في حفل تخرج طلاب وناشطين أميركيين من أصول أفريقية في جامعة هاورد في العاصمة واشنطن الأسبوع الماضي، استحضر الرئيس الأميركي الأسود باراك أوباما تاريخ حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، ونضالها المرير على مدى عقود من أجل مكافحة التمييز العنصري ضد الأقليات وخصوصاً ذوي الأصول الأفريقية.

واستحضر أوباما في خطابه سير رموز وشخصيات أميركية كان لنضالاتها المديدة أثر كبير في محاربة العنصرية، وعقد مقارنات بين ما تعرض له ذوي الأصول الأفريقية في الولايات المتحدة من عبودية وتمييز عنصري في القرون والعقود الماضية وبين واقعهم الحالي في القرن الحادي والعشرين..

حيث يبرز حجم التحولات الكبيرة والإنجازات التاريخية التي حققتها حركة مكافحة التمييز العنصري في المجتمع الأميركي خصوصاً على صعيد الحقوق السياسية. ولعل المثال الصارخ على صحة ما قاله أوباما يتمثل بوصوله هو كونه أول رئيس أميركي من أصول أفريقية إلى البيت الأبيض العام 2008 والتجديد له في العام 2012 بإعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية..

لكن المفارقة التي لم يشأ الرئيس الأميركي الأسود الإشارة إليها أو تجنب الإقرار به علناً أمام الشبان السود المتحمسين تتمثل في أن العنصرية في نهاية عهده في البيت الأبيض بلغت ذروتها، فيما راهن كثيرون على أن انتخاب رئيس أميركي أسود سيحل المعضلة العنصرية، ويقضي على مظاهرها في المجتمع الأميركي ويعوض بعضاً من الظلم التاريخي الذي لحق بالسود في زمن العبودية..

فالعنصرية في أميركا اليوم أصبحت واحدة من أعقد المشكلات ومخاطرها باتت تهدد بانفجار المجتمع الأميركي من الداخل.

ولم يعد التمييز العنصري مقتصراً على ذوي الأصول الأفريقية بل أصبح المسلمون واللاتينيون في طليعة المجموعات التي تتعرض للتمييز العنصري وأحياناً لأعمال عنف ذات طابع عنصري. والأخطر من ذلك أن الاميركيين البيض أيضاً أصبحوا أسرى التمييز العنصري، إذ أظهر استطلاع للرأي أجري أخيراً أن البيض يشعرون أنهم عرضة للتمييز العنصري في حياتهم اليومية أكثر من الأميركيين السود.

وتعتبر شرائح واسعة من الأميركيين البيض، وخصوصاً الجمهوريين والمجموعات اليمينية المحافظة، أن أوباما اعتمد سياسات عنصرية ضدهم، وأنه غير الهوية الثقافية لأميركا وهم ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء فترته الرئاسية كي يتمكنوا من الثأر وإعادة أميركا إلى أصولها.

ولا يخفى أن هؤلاء من المؤيدين لوصول رئيس إلى البيت الأبيض من عيار دونالد ترامب يرفع شعار: «جعل أميركا عظيمة مجدداً» أي حسب وجهة نظرهم «جعل أميركا بيضاء مجدداً».