يُمضي اللاجئون السوريون شتاءهم التاسع في مخيمات البؤس، فيما تضرب العواصف بلدان المنطقة، ويستمر هبوب الرياح العاتية وهطول الأمطار الغزيرة وتساقط الثلوج، ما يفاقم ظروف الحياة الصعبة التي يعيشونها في ظل موجات الصقيع القارس.

الرياح والأمطار الغزيرة التي هطلت على امتداد الفترة الأخيرة أدت إلى حدوث فيضانات في بلدات وقرى عدة في جميع أنحاء لبنان الذي يستضيف ما يقرب من 950 ألف لاجئ سوري، فيما تكافح الدولة للتعامل مع الأضرار الناجمة عن العواصف.

وعانت مخيمات اللاجئين السوريين غير الرسمية شمال شرقي البلاد بدورها من هذه العواصف، حيث أفيد بحدوث أضرار بالخيم، مع حاجة ألوف اللاجئين الماسّة إلى مساعدات طارئة. وأفادت وكالات الأنباء بمصرع أربعة أشخاص، بما في ذلك فتاة سوريأ وأخوها، نتيجة للعاصفة «مريام» التي ضربت البلاد بعد أسبوع فقط من هبوب العاصفة «نورما»، في 5 يناير، التي دامت 5أيام متتالية، حيث غمرت الأمطار مخيمات اللاجئين بالمياه، ودفنت الثلوج بعض الخيام بشكل تام.

نصف متر

ودفنت المخيمات في بلدة عرسال الحدودية تحت الثلوج، فيما عانت المخيمات وسط وغربي البقاع من فيضانات قوية. ويقول عمال الإغاثة إن ارتفاع المياه وصل إلى نحو نصف متر في العديد من المخيمات، حيث قضى اللاجئون الليل في وضعية الوقوف، بينما فاضت أنظمة الصرف الصحي، وعلقت الأسر في المناطق المرتفعة في الخيم تحت الثلوج الكثيفة.

وسائل الإعلام نقلت صور الخيام المغطاة بالثلوج، فيما بدت المخيمات في المناطق المنخفضة أشبه ببرك سباحة غمرتها المياه، وغاص الناس في المياه الموحلة حتى الركب، وهم يحاولون إنقاذ البطانيات المبللة والمواد الغذائية والأثاث المدمر. وشوهد الأطفال وهم شبه حفاة وسط البرد القارس. وبينما كان الناس يلملمون بطانياتهم المبللة وغيرها من الاحتياجات الشحيحة أصلاً، كان إحباطهم يزداد يوماً بعد يوم، بعد أن شح الطعام وحل البرد وانقطعت طرق الوصول إلى المحتاجين في المناطق الأكثر عزلة، فيما مل الناس الانتظار فترات طويلة لوصول المساعدات.

مخيم مؤقت

في عكار، قال حسين زيدان، الذي جاء إلى لبنان من حمص في سوريا عام 2011، والذي يعيش في مخيم مؤقت بالقرب من نهر في منطقة عكار شمالي لبنان، أن العاصفة تركته وأولاده من دون ثياب وأثاث وطعام، وقد انتقل مع عائلته المؤلفة من ثلاثة أطفال بحثاً عن الجفاف والدفء في منزل غير مكتمل البناء من دون نوافذ أو أبواب، كما أفادت صحيفة ديلي ستار بإنقاذ 500 شخص من الخيم المغمورة بالمياه في مخيم السماقية بعكار.

وفي بر الياس، أفاد مسؤول في لجنة الإنقاذ الدولية بأن الأمطار الغزيرة في المنطقة وسط البقاع أدت إلى فيضان النهر مرة أخرى، فغرقت الخيام المنصوبة في المنطقة.

وقالت اللاجئة السورية جورية رمضان القادمة من دير الزور، وهي واقفة في مستنقع من المياه حاملة ابنها حافي القدمين، قبل أن تضعه على لوح خشب عائم وتلفه ببطانية: «الناس مرضى. المياه في كل مكان ولا يمكننا النوم في الليل. لقد مرت ثلاثة أيام علينا بهذا الشكل. طوال الليل نجلس ونشاهد الأطفال ولا يمكننا فعل أي شيء لهم. وضعهم سيئ للغاية»، حيث هناك مدفأة تعمل على الحطب عديمة الفائدة، إذ لا وقود ولا حطب جافاً في المكان.

