عندما استدعى ضباط الجيش العراقي أفراد العائلة المالكة العراقية إلى باحة قصر الرحاب في بغداد عام 1958، كانوا يعتقدون أنهم يستنهضون حقبة جديدة من الحرية في العراق. وبتصفية آخر ملوك العراق، فيصل الثاني، وأقاربه، علق هؤلاء الضباط الأمل على إنهاء السيطرة البريطانية على بلدهم.

ولكن جرت الأمور على النقيض من ذلك، حيث استنهضوا جمهورية مضطربة، انتقلت من حالة الأزمة إلى الانقلاب، وذلك حتى وصول الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، البالغ من العمر وقتها 42 عاما، إلى السلطة، والذي تمكن من تعزيز قبضته على شؤون البلاد.

الفرار للخارج

ومنذ ذلك الحين، يتم الاحتفال في الرابع عشر من يوليو كل عــام، باعتباره عيدا وطنيا. ولكن، حتى قبل الإطاحة بصدام، كان العراقيون غالبا ما يحنون إلى ما يسمونه «العــصر الذهبي»، المتمثل في النظام الملكي.

ولكوني قضيت وقتا كافيا بين المنفيين في لندن، وهم الجيل المثقف، الذي اضطر الى الفرار من وحشية النظم العربية في العراق واليمن وسوريا، فإنني أعرف يقينا حنينهم إلى الماضي، الذي لا يخالجهم فقط، بل انتقل أيضا إلى أبنائهم. وعدد قليل من هؤلاء الآباء يتذكرون تلك الحقبة من الزمن.

وحتى اليوم، لا يزال الشبان العراقيون المنتمون لفئة معينة من الشعب، وذلك على نحو لا يمكن انكاره، يتوقون لفترة يعرفونها فقط عبر سرديات التاريخ والذكريات، وهي الفترة التي سبقت القمع السياسي العلني، وتوسع القبضة الايديولوجية على الحيز العام.

وبالنسبة لهم، تمثل حقبة فيصل الثاني والفترة الملكية البلد الذي يمكنهم تصور العيش فيه بسهولة، وهي فترة تختلف كثيرا عن عراق اليوم. وغالبا ما تساءلت عن الحب، الذي يحمله بعض العراقيين للملكية، التي فرضت عليهم من قبل البريطانيين، والتي أتت بالعائلة المالكة فيها من المدن الساحلية الواقعة غربي الجزيرة العربية.

 ولكن هناك سبب لذلك الحب، متعلق بحقبة مكسوة بالرومانسية، تفسر لماذا يحن العراقيون لتلك السنوات، ولهذا السبب علاقة بدور العراق في العالم. وعندما يتحدث العراقيون عن النظام الملكي، فإنهم يقصدون بشكل عام، الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية على الفور، والممتدة حتى وفاة فيصل الثاني في عام 1958.

التفاوت الطبقي

وربما يكون من الطبيـــعي أن ينظــر العراقيون إلى هذه السنوات من خلال نظارات وردية. وتعتبر الروايات التاريخية أن هذه الفترة جعلت العراق بلدا مثقفا، منفتحا على التقدم، وواثقا بمكانته في العالم، وتصفه بأنه أقل ازدحاما من القاهرة، وأكثر عالمية من دمشق.

ولكن هذه الزيادة السريعة في التميز والثروة، لم يتم تقاسمها على نطاق واسع. وبحلول خمسينيات القرن العشرين، عاشت غالبية العراقيين في المدن، أو بالقرب منها.

وكانت آثار الثراء الموجودة في بغداد بتلك الفترة، من حفلات مترفة في الحدائق، وفلل فخمة، وسيارات وطائرات ركاب، تخص النخبة العراقية فقط. ولم تكن غالبية العراقيين تعيش بهذا الشكل. وفي الواقع، ومن الناحية الاجتماعية، كان الفقراء الذين يقطنون المناطق الحضرية، يعيشون بالطرق التقليدية.

ويحب العراقيون الشباب اليوم صور الرجال حليقي الذقن، بالبزات الرسمية، والنساء اللواتي يرتدين ملابس جميلة، وذلك بشكل أساسي لأنه يناقض الواقع الحالي في العراق. ولكن حتى في تلك الفترة، كانت العلمانية في العراق تخص الطبقات المتوسطة والعليا، ومن غادروا قراهم وقتها متوجهين للمدن غالبا ما سعوا وراء العيش بكرامة.

ذكريات العراقيين

أولئك الذين يذكرون النظام الملكي باعتزاز هم للسبب ذاته أيضا يتناسون أجزاء من التاريخ العراقي. ويتذكرون حياة طبقة التجار، وانجازات ملاك المصانع، ولكن ليس حياة أولئك الذين عملوا فيها.

وأكثر من ذلك، وعلى الرغم من أن حنينهم إلى الماضي يشوبه حزنا يتعلق بشيء آخر، إلا أن أكثر ما يحزنهم هو أن شؤون العراق باتت تهم من هم خارج حدوده.