تراصت الجثث في شوارع مدينة داريّا بريف دمشق إثر مجزرة هي الأكبر التي تشهدها سوريا منذ اندلاع الثورة قبل 17 شهراً، حيث قتل 344 شخصاً على الأقل خلفتهم آلة القتل وراءها وسط توقعات بالعثور على المزيد من الجثث في مناطق انتشار القوات الموالية للنظام داخل المدينة، ورغم أن هذه المجزرة تعتبر الأكبر في سوريا إلا أن الادانات الدولية لها كانت الأصغر والأقل مبالاة باستثناء إدانة بريطانية لفظية وصفت ما جرى على يد قوات النظام بأنه «عمل وحشي».

واعلن المرصد السوري لحقوق الانسان انه تم العثور على مئات الجثث في مدينة داريا بالقرب من دمشق التي كانت اقتحمتها القوات النظامية بعد اشتباكات عنيفة مع مقاتلين معارضين منذ الثلاثاء الماضي.. أعلن المرصد في بيان ان «320 شخصا على الاقل قتلوا في داريا خلال الحملة العسكرية التي استمرت في الايام الخمسة الماضية في داريا».

وبين هؤلاء القتلى «تسعة اشخاص عثر على جثامينهم قرب مسجد عمر بن الخطاب في داريا في ظل استمرار الانتشار الامني والعسكري» في المدينة التي يسكنها عموما نحو 200 الف نسمة وتقع الى جنوب غرب العاصمة السورية.

ويشمل عدد القتلى ال320 الذين قتلوا منذ الثلاثاء، 34 شخصا قتلوا امس السبت في المدينة.

وإضافة لعدد القتلى الذي ذكره المرصد، عثر الأهالي أمس على 14 جثة جديدة في قبو أحد الأبنية حيث أعدموا ميدانياً على يد قوات النظام.

واضاف المرصد انه «تم توثيق اسماء نحو 200 من الشهداء بينهم نساء واطفال وشبان ورجال ومقاتلين من الكتائب الثائرة المقاتلة» في المدينة التي «شهدت قصفا عنيفا واشتباكات عنيفة واعدامات ميدانية بعد الاقتحام»، حسب المرصد.

وبثت وسائل إعلام النظام صوراً لأشلاء القتلى من بينهم نساء بملابس تقليدية زاعمة أنهم من «العصابات الإرهابية».

زرع الموت

ووصفت لجان التنسيق المحلية في بيان ما حصل في داريا بأنه «مجزرة ارتكبها النظام». ولفتت الى ان «وحشية أجهزة النظام ومليشياته زرعت الموت في شوارع البلدة وبساتينها من دون تمييز بين رجل او امرأة او طفل... راح ضحيتها أكثر من 300 شهيد».

وذكرت ان ما حصل يأتي «نتيجة اجرام ممنهج يبدأ بفرض الحصار وقطع وسائل وسبل الحياة ليتبعه قصف عشوائي بالأسلحة الثقيلة والطيران»، مضيفة انه يتبع ذلك «تدخل قطعان القتلة لتمارس الاعدامات الميدانية وتقطيع الأوصال وحرق الجثث». واشارت الى ان «جيش النظام تحول الى جيش احتلال قاتل للسوريين»، واتهمت النظام بأنه «يواجه المجتمع الدولي بتحد جديد مع بدء مهمة جديدة ومبعوث جديد» في اشارة الى المبعوث الدولي-العربي الجديد لحل الازمة السورية الاخضر الابراهيمي.

القضاء إلى الأبد

من جهتهم، اعتبر ناشطون ان ما حصل في داريا محاولة جديدة «للقضاء مرة واحدة والى الابد على الثورة في العاصمة بعد ان اعاد المقاتلون المعارضون التجمع في ضواحي جنوب العاصمة»، بعدما اعلن الجيش النظامي في اواخر يوليو الماضي استعادة السيطرة الكاملة على دمشق اثر اسبوعين من المعارك العنيفة مع المقاتلين المعارضين.

واظهر شريط فيديو بثه ناشطون على الانترنت تحت عنوان «مجزرة في جامع ابوسليمان الدارياني في داريا»، عشرات الجثث المصفوفة جنبا الى جنب في قاعة يسيطر عليها نور خافت. وبحسب تعليق المصور فان «مجزرة وحشية ارتكبتها عصابات نظام الاسد في جامع ابو سليمان الدارياني»، مضيفا انه نتيجة ذلك «سقط اكثر من 150 قتيلاً شنتها العصابات المجرمة ضد المدينة». وبث ناشطون صوراً ومقاطع فيديو أظهرت اطفالا ونساء ورجالاً تعرضوا للذبح بالسكاكين، وبعضهم مربوطي الأيدي بعد إعدامهم برصاصات في الرأس. كما تسرب مقطع فيديو لجنود من قوات النظام يمارسون التعذيب بحق مدنيين وينهالون عليهم بالسياط والشتائم الطائفية.

واتهمت الامم المتحدة في تقرير صادر عنها منتصف اغسطس الجاري القوات النظامية السورية والشبيحة بارتكاب مجازر ضد الانسانية.

وفي ريف دمشق ايضا، ذكر المرصد ان خمسة من مقاتلي الجيش الحر قتلوا «اثر اشتباكات وقصف في مزارع بلدة رنكوس».

أقلّ الإدانات

دولياً، فاجأت ردود الفعل الخجولة المعارضة السورية حيث لم تصدر سوى إدانة من بريطانيا اعتبرت فيها ما جرى بأنه «عمل وحشي» فيما تثاقلت الدول الأخرى في إطلاق الإدانات كما جرت العادة وخاصة في مجازر الحولة والقبير والتريمسة والتي كانت تأتي بعد ساعات من حدوثها.

ودان وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ألستير بيرت، مجزرة داريا. وقال بيرت إن «قمع النظام السوري لشعبه بصورة مروّعة على مدى أكثر من 17 شهراً، ترك مساحة صغيرة للمراقبين المستقلين للعمل في سوريا وجعل من الصعب للغاية التحقق من ما حدث» وأضاف: «تحدثت جماعات المعارضة عن مقتل أكثر من 300 شخص بينهم نساء وأطفال قُتل بعضهم من مسافة قريبة، وإذا ما تأكد ذلك فإنه سيكون عملاً وحشياً على نطاق جديد يتطلب إدانة قاطعة من المجتمع الدولي بأسره، حيث كان الأكثر دموية» منذ بدء الثورة في سوريا.

اشتباكات حلب

تواصلت عمليات القصف على احياء صلاح الدين وسيف الدولة وسليمان الحلبي والصاخور والميدان من قبل القوات النظامية، بحسب المرصد الذي اشار الى اشتباكات بين هذه القوات والجيش الحر «في احياء سيف الدولة والصاخور والميدان وسليمان الحلبي». واضاف ان الاشتباكات أدت الى سقوط مقاتل في حي الميدان.

وافاد مراسل وكالة «فرانس برس» في حلب بأن الدبابات تقصف بشكل عنيف احياء عدة في المدينة ما يجبر السكان على الهرب للبحث عن ملجأ. وقال احد القادة الميدانيين من المنشقين في سيف الدولة ان الجيش النظامي «يحاول التقدم ونحن نصدهم، لكن هناك الكثير من الشهداء والجرحى».