسه على موقع التواصل الاجتماعي، وأعلن ذلك في صفحته على «فيس بوك» إنه خوفاً من تفشي وباء كورونا وخوفه على أصدقائه وأهله من ذلك قرر أن يقوم بعمل حفل زفافه وحيداً وعلى بث مباشر على موقع «فيس بوك» ودعا الجميع للمشاركة.
وفي موعد عرسه قبل أيام أطل إلى الناس وحيداً من غرفته التي زينها وافتتح بثه المباشر بأغاني وأهازيج الأعراس، وتحدث إلى أصدقائه ومتابعيه واستقبل التهاني والتبريكات وكذلك الهدايا من أصدقاء وشركات تجارية تعبيراً عن حبهم وتقديراً لوعيه وحرصه الكبير على سلامة المجتمع وأمنه الصحي.
يقول محمد لـ «البيان» إنه كان يتمنى أن يعيش فرحة العمر مع أهله وأصدقائه، ولكن الأقدار حالت دون ذلك، إلا أنه نال الفرح والسعادة بعمل تفاصيل فرحه في بث مباشر امتزج بالتهاني والتبريكات وأغاني الزفاف، وإن الفرحة خرجت من الفضاء الصغير إلى الفضاء الكبير العالمي على حد وصفه، وبدلاً من أن يحضر عرسه العشرات حضره الآلاف من حول العالم.
وأضاف «المتباعدون من حول العالم تعاملوا معه بإنسانية وأغرقوه بالتهاني التي أنسته وحدته، وهذه فرصة ليبعث لهم من خلال "البيان" رسالة شكر لكل إنسان شارك في هذا الفرح النوعي وتمنى أن يَسلم عالمنا ووطننا والناس جميعاً من الأوبئة، وأن يصبح العالم جيداً ولطيفاً يهتم بالإنسان أولاً وأخيراً.
عبدالحكيم مغلس وهو أحد الذين حضروا العرس على البث المباشر قال: "إنها شجاعة كبيرة من محمد تعكس إحساساً عالياً بالمسؤولية من قبله، فمناسبات كهذه، الأصل فيها أن يحرص العريس على جمع أكبر قدر من الأصدقاء حوله لتكتمل فرحته، لكنه فضل سلامة الجميع على فرحته الشخصية، نتمنى أن يستشعر الجميع هذه المسؤولية وأن يحذو حذو محمد.
أما عمر الحميري وهو كذلك أحد الحاضرين فتحدث لـ«البيان» قائلاً: "أطل علينا محمد من خلال البث وفي صوته شجون وفرح مملوء بحزن المحب لمجتمعه، وكان لفعله دوي كبير وتأثير إيجابي ورسالة عملية حول استشعار المسؤولية سبقت في تأثيرها كل رسائل المنطق وحملات التوعية، ومحمد يمثل نموذجاً للشاب الواعي المحب لوطنه ومجتمعه أراد أن يكون فرحه مصدر سعادة لا عدوى".
هذه قصة شاب من اليمن امتلأ عقله بالوعي والنضج وامتلأ قلبه بحب مجتمعه، ولذلك مازال اليمن على أمل بالخير والنجاة بمثل هذه الروح العظيمة ووعي أبنائه وتراحمهم وحبهم لبلادهم سيعود اليمن السعيد.