مرت أول أمس الـ 18 من يناير 100 سنة على معاهدة فرساي، فبعد أربع سنوات من الحرب، التقى زعماء عالميون في العاصمة الفرنسية باريس بتاريخ 18 يناير 1919 لصياغة معاهدة فرساي وتأسيس عصبة الأمم، التي حملت بذرة صراع عالمي آخر اندلع العام 1939.

من السهل شن حرب على إقامة سلام"، بهذه العبارة افتتح جورج كليمنصو، الذي أطلق عليه الفرنسيون اسم "أبو الانتصار"، المؤتمر.

وقد افتتح مؤتمر السلام في 18 يناير 1919، بعد شهرين من إعلان هدنة الحرب العالمية الاولى، حيث اجتمع ممثلو البلدان الـ 32 المتحاربة في باريس لصياغة مبادىء السلام، وذلك في غياب ممثل ألمانيا، وفق مقال لـ "لوفيغارو" الفرنسية.

قاد المحادثات زعماء الدول المنتصرة الأربعة: الرئيس الأمريكي ويلسون، ورئيس المجلس الفرنسي كليمنصو، ورئيس الوزراء البريطاني لويد جورج، ورئيس الوزراء الإيطالي أورلاندو.

تباعدت المواقف في عدة نقاط: الفرنسيون يطالبون بإدانة مادية ومعنوية لألمانيا وحماية الحدود، أما الإنجليزي فكانوا أكثر واقعية وسعوا للاحتفاظ بألمانيا كشريك تجاري ودرع للوقاية من البلاشفة (الشيوعيين السوفييت). من جانبهم الإيطاليون كانوا يريدون تنفيذ الوعود التي قطعت لهم بشأن ضم "الأراضي غير الثابتة" (ترينتينو ، تريست ، استريا).

الموقف الأمريكي المجسد من قبل وودرو ويلسون بقي مسالمًا ومثاليًا. وهو مستوحى من الخطاب الشهير المؤلف من 14 نقطة الذي ألقاه الرئيس الأمريكي في 8 يناير 1918. والذي اصطدم بالمطالب الإقليمية والمالية للأوروبيين.

كما ناقش المؤتمر وضع أساس لعصبة الأمم، التي هي نقطة ويلسون الرابعة عشرة، ليتم اعتماد الاتفاقية التأسيسية في 28 أبريل 1919. ويتعهد أعضاء الرابطة، المنتصرون والدول المحايدة، بضمان السلام العالمي.

وبسرعة ضعفت عصبة الأمم، لتكوينها الذي استثنى الدول المهزومة في الحرب العالمية الأولى (ألمانيا لم تنضم إليها سوى في عام 1926 لتتركها في عام 1933 مثل اليابان) كما رفض الكونغرس الأمريكي التصويت لعضوية الولايات المتحدة. وبذلك لم تقدر العصبة على منع اندلاع الحرب العالمية الثانية، لتضمحل نهائيا العام 1946 لصالح الأمم المتحدة.

وقد تم توقيع معاهدة فرساي في 28 يونيو 1919، حيث كان من الضروري التوصل إلى حل وسط.، فكليمنصو كان عليه التخلي عن مطالبه بضم مقاطعة سار الالمانية، التي وضعت تحت انتداب عصبة الأمم، مقابل احتلاله للضفة اليسرى لنهر الراين لمدة خمسة عشر عاما في مقابل وعد من انسحاب مبكر في حالة التطبيق السليم للمعاهدة من طرف ألمانيا. وكونها المسؤولة عن الحرب، فقد فقدت الإمبراطورية الالمانية سبع مساحة أراضيها جراء هذه المعاهدة، حيث حصلت بولندا بدورها على منفذ إلى البحر بمنحها دانزيغ، مع تقطيع ألمانيا إلى قسمين، وتدمير كل قوتها العسكرية، وفرض جزاءات مالية هائلة عليها.

لم يكن أمام الألمان سوى تقبل الضرر الذي جاءت به معاهدة فرساي، كونهم لم يدعوا للتفاوض وتم رفض جميع مزاعمهم، وبلغوا بالشروط المفروضة عليهم نهاية شهر أبريل، ما صعد لدى ألمانيا روح الانتقام وصعود النازية، التي كانت سببا في اندلاع الحرب العالمية الثانية.