يرى باحثون اجتماعيون وقانونيون في العراق أن إطلاق تسمية «السانيّة» على الكثير من العادات والتقاليد العشائرية بالبلاد، جاء للتمييز بينها وبين العمل بالسنّة النبوية، والسانيّة هي بالأساس مجموعة من التقاليد العشائرية، التي يرى البعض فيها نوعا من التخلف.

فيما يعتبرها آخرون تمثل ضرورة اجتماعية مهمة لفض النزاعات المختلفة، وفرض الأمن بتطبيق بعض الأعراف الموثقة عشائريا، والتي تتعارض أحيانا مع حقوق الإنسان، الا أن «السانيّة» تعتبر موروثا اجتماعيا يتطور باستمرار لبسط النظام بالتراضي.

ويصف مدير شؤون العشائر في محافظة المثنى محمد ناصر حسين «السانيّة» بأنها موروث عشائري يعبر عن العادات والتقاليد المتوارثة، وقسم منها دونت كاتفاقيات رغم مخالفة بعضها للقانون ومتضادة معه أحيانا، وهي كموروث غالبا لا تخدم المصلحة العامة.

ويوضح للوكالة الوطنية، مثلا.. دية القتل 3 نساء لأهل المقتول، وتلك مخالفة قانونية وضد حقوق الإنسان، والكثير من السواني لا تتطابق مع القانون، فالمجتمع العراقي تحكمه القوانين والدستور. والأعراف العشائرية وضعت في ظروف معينة لتساعد على الترابط الاجتماعي، بينما السانيّة نافذة المفعول، ولا تستند للدستور، فقد سبقت وضعه.

والأعراف تخدم مصلحة العشيرة، وبديّة النساء لأهل المقتول، تزيد اللحمة العشائرية وتمتن جسور التواصل، وتعد عاملا مساعدا للقضاء على الفتنة أو حوادث القتل المروع، لكن هذه القضية تتنافى مع حقوق الإنسان والدستور.

ويلفت إلى أن «السانية» تعتبر مخرجا للعديد من الازمات، وهي مطبقة لدى جميع العشائر، والقضاء العراقي يطالب بالتدخل لفض النزاعات العشائرية التي تحدث، وهي بحكم الشرع والقانون مقبولة، لأنها تستند إلى التراضي.

والتواصل لمد جسور العلاقة بين المتنازعين، سواء بتنازل أحدهم عن حقه للآخر أو منحه جزءا من حقه، فذلك التراضي جائز بالشرع والقانون والسانيّة العشائرية، التي باتت في تطور مستمر وتغير دائم تبعا لمتطلبات الحياة، والتطور الذي يحصل في المجتمع والتكنولوجيا ووسائل الإعلام والحداثة.

تشريع بريطاني

يقول عميد كلية القانون بجامعة المثنى الدكتور خليل إبراهيم الاعسم، كان القضاء العشائري قبل الاحتلال البريطاني يقوم على أسس وأحكام خاصة في الدعاوى المدنية والجزائية التي تحدث، وكان هناك أصول متبعة في كيفية التحقيق الموروث، واتباع أساليب قضائية تتسم بعدم الانحياز.

وعندما احتلت القوات البريطانية اغلب مناطق العراق، تذرعت بحجة أن القانون الذي أصدرته لا يمكن تطبيقه في المناطق العشائرية، وان الحكام من السياسيين كانوا بحاجة إلى صلاحيات خاصة للبت في القضايا الحقوقية في مناطقهم.

ولتلافي ذلك الوضع أقدم المعتمد السامي البريطاني هنري دوبس على وضع نظام يماثل نظام جرائم الحدود الهندي الذي وضعه روبرت ساندمان في بلوشستان وأطلق عليه نظام دعاوى العشائر المدنية والجزائية، وصدر أول مرة باللغة الانجليزية سنة 1916، ومنح الحكام صلاحيات تشكيل مجلس عشائري يحكم بموجب العادات في جميع القضايا التي يكون فيها احد المتنازعين من أبناء القبائل.

وللحاكم السياسي الكلمة النهائية في جميع الأصول التي يحكم فيها، ومن حقه إعادة النظر في القضايا والمصادقة على قرارات المجلس العشائري أو اهمال أي قرارات.

وتتضمن دعاوى العشائر سبعة أبواب و62 مادة، شاملة العقوبات لدى العشائر، وهناك موضوعان أساسيان يتناولهما النظام، الأول الدعاوى وكيفية حسمها، والثاني الإحكام الانضباطية الضرورية لتأديب المخلين بالأمن، والمواد لم تحتوِ رسوما أو تبليغات، ويتحكم العرف العشائري في موضوع الحق الشخصي.

وقد أدت قلة المصادر العرفية المكتوبة إلى إفراز بعض القوانين التي تنص على الأخذ بالعرف ومنها قانونا العقوبات البغدادي وأصول المحاكمات الجزائية البغدادي. وأقرالقانون الأساسي العراقي لعام 1925 الأخذ بالعرف العشائري بما يؤكد أنه مصدر قانوني ملزم في القضايا المدنية الجزائية.

والهدف من ذلك إقرار الأمن بالمناطق العشائرية وإرضاء أفرادها وجعل رؤساء القبائل يمارسون إدارة شؤونها، مع حاجة الحكام السياسيين بعد احتلال المناطق الوطنية إلى سلطات خاصة تمكنهم من البت في القضايا الحقوقية والجزائية بمناطقهم. وما أشبه الليلة بالبارحة.