عرسال

في المناطق المرتفعة، كان لاجئو بلدة عرسال على الحدود مع سوريا الأكثر تضرراً، حيث يقدر عددهم بـ50 ألفاً معظمهم في مخيمات غير رسمية وفي ظروف محفوفة بالخطر. وأفيد بسقوط أسقف الأكواخ البدائية تحت ثقل الثلوج ووصول درجات الحرارة إلى درجة الجليد. وقال أحد اللاجئين إن الثلوج وصل ارتفاعها إلى أكثر من متر، مع شح في الطعام وانقطاع الخبز والطرقات.

المتطوعون واللاجئون توجهوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمشاركة فيديوهات، وكتب أحدهم على «فيسبوك»: «ما بدي شيء، غير إنو ما يبردوا ولادي»، مظهراً ظروف أحد مخيمات المنطقة حيث تعيش 7200 عائلة في 116 خيمة.

أحمد أبو سار، وهو متطوع آخر في مخيم عرسال، قال في تصريح : «الظروف صعبة للغاية، فالمخيم مغطى بالكامل بالثلوج. والناس يبحثون عن الدفء. ويمرضون بسبب البرد، لكن لا يمكن نقلهم إلى المستشفيات، فالطرق مقطوعة بسبب الثلوج. وليس هناك مساعدات رسمية من السلطات اللبنانية، باستثناء المنظمات غير الحكومية».

خيم هشة

وتؤوي مخيمات لبنان آلاف السوريين في خيام صغيرة من المشمع البلاستيكي والهياكل الخشبية المرتجلة، وتقول مديرة منظمة «سوا للتنمية والإغاثة»، رولا محيسن: «البنية التحتية رهيبة، لأن المخيمات ليست هياكل دائمة، ونعاني المشكلات نفسها كل عام». فاللاجئون السوريون ليس لديهم الحق في بناء هياكل خرسانية في مخيماتهم، حيث إن الحكومة لا تريد تشجيع الإقامة الدائمة. الأجواء باردة وتقوم العائلات بحرق القمامة، معظمها من البلاستيك للبقاء دافئة، وليس هناك ما يكفي من الطعام.

خطر حقيقي

سوريا بدورها تأثرت بالعاصفة، حيث أفيد بتعرض مخيمات في محافظة إدلب الشمالية الغربية للفيضانات المفاجئة أواخر ديسمبر، وانخفاض درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر. وأفيد بمواجهة ما لا يقل عن 11 ألف طفل لاجئ وعائلاتهم خطراً حقيقياً من دون مأوى، مع احتمال التجمد حتى الموت، فيما هبطت الحرارة إلى ما دون الصفر وسط نقص في البطانيات ووقود التدفئة.

وأفادت منظمة غوث الأطفال بأن الأمطار الغزيرة التي تهطل في شمالي سوريا منذ 26 ديسمبر جرفت آلاف الخيم والممتلكات الخاصة للنازحين، بما في ذلك الإمدادات الطبية والكراسي المتحركة والمعدات.

ونقلت المنظمة عن رئيس مجلس إدارة «اتحاد منظمات الرعاية الطبية والإغاثة»، الدكتور حسام الفكير، قوله: «الأطفال وكبار السن والمرضى والضعفاء لن يتحملوا لفترة أطول من دون نقلهم إلى أماكن دافئة وجافة»، مناشداً المجتمع الدولي للمساعدة، واصفاً الوضع بكابوس إنساني «سيتطلب جهود تنسيق هائلة للوصول إلى كل تلك المخيمات في الوقت المناسب».

«أعداد الناس التي انتقلت إلى إدلب في العام الماضي كبير جداً»، تقول مديرة الاتصالات في مفوضية اللاجئين في سوريا، كارولين انينغ، مضيفةً: «رأينا منذ بضعة أشهر تصعيداً للعنف في الجنوب، وألوف الناس هربوا شمالاً. الوضع متوتر جداً».

انتشار الأمراض

يشعر عمال الإغاثة بقلق إزاء انتشار الأمراض في المخيمات المكتظة، مع تقارير عن انتشار أمراض تنفسية. وما يصل إلى نصف 2.9 مليون شخص في إدلب والمناطق المحيطة نازحون وفقاً إلى الأمم المتحدة، ويشكّل الأطفال نصفهم.وإلى الجنوب، أفادت الأمم المتحدة، في 14 يناير، بوفاة 15 طفل سوري نازح، 13 منهم ما دون السنة الواحدة في الأسابيع الأخيرة بسبب الطقس البارد والرعاية الطبية غير الملائمة.

 

اقرأ أيضاً:

ـــ الفجوة التمويلية لمفوضية اللاجئين تفاقم المشكلة