ضاقت الأرض جداً على أم حسن، النازحة من إدلب، بعد الحرب الأخيرة في الريف الجنوبي من إدلب وحلب، وما كان من عائلة أم حسن، إلا التوجه إلى ملعب المدينة الكبير، عله يكون الحل وسط زحام المخيمات وعناء الرحلة إلى الشمال.

كان خيار أم حسن، والمئات من العائلات الأخرى النازحة موفقاً، حيث وجدت في هذا المكان المتسع، فسحة للبقاء، هي وأولادها الخمسة، بعد أن قضى زوجها في القصف، وهي تخرج من معرة النعمان، بدلاً من التوجه إلى المخيمات الوعرة والقتال حول المخيمات، للحصول على خيمة في الأجواء الباردة الماطرة.

في هذا الملعب، عشرات العائلات النازحة في شمال غربي سوريا، وجدت لها مكاناً تعيش فيه إثر فرارها من المعارك في مدينة إدلب، بعدما باتت المخيمات والبلدات كافة مكتظة بالوافدين إليها، على وقع التصعيد العسكري.

بعد الحرب، تحوّل الملعب إلى مخيم كبير، خصوصاً القاعات الداخلية، وغرف اللاعبين وصالات الاجتماعات، بعد أن كان متنفساً للرياضيين، وقد تخلى الرياضيون عن هوايتهم لصالح هؤلاء النازحين، أما المدرجات، فأصبحت منشراً للغسيل، ومكاناً للراحة والتأمل، وغرف اللاعبين أصبحت أجنحة سكنية للفارين من هول الحرب.

فايز الدور أستاذ سابق في المرحلة الابتدائية، أحد النازحين، يحمد الله على كل حال، ويقول: غيرنا ليس لديه مكان يأوي إليه، هذا المكان هو بمثابة طوق نجاة لنا. لكنه يتابع القول: لن نستمر هنا، وسنعود قريباً مع اقتراب شهر رمضان المبارك.

ويتابع: هذا المصير الذي نعيشه لا مفر منه، ولا بد أن نتجاوز المرحلة، خصوصاً أن أطفالنا يسألون في كل يوم، متى نعود إلى البيت. يلهو الأطفال من مختلف الأعمار في قلب الملعب الأخضر، وهم لا يعرفون متى تنتهي هذه الرحلة، أما الكبار في السن في المكان ذاته، يعاينون حال أولادهم، ويقضون معظم أوقاتهم في الصمت، إذ لم يعد لهم سوى الصمت والتأمل، وهم يقبعون في سجن كبير، اختاروه بأنفسهم.