ودعت اليمن رجل الاعتدال والتوازنات، والمرجع القبلي البارز سنان عبدالله أبو لحوم، عن عمر ناهز 100عام، بعد سجل حافل بالعمل الوطني، والتأثير الكبير في مجريات السياسة وعلاقاته مع جيرانه، حيث اختار العزلة الاختيارية بمنزله في العاصمة المصرية القاهرة طوال السنوات الماضية. يعتبر أبو لحوم أحد أبرز رموز الجمهورية وأحد كبار مشايخ قبيلة بكيل، إذ ينحدر من بلدة نهم شرق صنعاء، وسكن في منطقة وراف بمحافظة إب، وانضم لصفوف المعارضة لنظام حكم الأئمة، وانتقل إلى جنوب البلاد، وبقي هناك إلى حين قيام الحكم الجمهوري، فيما تولى مناصب عدة في عهد الجمهورية، آخرها محافظ محافظة الحديدة في عهد الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي، ليعتزل بعدها العمل الحكومي.
عاد أبو لحوم إلى صنعاء بعد قيام الثورة في شمال اليمن، وشارك في الدفاع عنها، وعُيّن نائباً لرئيس مجلس الشورى وظل في الموقع لأيام، إذ غادر العاصمة ليقود حملة عسكرية لإخضاع مناطق التمرّد في محافظة صعدة، حيث كانت فلول نظام الإمامة قد تجمعت هناك، وعُيّن بعد ذلك سفيراً في الصين، إلّا أنّه عاد إلى صنعاء برفقة المشير عبدالحكيم عامر وزير الدفاع المصري الراحل، وشارك في فك الحصار عن القوات المصرية في عدد من المناطق اليمنية. وعُيّن أبو لحوم عضواً في مجلس الرئاسة في العام 1964 بعد تشكيله من ثلاثين عضواً، اثنا عشر عضواً من المشايخ، واثنا عشر من الضباط، وخمسة من المثقفين المدنيين، ثمّ وزيراً للزراعة بعد ذلك، ليستبعد بعدها من التشكيل الوزاري بعد تصاعد الخلاف بينه والرئيس عبدالله السلال. وفي العام 1967، عُيّن أبو لحوم محافظاً لمحافظة الحديدة، وظلّ يشغل المنصب حتى العام 1974، ليستقيل ويعيّن مساعداً للرئيس الحمدي للشئون المالية، ليعتزل بعدها العمل الحكومي ويتنقّل بين الدول الأوروبية حتى وصول الرئيس الراحل علي عبد الله صالح إلى الحكم. وباعتبار معارضته الحرب بين شطري اليمن في العام 1979، فقد شارك أبو لحوم في مؤتمر المصالحة بين الشطرين، والذي ترأسه الرئيسان علي عبدالله صالح وعبدالفتاح إسماعيل، فيما حضر توقيع إعلان الجمهورية اليمنية.
ويشير الأستاذ الجامعي، عبد الكريم قاسم إلى أنّ انسحاب سنان أبو لحوم من السلطة كان على غير عادة أقرانه في النخبة السياسية، وهو في قمة مجده السياسي وفاعليته وحضوره القوي في الأوساط القبلية والمدنية والعسكرية، مشجعاً بذلك الزعامات التقليدية المتصارعة في العهد السابق على التخلي عن السلطة للجيش، باعتباره القوة الأكثر تجانساً وقدرة على إخراج النظام السياسي من مأزقه وفرض الاستقرار في البلاد، ومع ذلك لم يسلم من أذى السلطة، الذي طاله بأشكال مختلفة. وعرف عن الراحل، وقوفه إلى جانب توطيد علاقات اليمن بجيرانه، ورفضه أن يكون اليمن خارج إطار منظومة الأمن والتعاون في الجزيرة العربية، فضلاً عن مواقفه المناهضة للصراعات الداخلية، ورفضه الصريح حرب صيف 1994، واتخاذه موقفاً مناهضاً لاستهداف المعارضين لحكم الرئيس السابق، وبذله جهوداً كبيرة في سبيل المصالحة بين الأطراف المتصارعة.