لم تشهد أي من الإدارات الأمريكية، التي تعاقبت على الحكم على مدى عقود، هذا الكم من الأزمات كما شهدتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، من إلغاء المحكمة قراره التنفيذي بمنع مواطني سبع دول من دخول البلاد، مروراً بالإقالات، وغير ذلك الكثير من التصريحات والقرارات التنفيذية الإشكالية، ما أدى إلى تكرار الحديث عن «عزل الرئيس»، فهل سيتم عزله ومحاكمته؟ أم أن نائب الرئيس سيلجأ إلى استخدام التعديل الخامس والعشرين في الدستور الأمريكي؟

بالأمس أطلقت رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، تحقيقاً رسمياً لإقالة الرئيس، دونالد ترامب، ما أدى إلى تصاعد الضغوط من الديمقراطيين بشأن ذلك، مستندين إلى ما يعتبرونه جرائم متعددة مثل عرقلة العدالة وانتهاك بند المكافآت في الدستور لصالح أعماله التجارية، بجانب تقويض حرية الصحافة.

نانسي بيلوسي تقود الحملة في أعقاب تقارير تفيد بأنه شجع زعيم دولة أجنبية على إجراء تحقيق قد يضر بأحد خصومه السياسيين، مستغلة اعتراف الرئيس ترامب بأنه طلب من الرئيس الأوكراني زيلينسكي التحقيق من نجل جو بايدن المرشح الرئاسي، فما الأسباب التي قد تؤدي إلى عزل الرئيس الأمريكي.

أسباب العزل
دستور الولايات المتحدة وتحديداً في الفقرة الرابعة من المادة الثانية، يوضح الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى عزل الرئيس، إذ ينص على أنه «يعزل الرئيس ونائب الرئيس وجميع موظفي الولايات المتحدة الرسميين المدنيين من مناصبهم إذا وجه لهم اتهام نيابي بالخيانة أو الرشوة أو أية جرائم أو جنح خطيرة أخرى»، وجملة «أية جرائم أو جنح خطيرة أخرى» تسمح بوجود مساحة للمناورة لمن سيقوم بعملية العزل.

سير عملية العزل
العزل أمر غير سهل، وهناك طريق طويل لنجاح ذلك. الفقرة الثانية من المادة الأولى من الدستور الأمريكي تنص على أن مجلس النواب «يختار رئيسه والمسؤولين الآخرين، وتكون لهذا المجلس وحده سلطة اتهام المسؤولين»، لذا فإن العزل يجب أن يبدأ من مجلس النواب.

والمجلس الذي يبلغ عدد أعضائه 435 نائباً يجب عليه أن يخوّل إحدى لجانه، وعادة ما تكون اللجنة القضائية، للتحقيق في الشخص المعني. وفي حال حددت اللجنة وجود أمر ما، فإن بإمكانها إعادة مواد العزل للمجلس ككل، ليقوم بالتصويت بأغلبية بسيطة. وبما أن الديمقراطيين يسيطرون على مجلس النواب الآن، فإن بإمكانهم بسهولة تحقيق ذلك ضمن هذا الحزب غداً على سبيل المثال، لكن هذه الخطوة الأولى فقط.

المحاكمة في الشيوخ
وترسل القضية برمتها إلى جلس الشيوخ حسب الفقرة الثالثة من المادة الثانية للدستور، الذي ينص على أن «لمجلس الشيوخ وحده سلطة إجراء محاكمة في جميع تهم المسؤولين. وعندما ينعقد مجلس الشيوخ لذلك الغرض، يقسم جميع أعضائه باليمين أو بالإقرار. وعندما تتم محاكمة رئيس الولايات المتحدة، يرأس رئيس القضاة الجلسات، ولا يجوز إدانة أي شخص بدون موافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين».

ويتضمن الجزء الخاص بمجلس الشيوخ في عملية العزل محاكمة يكون فيها النواب مدّعين عامّين بينما يكون مجلس الشيوخ أعضاء بهيئة المحلفين. ويجب أن يصوّت ثلثاهم بالإدانة، وبالقيام ببعض الحسابات فيجب أن يكون عددهم 67 سناتوراً على أقل تقدير، وبالتقسيم الحالي للحزب، فهذا يعني أن على 20 سناتوراً جمهورياً أن يصوت لإدانة ترامب، على افتراض بأن كل الديمقراطيين سيصوتون لصالح ذلك أيضاً.

توزيع المقاعد
يضم مجلس النواب 235 نائباً ديمقراطياً و199 نائباً من الحزب الجمهوري وعضواً واحداً مستقلاً. ونتيجة لذلك يمكن للديمقراطيين أن يوجهوا الاتهام للرئيس دون تأييد من الجمهوريين.

أما مجلس الشيوخ فيحتل الجمهوريون 53 مقعداً من مقاعد هو الديمقراطيون 45 مقعداً بالإضافة إلى عضوين مستقلين يصوتان في العادة مع الديمقراطيين.

ومن الممكن أن تصوت الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ على الفور بإسقاط التهم الموجهة لترامب دون النظر في الأدلة.

ولم يحدث من قبل أن تم عزل رئيس من منصبه نتيجة مباشرة للمساءلة، فيما استقال رئيس واحد هو ريتشارد نيكسون من منصبه عام 1974قبل إمكان مساءلته، في حين وجه مجلس النواب اتهامات لرئيسين هما أندرو جونسون في 1868 وكلينتون، لكن مجلس الشيوخ لم يصدر قراراً بإدانة أي منهما.

وسيلة أخرى
ويمكن لنائب الرئيس أن يلجأ إلى استخدام التعديل الخامس والعشرين في الدستور الأمريكي لأسباب مثلاً لإصابات الطبية المعوقة والحالات النفسية. «عندما يشعر نائب الرئيس وأغلبية أعضاء الإدارة أو بعض قيادات مجلسي الشيوخ والنواب بعجز الرئيس، يتم توجيه رسالة كتابية إلى رئيس مجلس النواب والقائم بأعمال مجلس الشيوخ، تقول إن الرئيس غير قادر على أداء مهامه بصفته رئيساً، يتولى نائب الرئيس الرئاسة بصفته رئيساً مؤقتاً».